السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في بعض الأحيان أشعر أن الاستشارات لا تنطلق من مبدأ، أو قاعدة ثابتة، وهذا التناقض يرهقني، فمثلا، حين تكون الزوجة صغيرة، يوصى بأن تكرس حياتها كلها لزوجها، وبيتها، وعائلتها، وأن يكون زوجها في مقدمة كل شيء، فتمضي الزوجة على هذا النهج.
وبعد سنوات من هذا الاهتمام الخاص، حين يصبح الزوج محور حياتها، ويقرر الزواج بأخرى، تأتي الاستشارات والنصائح لتقول لها: لا تجعلي زوجك محور اهتمامك، وابدئي بتعلم مهارات جديدة، وأشغلي نفسك عنه، وامنحيه مساحة ليبدأ حياة جديدة على حسابك، وأن معاناتك هذه فيها أجر.
رحمكم الله، هل الزوجة (روبوت) خال من المشاعر والأحاسيس؟ كيف لي أن أقنع نفسي بهذه المنطلقات؟ شخص أعطيته كل شيء، وبنيته -بفضل الله- بأحسن حال، وبعد أن يقف، تأتي من تأخذه مني جاهزا، كيف لي أن أتحمل أن أرى يوما اسم امرأة غيري في معاملاته الرسمية؟ كيف لي أن أتحمل حين ترن عليه، أو على أولاده مستقبلا، إن كنت سأعيش لهذا اليوم، كيف لي أن أراه صدفة وهو يمسك بيدها؟
كيف لي حين نلتقي في العلاقة، ألا تأتي صورتها أمامي، وأتخيل أن زوجي يعيش أجمل هذه اللحظات أيضا مع غيري؟ كيف لي أن أتحمل عطرها الذي سأشمه عليه، وليس عطري؟ كيف سأقضي يوم زواجه، ولن أموت فيه؟ بالله عليكم، هل بعد هذه العشرة يطلب مني أن أشغل نفسي عنه؟ وما هو الشيء الذي سينسيني زوجي، حبيبي، قرة عيني؟
دروس القرآن تذكرني به أكثر، ودروس الشرع كذلك، بربكم، هل دورة كروشيه، أو حياكة، أو طبخ أو ما شابه ستنسيني "روح الروح"؟ {يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا}.
كل ما أتمناه أن تكون هذه الحياة بعيدة عني، ليس شرطا أن أعاني بهذه التفاصيل والتخيلات، كل ما أريده هو أن أخرج من هذه المعاناة، لكن زوجي يرفض الانفصال، يقول إنه يحبني، والجميع يقنعني أن طبيعة الرجل هكذا، ويجب أن أتفهم، لكنني أنا من يفهم طبيعتي ويقدر حالتي، لست أنانية، لكنني لا أستطيع العيش في هذه الدوامة، الابتعاد وقطع كل تواصل وأخبار عنه هو الأفضل لي، وتفرغي لأولادي، وتعويضي لغيابه عن بيته الجديد سيكون من خلالهم، أما هو فالله يوفقه في حياته، لكن ليس على حساب مشاعري ومعاناتي.
آسفة على الإطالة، لكنني أود أن يفهمني أحد، تعبت، والله، وأتمنى الموت قبل أن أعيش هذه الأيام.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله .. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونحن نقدر مشاعرك ونقدر غيرتك، والغيرة مما جبل الله عليه بنات حواء، ونسأل الله أن يعينك على تجاوز هذه الصعاب.
وأنا لا أدري من الذي قال: تهتم بزوجها في البداية، ثم إذا تزوجت تهتم بأمرها! ينبغي من البداية أن تهتم بنفسها وتهتم بزوجها، وتستمر على ذلك في كل أحوالها؛ لأن الحياة الزوجية عبادة لرب البرية، الذي يحسن من الأزواج يجازيه الله، والذي يقصر يحاسبه الله تبارك وتعالى.
إذا: الذي ننصح به ونشير إليه: أن تستمر على ما بدأت به، ولا تقصر في الاهتمام بنفسها، (إن لنفسك عليك حقا)، ولا تقصر في الاهتمام بزوجها (وإن لزوجك عليك حقا)، وهذا الكلام يقال للرجل وللمرأة، {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف}.
أما ما يقوله الناس وما بدأت به، فهذا نحن أصلا لا نوافق عليه، ولا يمكن أن نقول بهذا، ولكن إقامة هذا التوازن: إعطاء النفس حقها، وإعطاء الآخرين حقهم، والتقرب إلى الله -تبارك وتعالى- بما أمر به هو المطلوب.
إذا أيقنت الزوجة أن إحسانها لزوجها يوصل إلى الجنة فستحسن، وإذا أيقن الزوج أن إحسانه لزوجته يوصله إلى الجنة فسيحسن، وإذا عرفت أن تقصيرها ستحاسب عليه، وعرف أن تقصيره سيحاسب عليه؛ فإن هذا سيجعلها تؤدي الذي عليها، حتى لو قصر هو في أداء الذي عليه.
هذه هي الفكرة الأولى التي نحب أن نصححها، وبعد ذلك نحن نوقن أنه لا يمكن أن توجد امرأة تقبل أن يتزوج عليها زوجها، فالغيرة موجودة، لكن من المهم جدا أن تدار الغيرة في حدودها الشرعية المعقولة، فمنها ما هو مقبول، ومنها ما هو مذموم.
الغيرة المذمومة إذا تحولت إلى عدوان، أو إساءة ظن، أو غيبة، أو نميمة، فهنا ندخل في الدائرة المظلمة، أما مجرد وجود الغيرة، فهذا لا تحاسب عليه المرأة، وهذا مما جبلت عليه النساء، والنساء يختلفن في القبول بالزوجة الثانية أو الثالثة، لكن نحن نذكر بأنه كل امرأة لن تأكل في الدنيا إلا رزقها، ولن تعيش إلا أجلها، وكذلك بالنسبة للرجل.
والنبي ﷺ كانت عائشة هي أحب زوجاته، ومع ذلك تزوج بعدها سبع زوجات تقريبا، وهذا لا يعني أنه لا يحب عائشة، وهذا مما ينبغي أن تفهمه النساء، فكون الرجل تزوج لا يعني أنه لا يحب الأولى، ولا يجوز له أن يقصر في حقها أو يقصر في حق الثانية، فهذه شريعة الله تبارك وتعالى.
وإذا كان لك وضع خاص، فهذا يحترم ويقبل، لكن نحن نريد أن نقول: الإنسان يستطيع أن يتعايش مع زوجتين، وتستطيع الزوجة أيضا أن تتعايش مع رجل عنده أكثر من زوجة، وإذا كنت نموذجا يصعب عليك التأقلم في هذا الوضع، فهناك نماذج ناجحة، وأعرف امرأة صالحة هي الزوجة الثالثة لزوجها، قدمت محاضرة لزميلاتها، قالت لهن: "أنا زوجة ثالثة، وأنا سعيدة، قسمت حياتي ليومين: اليوم الأول الذي لا يأتيني فيه؛ لأنه عند الأولى، حفظت فيه كتاب الله، واليوم الثاني الذي لا يأتيني فيه، تعلمت فيه العلم الشرعي"، فهي داعية، "واليوم الذي يأتيني فيه زوجي أتقرب إلى الله -تبارك وتعالى- بخدمته والعيش معه كما أراد الله تبارك وتعالى"، وهي تعيش في منتهى السعادة.
فلذلك نحن نريد أن نقول: من حق كل إنسان أن يعبر عن مشاعره، لكن الذي نحب أن نصححه أن الحياة الزوجية عبادة لرب البرية، وأن الإحسان ينبغي أن يستمر، وأن الاهتمام بالنفس، وبالزوج، وبالوالدين نحتاج فيه إلى التوازن: (إن لبدنك عليك حقا، وإن لنفسك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا، وإن لولدك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه).
متى ما نجحنا في إقامة هذا التوازن في هذه العلاقات، كانت الراحة، وكان التوفيق بتوفيق الله الكريم الفتاح، وأتمنى أن أكون قد فهمت ما تريدينه، ونرحب بأي إضافة منك وتواصل مع الموقع، ونسأل الله أن يسهل أمرك، وأن يغفر ذنبنا وذنبك.
هذا، وبالله التوفيق.