أرهقني الوسواس، وأخاف من الكفر وعذاب النار، فما علاج ذلك؟

0 5

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا مبتلاة بوسواس العقيدة منذ شهر ونصف، حيث تراودني أفكار بأن الله غاضب علي ويريد طردي من الإسلام -أستغفر الله-.

بسبب الضغط النفسي الشديد الذي عشته في تلك الفترة، استيقظت ذات يوم وأنا لا أتذكر شيئا، لا أعرف من أنا، ولا ما يجب علي فعله، كنت أعرف أهلي، لكن لا أعرف ما دوري معهم.

أصلي؛ لأنني متأكدة أن الصلاة أمر واجب، لكنني لا أفهم لماذا أصبحت حياتي هكذا، كلما حاولت أن أذكر نفسي بالله، لا أجد شيئا أتذكره، وهذا يرهقني جدا!

أصبحت أكرر لنفسي في كل دقيقة: إنني مسلمة، وأدخل الإسلام مرارا وتكرارا خوفا من أن أنسى الله أو ديني، أشعر بالخوف من النار، وأخاف أن أكون غير مؤمنة، رغم أنني أظن أنني كذلك.

أخبرتني الطبيبة أن ما أمر به طبيعي نتيجة الضغط النفسي، وأنني نسيت وفرغت تماما، لكنني لم أستطع تقبل ذلك.

أريد أن أتذكر ديني، وأن أعود مؤمنة كما كنت، لم أعد أعرف كيف أدعو، ولا ماذا أقول من السور، سوى أنني أعلم أنها مهمة، لا أحد يفهمني، ويقولون إنه مجرد وسواس، لكنني لا أريد أن أنسى الله.

أصبحت أبكي باستمرار، وأشعر وكأنني أعيش في حلم، لا في الواقع، وعندما أنام، تأتيني مخاوفي على شكل كوابيس، وعند الاستيقاظ أجد نفسي في ضغط نفسي شديد، ولم أعد أفرق بين الكابوس والواقع.

أرجوكم، أفيدوني كيف أعود كما كنت: مسلمة مؤمنة، أذكر الله بإيمان، أنا أصلي وأذكر الله، لكن دون أي فكرة عما أقول.

أستحلفكم بالله، الأمر مخيف جدا، أخاف من الخلود في جهنم، ولا أتذكر الله، تخيلوا هذا الوضع المخيف، لقد تعبت كثيرا.

لم أعد أعرف ما هو الإسلام، ولا الدين، سوى أنني أعرف الحلال من الحرام، وأعلم أن الصلاة مهمة، وأن الإسلام أمانة، لكنني لا أعرف كيف أؤدي حق الدين.

أعينوني، فأنا على وشك الانهيار.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك، وبعد:

فما تمرين به -أختنا الكريمة- ليس كفرا، ولا نفاقا، ولا علامة غضب من الله كما توهمت، بل هو عارض نفسي اسمه: الوسواس القهري العقدي، وقد اجتمع فيه عندك أمران:
الوسواس، والضغط العصبي الشديد الذي سبب حالة من الانفصال المؤقت عن المشاعر والمعاني، ويسميها أهل الاختصاص: اضطراب التبدد أو اختلال الأنية، ولذلك تشعرين وكأنك لا تتذكرين الله، أو لا تعرفين من أنت، مع أنك تعرفين الحقائق بعقلك، لكن القلب متعب والوجدان خامد.

ودعينا نفسر لك ما ذكرنا في نقاط:
أولا: ما يحدث لك ليس غضبا من الله؛ فالله سبحانه لا يطرد من الإسلام من يعاني، ولا يسلب الإيمان ممن يجاهد قلبه خوفا من فقدانه، بل قال تعالى:"والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا"، وانت تجاهدين بالفعل، تبكين وتصلين وتستغفرين، إذا أنت داخلة في وعد الله بالهداية، لا في وعيده.

قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح:"يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق الله؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته"، ثم قال: "ذاك صريح الإيمان"، أي إن الوسوسة في العقيدة دليل على وجود الإيمان لا على غيابه؛ لأن الشيطان لا يوسوس إلا لمن يؤمن، أما الكافر فلا يحتاج إلى وسوسة، فكونك تخافين وتبكين وتستغفرين، فهذه علامة إيمان حي، فاطمئني.

ثانيا: ما تشعرين به من فقدان الإحساس والإدراك: هذه الحالة التي تصفينها بأنك لا تشعرين بالواقع ولا تعرفين كيف تدعين، ليست كفرا ولا ذنبا، بل هي من آثار الإرهاق العصبي الشديد، حين يرهق الدماغ من الخوف والوساوس، فيغلق بعض مراكز الشعور مؤقتا ليحمي نفسه، هي مثل يد أصابها التنميل، لا تشعر للحظة، لكنها ما تزال موجودة وسرعان ما تعود للحياة إذا ارتاح الجسد، فاطمئني، ستعودين كما كنت -بإذن الله-، ولكنك تحتاجين إلى راحة نفسية وعلاج متكامل.

ثالثا: كيف تعودين إلى الطمأنينة والإيمان:
1. توقفي عن اختبار نفسك: لا تقولي: هل ما زلت مؤمنة؟ هل أشعر بالإيمان؟ هل صلاتي مقبولة؟ هذه الأسئلة هي الوقود الذي يغذي الوسواس، الإيمان ليس شعورا عاطفيا فقط، بل هو تصديق بالقلب وعمل بالجوارح، وأنت تصلين وتستغفرين، إذا أنت مؤمنة، ولو لم تشعري بالسكينة مؤقتا.

2. افعلي العبادة دون تحليل: صلي، واذكري الله، وادعي، ولو بلا إحساس الآن؛ لأن هذا عارض وسيزول، واعلمي أن الله لا يكلف أحدا فوق طاقته "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" ووسعك الآن هو أن تفعلي الواجب حتى لو ضعف الشعور، أو قل.

3. عالجي الوسواس بتجاهله، وعدم الحديث معه، وعدم ترك فراغ في حياتك يتسلل إليك منه، والبحث عن صحبة آمنة صالحة، ودوام ذكر الله على كل حال، وعدم الجلوس كثيرا وحدك، كل هذه عوامل مساعدة بأمر الله.

4. الراحة الجسدية والذهنية: نامي وقتا كافيا، كلي جيدا، ابتعدي عن التفكير الدائم، كلما أرهقت نفسك أكثر بالتحليل، ازداد الانفصال الذهني، فتجاهلي الأفكار السلبية.

5. الذكر البسيط الهادئ: اختاري أذكارا قصيرة، وكرريها مثل:"اللهم ثبت قلبي على دينك"، "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث"،"لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"، قوليها بهدوء، حتى لو كنت لا تحسين بمعناها في البداية؛ فإن هذا كما ذكرنا لك عارض.

رابعا: اطمئنان شرعي قاطع: اعلمي يقينا أن الله لا يضيع من عاد إليه باكيا خائفا، بل وعدك بقوله:"إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء"، وأنت لم تشركي، ولم تكفري، بل تعانين من وسواس قهري مؤلم، بل حتى لو نطق الإنسان بكلمات الكفر تحت الوسواس، أو الإكراه، أو الاضطراب العقلي، فلا يحاسب عليها، قال ﷺ:"إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"، فما دمت في حالة اضطراب وضغط نفسي، فأنت في كنف هذا العفو.

وختاما:
- اجعلي عبادتك بسيطة ثابتة دون تدقيق.
- توقفي عن اختبار إيمانك.
- اطلبي من أحد تثقين به أن يكون لك معينا على الهدوء: أخت، صديقة.
- أكثري من قول: "اللهم ارحمني برحمتك، واهدني بهداك، ورد إلي قلبي".
- ثقي أن الله يحبك، بل لو علمت كم يحبك الله الآن، وأنت ترفعين يديك باكية تخافين نسيانه، لذابت كل وساوسك خجلا من رحمته، فهو الذي قال في الحديث القدسي:"من تقرب إلي شبرا، تقربت إليه ذراعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة"، وأنت جئت إليه زحفا من الخوف والألم، فاطمئني.

نسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك، والله الموفق.
_______________
انتهت إجابة د. أحمد المحمدي -استشاري الشؤون الأسرية والتربوية-،
وتليها إجابة د. محمد عبد العليم -استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-.
_______________
جزاك الله خيرا، رسالتك فعلا تستحق الاهتمام الشديد، وإن شاء الله هذا هو ديدننا ومنهجنا في استشارات إسلام ويب.

