السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعيش أنا وأخي في منزل واحد، وأخي سيئ الخلق جدا، وهو يقوم بتربية الماعز على سطح المنزل، وهو السقف الذي يعلو شقتي مباشرة، وتربية الماعز هذه تزعجني كثيرا، من حيث الأصوات والروائح الكريهة جدا، وما يترتب على ذلك من عدم نظافة المنزل.
وقد وقعت مشاجرات بيني وبينه أكثر من مرة بسبب هذه المشكلة، إلى أن وصل الأمر إلى الاعتداء على زوجتي في غيابي مرتين.
تسامحت في المرة الأولى، وتم الصلح، لكنه عاد مرة أخرى، وتسامحت أيضا بحكم الناس، إذ يرون أنني الأكبر، ويجب أن أتحمل، ولكن بعد مجلس الصلح، أصر على تربية الماعز بدعوى أنها مصدر رزقه، مع العلم أنه يعمل في وظيفة أخرى.
كما أنه اتهم أمي بأنها تحبني أكثر منه ومن جميع إخوتي، وذلك لأنني بالفعل أبر أمي كثيرا، والحمد لله، وهي فعلا تكره كل أفعاله وأفعال جميع إخوتي، وهم اثنتان من البنات، واثنان من الذكور، منهم أخي هذا.
أنا في حيرة كبيرة وفي قمة الحيرة، والجيران يشمتون بنا لأننا نتشاجر بشكل أسبوعي، هل أتعامل بما أمر الله وأصبر؟ وهل يصح ذلك في حالتي، أم أتحرك لأخذ حقي بالطرق القانونية؟
أرجو الإفادة، فالموضوع في غاية الأهمية.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ياسين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أيها الأخ الكريم- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحسن العرض للسؤال.
وفكرة التواصل والاستشارة قبل اتخاذ القرار تدل على أنك عاقل، وأنك على خير، فالإنسان عندما يستشير يضيف آراء الآخرين وعقولهم ووعيهم، إلى ما عنده من الوعي والعقل والخير.
وسعدنا أيضا ببرك بالوالدة، وهذا سيكون مصدر خير لك، نسأل الله أن يرزقك برها، وأن يردهم للحق ردا جميلا، هو ولي ذلك والقادر عليه، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يعينك على تجاوز هذه الأزمة، ونتمنى أن يكون للوالدة، والأخوال، والأعمام، والعقلاء، دور كبير في تجاوز هذه الصعوبات.
والإنسان ينبغي أن يدرك أن صلة الرحم لا تدوم إلا بنسيان المرارات، والصبر على الجراحات، وثوابها عظيم جدا، وهؤلاء مهما كان الذي صدر منهم يعتبرون رحما بالنسبة لك، ونتمنى أن تستمر في بر الوالدة، وأن تستمر كذلك في معالجة الأمر بحكمة.
نحن لا نريد أن تسكت على الضيم، أو تقبل بهذه الإهانات والإساءات، خاصة عندما تتجاوز الإساءة لك الإساءة إلى زوجتك؛ لأن هذا يفتح أبوابا أخرى من المشاكل مع أهل الزوجة، وأيضا يعطي انطباعا غير طيب عن الأسرة، ولكن ندعوك إلى الاستمرار في التعامل مع الموقف بمنتهى الحكمة، واجتهدوا في البحث عن خيارات بديلة تحفظ للأسرة تماسكها، وتحفظ لكم أيضا حقكم، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يعينك على الخير.
ونحن لا نريد اللجوء إلى القانون إلا كحل أخير جدا، مع أهمية الحل القانوني، ولكن نتمنى أن يكون هناك نوع من الحكمة في المعالجة، وأيضا أرجو أن يكون هناك مزيد من التواصل مع إخوانك وأخواتك الآخرين، وعلى الوالدة أن تبين لهم ما عندها، وأن تجتهد أيضا في إشعارهم بأنهم مهمون عندها، فهم أبناء بالنسبة لها، وبدلا من الغيرة من تعامل الوالدة معك، ينبغي أن يزيدوا في بر الوالدة؛ لأن بر الوالدة من العبادات التي شرعها الله -تبارك وتعالى- مهما كان الذي يحصل من الوالدة إلا أنهم ينبغي أن يدركوا أن هذه طاعة لله -تبارك وتعالى- ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعينكم على تجاوز هذه الأزمة.
وعليه، نحن ندعوك إلى:
أولا: الحكمة والهدوء.
ثانيا: رعاية مصالح الأسرة الكبيرة.
ثالثا: اليقين بأن صلة الرحم وديمومتها من واجبات الشريعة، وأنها تحتاج إلى صبر.
والإنسان قد يأتيه الأذى من أقرب الناس إليه، ولكن من الذي أوذي في أرحامه كالأنبياء؟ ومع ذلك قال يوسف عليه السلام: ﴿لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين﴾ [يوسف: 92]، ومع ذلك سمعنا من رسولنا ﷺ وعلمنا: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)، أيضا قال ﷺ: ﴿لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين﴾.
وإذا كنت -ولله الحمد- قد تواصلت مع موقعك الشرعي، فنحن دائما نريد لمن يتواصل معنا أن يتمثلوا كمالات الشريعة، وجمال هذا الدين العظيم، وتحري الحكمة في التعامل مع مثل هذه الأزمات، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يعينكم على تجاوز هذه الصعوبات.
ولا مانع من التواصل مع الموقع، وعرض صفات الآخرين، ونقاط القوة عندهم، ونقاط الضعف، ومداخل نفوسهم، حتى نتعاون جميعا في وضع حلول مناسبة، يعني مثلا لو نسأل: هل هناك خيارات؟ هل يمكن أن يكون هناك بيت بديل؟ هل يمكن أن يكون ترتيب آخر لهذه الأغنام التي يحتاجها هذا الأخ، كما هو واضح من كلامه أو من كلامكم؟ المهم: دعنا نفكر في الموضوع بطريقة شاملة تحفظ للجميع حقوقهم، ونسأل الله أن يعينك على الخير.
ونكرر لك التذكير أيضا بالصبر، والحكمة، والتعامل مع الوضع، والتواصل مع أهل الخبرة من أجل الوصول إلى الحلول المناسبة، ونسأل الله أن يعينك على الاستمرار في البر، وأن يرد إخوانك والأخوات إلى الحق ردا جميلا.
هذا، وبالله التوفيق.