تعثرت خطبتي بسبب الخلافات ولم نعرف قرارهم بعد، فماذا نفعل؟

0 2

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا لا زلت طالبة في المرحلة الجامعية، لكن يراودني دائما شعور بالحاجة الملحة إلى السكن والاستقرار العاطفي، هل الإنسان المستقر عاطفيا يعيش حياة أفضل؟ هل يستطيع أن يواجه ضغوط الحياة بشكل أكثر توازنا؟ وهل الزواج هو السبيل الوحيد لتحقيق هذا الاستقرار؟

أشعر وكأن شيئا ما ينقصني، لبنة أساسية في كياني وفي حياتي، كثيرا ما أشعر بانعدام الرغبة أو الطاقة لفعل أي شيء، وأجد نفسي فقط أفكر في حياتي المستقبلية مع أطفالي وزوجي.

هذه الأفكار لا تؤثر على حياتي بشكل واضح للآخرين، لكنها تشعرني بالتشتت، وكأنني أعيش صراعا بين واقعي الحالي وما أعتقد أن حياتي لن تكتمل بدونه.

أصبح تفكيري منصبا على ما ينقصني، وعلى هذا الاحتياج تحديدا، أرهقني التفكير، فعلا أرهقني، هل فكرة الاستقرار العاطفي حقيقية أصلا؟ أم أنها مجرد حجة يختلقها عقلي لتبرير واقعي؟ والدي متوفى، وعلاقتي بأمي جيدة.

ازدادت الأمور تعقيدا عندما تقدم لخطبتي شاب منذ حوالي شهر، وعندما جلست معه، وجدت أن تفكيره يشبه تفكيري في كثير من الأمور، ليست أمورا سطحية، بل جوهرية.

اتفقنا مثلا على عدم إقامة حفل زفاف، وغيرها من التفاصيل، وكان النقاش معه مريحا حتى عند الاختلاف، كنت سعيدة جدا به، وهو كذلك.

وفي اللقاء التالي، قابلنا والدته، ويبدو أن لها رأيا مختلفا تماما، نشب الخلاف بسبب موضوع "بيت العائلة" والاختلاط بين الزوجة وأهل الزوج، وبشكل عام، لم تعد التفاصيل مهمة الآن، فوالدتي ووالدته مختلفتان تماما.

لا أعلم إن كان الموضوع قد انتهى أم لا، فلم يقدموا اعتذارا واضحا، الشخص المشترك بيننا وعد بأن يتحدث معه مرة أخرى، لكن ساد الصمت.

لا أعلم لماذا ذكرت كل هذا، لكنني حقا أشعر بالتشتت والضياع، دائما ما أنظر إلى هذا الجزء غير المكتمل من حياتي، الوضع مرهق فعلا، ولا أعلم له حلا.

أعتذر عن الإطالة، وجزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مها حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك أختنا الكريمة في إسلام ويب، وردا على استشارتك أقول مستعينا بالله:

ما تشعرين به –أيتها الكريمة– ليس أمرا غريبا ولا عيبا، بل هو فطرة إنسانية أودعها الله في النفس؛ لأن الإنسان بطبعه كائن اجتماعي وعاطفي، يحتاج إلى المودة والأنس والمشاركة، كما قال تعالى: ﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة﴾.

السكينة العاطفية حاجة حقيقية، وليست وهما من صنع العقل، غير أن الخطأ أن تتحول هذه الحاجة إلى محور التفكير والانشغال الدائم؛ بحيث تضعف تركيزك في دراستك وحياتك اليومية، أو تشعرك بالعجز أو النقص؛ لأن الاستقرار العاطفي الحقيقي لا يعتمد على وجود شخص آخر فقط، بل على صلتك بربك، وثقتك بذاتك، واتزانك الداخلي.

هنالك أمور كثيرة ينتج عنها الطمأنينة والسكينة، غير أن الزواج من أعظم الأسباب إذا بني على الدين والتفاهم والمودة، فكثرة الأعمال الصالحة تنتج الحياة الطيبة الهادئة المستقرة، كما قال تعالى: ﴿من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون﴾ ولذلك قيل: "من وجد الله فماذا فقد؟ ومن فقد الله فماذا وجد؟"، وقيل أيضا: "من لم يسكن إلى الله فلن يسكن إلى أحد".

ما يخص الزواج؛ فننصحك ألا تعلقي قلبك بشخص معين، بل احرصي على توفر الصفات فيمن يتقدم لك، وأهمها الدين والخلق، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" ثم انظري بعد ذلك في بقية الصفات التي تدعوك إلى الزواج به.