الذي تعانين منه لا شك أنه وساوس قهرية مستحوذة، وبالرغم من أنها ظهرت منذ شهر ونصف فقط، إلا أنها تجذرت واستحوذت، مما سبب لك الكثير من الألم النفسي.
موضوع الانفكاك من الواقع وضعف المشاعر، هذا أمر طبيعي ناتج من شدة القلق والتوتر والإكثار من تحليل الوسواس.

أيتها الفاضلة الكريمة: أفادك الدكتور أحمد المحمدي -حفظه الله- بإرشادات بليغة جدا، وهي تمثل قمة العلاج السلوكي المعرفي، فحاولي أن تقرئي رسالته عدة مرات وتستوعبيها جيدا، وتطبقي كل ما ورد فيها، وتأخذي به على يقين تام.

الوساوس -أيتها الفاضلة الكريمة- تحقر، وهذا هو المبدأ الأساسي: تحقيرها، تجاهلها، عدم الالتفات لها، وعدم تحليلها، واستبدالها بفكر مخالف تماما.

البشرى الكبرى التي أود أن أسوقها إليك هو أن هذا النوع من الوساوس يستجيب للعلاج الدوائي بصورة ممتازة، نعم، هنالك أدوية فاعلة، هنالك أدوية ممتازة، وأنت قلت إنك ذهبت إلى الطبيبة، هل هي طبيبة نفسية أم تخصص آخر؟ عموما، أنت محتاجة للدواء النفسي، و-الحمد لله- الآن بين يدينا أدوية ممتازة فاعلة وسليمة جدا.

أنا من وجهة نظري أفضل أن تتشاوري مع طبيبتك، وأن تبدئي في تناول الدواء مباشرة، ومن أفضل الأدوية دواء يسمى (سيرترالين) مفيد، ممتاز، وجيد جدا، وشديد الفعالية في قهر الوساوس.

من الأهمية بمكان أن تلتزمي بجرعة الدواء، وأن تتناوليه في موعده، والجرعة يجب أن تبنى تدريجيا، ثم تصلي إلى الجرعة العلاجية وتستمري عليها، وبعد ذلك يكون التوقف عن الدواء أيضا تدريجيا.

حبة السيرترالين تحتوي على (50 ملغ)، أرجو أن تبدئي بتناول نصفها (25 ملغ) يوميا لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعليها حبة واحدة يوميا، (50 ملغ) لمدة أسبوعين، ثم اجعليها (100 ملغ) - أي حبتين في اليوم- لمدة شهر، بعد ذلك اجعليها ثلاث حبات يوميا، ويمكن أن تتناوليها كجرعة واحدة، وهذه الجرعة في قوتها تعادل (150 ملغ)، وهي الجرعة العلاجية بالنسبة لحالتك، علما بأن الجرعة الكلية هي (200 ملغ) في اليوم، لكن لا أعتقد أنك في حاجة لهذه الجرعة.

واستمري على جرعة (150 ملغ) يوميا، لمدة ثلاثة أشهر، وهذه ليست مدة طويلة أبدا، ثم اجعليها (100 ملغ) يوميا، -أي حبتين- لمدة شهرين، ثم اجعليها (50 ملغ) يوميا، لمدة شهر، ثم نصف حبة، (25 ملغ) يوميا، لمدة أسبوعين، ثم نصف حبة يوما بعد يوم، لمدة أسبوعين آخرين، ثم توقفي عن تناول الدواء.

كما ذكرت لك، هو أحد أفضل الأدوية، وهو سليم وغير إدماني، ولا يؤثر على الهرمونات النسائية، فقط ربما يفتح شهيتك قليلا نحو الطعام، وتوجد أدوية أخرى كثيرة، لكن هو الأنسب لحالتك.

إذا هنالك دواء فاعل، هنالك أيضا -إن شاء الله- إرشاد رصين جدا، فأريدك أيضا بصفة عامة: أن تحسني إدارة الوقت، وأن تتجنبي السهر، وأن تجعلي لنفسك برامج يومية تتخلصي من خلالها من الفراغ الذهني، أو الفراغ الزمني؛ لأن هذا مهم جدا، وتيقني تماما أن الشفاء قادم بإذن الله.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات