السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عملت مع أبي مدة خمسة عشر عاما في ميدان الفلاحة، وأحيانا في التجارة، واليوم خرجت منه خاوي الوفاض، لم أستفد معه ولو بدرهم واحد، مع العلم أن جميع أبنائه دعمهم للوقوف في هذه الحياة!
سؤالي: هل يحق لي أن أطالب بمستحقاتي المادية؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك بالموقع، ونسأل الله تعالى أن يخلف عليك كل ما بذلته مع والدك.
نحن ندرك -ولدنا الحبيب- مدى ما تشعر به وتجده في نفسك من مرارة بسبب ذهاب سنوات عمرك في مساندة والدك دون أن ترى أثرا لذلك عاجلا في هذه الحياة، ندرك هذه المرارة التي تجدها في نفسك، ولكننا لا نشاركك الرأي في أن ما فعلته ذهب بغير فائدة، بل الأمر على خلاف ذلك، فإن برك بوالدك، وإعانتك له، ووقوفك بجانبه في أعماله؛ كل هذا من الإحسان إلى الوالد، والقيام ببره وطاعته، وكل هذا عمل جليل لا يضيع عند الله تعالى، فالله تعالى عنده خزائن السماوات والأرض، وقد قال الله تعالى في كتابه: {من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وكان الله سميعا بصيرا} [النساء:134].
فلا ينبغي أبدا أن تندم بسبب ما فعلته مع والدك، بل أحسن بالله تعالى الظن، وأنه سبحانه سيجعل ما فعلته سببا لرزقك الرغيد، وسببا لسعادتك في دنياك وفي آخرتك، وأنه -سبحانه وتعالى- لا يعجزه أن يخلف عليك كل ما بذلته، فخزائن الله تعالى ملأى، ويده سحاء الليل والنهار، لا تغيضها نفقة، وربما غير الله تعالى أحوالك كلها في غمضة عين.
فأحسن ظنك بالله، وتوجه إليه، واسأله -سبحانه وتعالى- أن يفتح لك أبواب الأرزاق والخيرات، وأن يخلف عليك ما فعلته مع والدك، وستجد من الله تعالى خيرا كثيرا، أحسن ظنك بالله؛ فإن الله تعالى يقول: أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء (رواه أحمد)، والله تعالى قد أخبرنا في كتابه أنه لا يضيع أجر من أحسن عملا.
وكن على ثقة -أيها الحبيب- من أن إحسانك إلى الغير لا يضيع، وأولى الناس بالإحسان: الوالدان، فالله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا، والجزاء ليس مقتصرا على هذه الدنيا، بل الحياة الحقيقية تبدأ بالموت، فلعل الله تعالى يدخر لك أجرا عظيما، وتنفيسا لكربات الآخرة بسبب ما فعلته مع والدك.
ننصحك بأن تستمر على ما أنت عليه من البر بالوالد والإحسان إليه، وأن تحتسب أجرك عند الله تعالى، وأن تنتظر من الله تعالى جزاء موفورا في دنياك وفي آخرتك.
أما ما مضى من الفترة هذه التي أمضيتها مع والدك في العمل، والسؤال عن حقك في طلب مستحقاتك المادية عنها؛ فإن هذا أمر يرجع إلى ما كان عليه الاتفاق مع والدك، فإن كنت عملت على أن تأخذ أجرة، فمن حقك أن تطالب والدك بأجرتك، ومطالبتك بأجرتك ليس فيها عقوق، كما يقرر ذلك فقهاء المسلمين.
أما إن كنت تعمل مع والدك على جهة التبرع، وهو ما جرت به عادة الناس، ومشى عليه عرفهم، أن الولد يعمل مع والده، ولا يقصد بذلك تحصيل أجرة وطلب عوض، إذا كان الأمر كذلك فليس من حقك أن تطالب بعوض مادي، ولكن نكرر مرة أخرى أن هذا الذي فعلته مع والدك ليس بضائع عند الله تعالى، فالله تعالى مدخر لك ثوابك، وكل ما تفعله من قليل أو كثير مكتوب، ورزق الآخرة خير وأبقى، وثوابها ونعيمها أدوم، فلا تظن أبدا أن مجهودك ذهب سدى.
ومع هذا كله، نحن نوصيك -أيها الحبيب- بأن تحاول التلطف بوالدك، والتودد إليه، واستعمال كل الوسائل التي تعينك على تليين قلبه واستمالته إليك، ليعينك بما تحتاجه في ظروف حياتك مما يقدر عليه.
استعن أولا بالله -سبحانه وتعالى- وأكثر من دعائه أن يلين لك قلب الوالد ويسخره لك، واستعن ثانيا بمن له كلمة مسموعة لدى هذا الوالد من أصدقائه وأقربائه، ونرجو الله تعالى ألا يخيب سعيك.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- بأسمائه وصفاته أن يكفيك بحلاله عن حرامه، ويغنيك بفضله عمن سواه.