الزواج مقدر ومقسوم، وقد كتب الله تعالى لكل شخص نصيبه ومتى يكون، فقري عينا ونفسا، فسيأتيك رزقك في الوقت الذي قدره الله تعالى. التعلق بشخص معين يتسبب في مشاكل كثيرة؛ فيما لو لم يتم الزواج لأي سبب من الأسباب، كالاكتئاب واليأس وغير ذلك.

وفي حال تقدم لك شخص، وتأكدتم من توفر الصفات فيه، فعليك بصلاة الاستخارة مع الدعاء الوارد؛ فإن تفويض العبد أمره لله يختار له ما يشاء فيه الخير والبركة، فاختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه.

ما حصل من فوات الشخص الذي تقدم لك قد يكون في ذلك خير لك، فلعل الله صرفه عنك رحمة بك، هذا إن لم يعد مرة أخرى؛ لأنه ليس كل ما يحبه العبد فيه خير له، فقد يحب شيئا وهو شر له، وقد يكره شيئا وهو خير له، وصدق الله تعالى: ﴿وعسىٰ أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ۖ وعسىٰ أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ۗ والله يعلم وأنتم لا تعلمون﴾.

لا تكثري التفكير في ما حصل، ولا تسمحي لأمر لم يقع أن يضعفك، أو يجعلك تفقدين الأمل، فالزواج رزق كأي رزق، يأتي في أوانه، وما كتب الله لك سيصل إليك ولو بعد حين. أشغلي قلبك بحسن التوكل على الله، وبكثرة الدعاء أن يرزقك الزوج الصالح الذي يسعدك، ولا تشغلي قلبك بنتيجة ما حدث، واستثمري هذا الوقت في بناء نفسك فكريا وروحيا وعاطفيا.

إحساسك بالنقص وضعف الطاقة والتفكير المستمر في الزواج؛ هو مزيج من الفراغ العاطفي والقلق الذي يصيب بعض الفتيات في هذه المرحلة العمرية.

وأخيرا: دونك بعض التوجيهات المفيدة بإذن الله تعالى:

• طوري نفسك في دراستك ومهاراتك الشخصية وهواياتك، فالنجاح العملي والإنجاز يعززان الثقة بالنفس، ويمنحان الشعور بالسكينة والطمأنينة.

• اعلمي أن الحياة الزوجية ليست مجرد أحلام، بل هي مسؤولية وتعاون وجهاد يومي لبناء المودة، وسيعتريها الكثير من المعوقات والمشاكل التي تحتاج منك إلى حكمة واستعداد بنضج لا بعاطفة فقط.

• لا تبالغي في المثالية العاطفية؛ فالحياة الزوجية ليست حلما ورديا.

• أشغلي نفسك بالانتساب إلى حلقة لتحفيظ القرآن الكريم، فستجدين الصديقات الصالحات اللاتي سيأخذن بيدك، وستجدين بيئة صالحة تحفظين فيها كتاب ربك الذي سيغير حياتك إلى الأفضل بإذن الله تعالى.

• إن شعرت بالإرهاق الذهني، فالجئي إلى الله بالتقرب إليه بالصلاة والدعاء وتلاوة القرآن الكريم، وستجدين راحة البال وطمأنينة النفس.

• تذكري النعم الكثيرة التي أنعم الله بها عليك في هذه الحياة، وقارني ذلك بمن حرم تلك النعم، وأعظمها نعمة الإيمان، ونعمة الصحة، ونعمة وجود الأم، وغير ذلك، ثم اعلمي أنك ما زلت في سن الزهور، فلم يفتك قطار الزواج بعد، ولم يتقدم بك العمر.

• من الطبيعي جدا أن يشعر الإنسان أحيانا بشيء من الحزن والهم والقلق؛ فإن شعرت بذلك فحركي لسانك بذكر الله تعالى، وخاصة بدعاء الكرب: " لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم".

• نوصيك بكثرة التضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى، وخاصة أثناء السجود، وسلي الله تعالى ما تتمنين من خيري الدنيا والآخرة، وحافظي على أذكار اليوم والليلة، ففي ذلك حرز للنفس وطمأنينة للقلب.

• أكثري من دعاء ذي النون، فقد ورد في الحديث: "دعوة ذي النون إذ دعا بها في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لن يدعو بها مسلم في شيء إلا استجاب له".

نسأل الله تعالى أن يرزقك سكينة القلب، وطمأنينة الروح، وزوجا صالحا يسعدك في الدنيا والآخرة، وأن يجعل حياتك عامرة بالإيمان والرضا.

هذا، وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات