كيف أستطيع أن أبرّ أمي وهي تظلمني وتفضل إخوتي عليّ؟

0 4

السؤال

السلام عليكم.

أنا بنت عمري 18 سنة، أريد سؤالكم عن مسألة عقوق الوالدين، فقد تعبت نفسيا، وأعصابي لم تعد تحتمل.

ما حكم الشرع في أم تفرق في المعاملة بين أبنائها، وخاصة أني البنت الكبرى، والمطلوب مني أن أكون الفتاة المثالية في كل شيء، ما حكم الشرع في أم تصف ابنتها باليهودية، والعاقة، وتدعو على ابنتها لأسباب تافهة، وتؤذي ابنتها، وتحتقرها، وتبصق في وجهها، وتهينها أمام إخوتها لأنها تدرس، وأحيانا لا تساعدها في أعمال البيت رغم أنها تعتذر منها؟

وللعلم فأنا أدرس العلم الدنيوي، وأحفظ القرآن، وقد عايرتني على ذلك، حيث قالت لي: (أنت لا تريدين طلب العلم، بل تريدين تعبي)، وتعامل إخوتي برفق عكس تعاملها معي، ويشهد الله أني حاولت كسب رضاها بكل الطرق، ولكن مهما فعلت فإنه لا يعجبها العجب، ودائما ما تتصيد أخطائي لتعايرني بها، وقد حاولت التكلم معها، وأعترف بأنني من شدة الغيظ والقهر ينتهي النقاش برفع صوتي والصراخ.

يحق لإخوتي لمس أغراضي، وكسرها، وإفسادها، وبعثرة خزانتي، وأكون عاقة إن غضبت عليهم، وضربتهم، وتأتي هي لتدافع عنهم، وتقول: (لا تضربي أولادي)، ألست ابنتها؟ ألا تخاف الله في؟

مهما حاولت التكلم معها، ومناقشتها، مشكلتها أنها لا تعترف بخطئها أبدا، وتظن لأنها أم فإن لديها الحق في معاملتي كما تريد من بصق على الوجه، وإهانة، واحتقار، لمجرد دراستي، وتقصيري في مساعدتها في أمور البيت، ولا تعترف بلغة الحوار، وأي محاولة مني تنتهي بخطاب طويل.

والله لقد تعبت، فأصبحت لا أتكلم معها، وأخاصمها، وأعلم تماما أني مخطئة في هذا، فمهما حدث فهي في النهاية أمي.

استعنت بأبي لحل المشكلة، ولكن انتهى الأمر بعدم الاستماع إلي كذلك، بل بالتهديد بالضرب المبرح بأنبوب الغاز، وأبسط حق لي هو الإصغاء، والذي أصبح مرفوضا، فما العمل الآن؟

أنا في ضيق لا يعلمه إلا ربي؛ أدخل في حالة هستيرية من البكاء، وأشعر بالغيظ حين أرى بنات في سني، وبنات عمي اللاتي طالما كانت تقارنني بهن، وهن يتلقين المعاملة الحسنة من أمهاتهن؛ من كلمة طيبة، وضحك، ومؤانسة، ودعم معنوي لبناتهن في دراستهن، أو حتى داخل الأسرة، ولهن كلمة مسموعة، بينما ألقى نصيبي من الإهانات، والتجريح، والتذكير بأخطائي، وإخفاقاتي، مثل أني أعيد البكالوريا الآن لأني نجحت بمعدل لم يعجبني!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ابتهال حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أختنا الكريمة- في إسلام ويب، وردا على استشارتك أقول مستعينا بالله تعالى:

نشكر لك تواصلك معنا في هذا الموقع المبارك، فهو منكم وإليكم، ونسعد بتواصلك على الدوام، وسوف أجيبك إجابة وافية من الناحية الشرعية، والنفسية، والأسرية.

أولا: موقف الشرع من عقوق الوالدين والتقصير في برهما:
الأصل أن بر الوالدين واجب، والعقوق يعد من كبائر الذنوب، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري ومسلم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟" قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين".

على الرغم من وجوب بر الوالدين، فإن ذلك لا يسقط عن الوالدين العدل بين الأبناء، ولا يعني أن يكون الأب أو الأم معصومين من الخطأ؛ فالوالد قد يظلم، والأم قد تسيء، ومع ذلك يبقى حقهما في البر قائما، وبر الوالدين لا يعني أنه في حال ظلم أحد الأبناء أنه لا يحس، ولا يشعر بالقهر، ولكنه يؤمر بالصبر والنصح بالتي هي أحسن.

ثانيا: هل ما تفعله أمك يعد ظلما لك، أو عقوقا منك؟

ما ذكرته من أن أمك تقوم بالتفريق بين أبنائها، فتسبك، وتبصق في وجهك، وتهينك، وتدعو عليك دون سبب تستحقين فيه الدعاء، يعد سلوكا محرما، بل هو إثم عظيم، وظلم لنفسها، قال الله تعالى: ﴿وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى﴾ وقال نبينا -عليه الصلاة والسلام-: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم".

يحرم على الوالدين تفضيل بعض الأولاد على بعض في العطية، أو المعاملة إلا لسبب شرعي؛ لما في ذلك من إثارة العداوة والبغضاء بينهم، ومنع الإحسان إليهم على وجه العدل الذي أمر الله به.

إذا كانت أمك كما ذكرت تظلمك، وتسيء إليك، فالإثم عليها لا عليك، لكن لا يجوز أن تردي الإساءة بإساءة، أو بالقطيعة، بل اصبري، واحتسبي الأجر عند الله، كما قال تعالى: ﴿وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا﴾ فالله سبحانه أمر بالإحسان حتى مع الوالدين الكافرين، فكيف إذا كانت أمك مسلمة، ولكنها قاسية، أو مخطئة؟ إذن المطلوب منك هو الصبر، والدعاء، والتعامل بالحسنى ما استطعت.

ثالثا: كيفية التعامل مع قسوة الأم؟

أولا: الفصل بين الفعل والشخص: انظري لأمك على أنها تعاني من مرض في السلوك أو النفس أكثر من كونها ظالمة عن قصد؛ فربما مرت بتجارب قاسية، أو عانت من ضغوط، أو تربت على تلك الطريقة، أو ترى فيك صورة تنافسها من حيث القوة أو العلم، فينعكس ذلك على أسلوبها، وهذا بالطبع لا يبرر سلوكها، لكنه يساعدك على تفريغ الغضب، وتحويله إلى شفقة وصبر.

اختاري الوقت والعبارات المناسبة للحوار، فلا تناقشيها أثناء الغضب، بل في وقت الهدوء. ابدئي بالكلمات اللطيفة، كأن تقولي لها: "والله إني أحبك يا أمي، وأتمنى رضاك، لكن بعض تصرفاتك تجرحني، وأريد أن أكون بنتا بارة بك ترضين عنها". إذا لم ينفع الحوار المباشر، اكتبي لها رسالة قصيرة بخط يدك، فيها حب واعتذار وشكوى صادقة دون اتهام أو كلمات جارحة.

اجتنبي الصراخ والجدال العقيم مهما كان الظلم؛ لأن رفع الصوت على الأم من العقوق، وإن كانت هي الظالمة، فالواجب الصبر، والتحمل، والدعاء لها بالهداية. احرصي ألا ترفعي صوتك على والدتك، بل إن غلبك الغضب، انسحبي من الموقف بهدوء، واستعيذي بالله من الشيطان، وتوضئي؛ فذلك سيذهب الغضب -بإذن الله-.

حافظي على أداء الصلوات الخمس في أوقاتها، وأكثري من نوافل الصلاة والصوم؛ فذلك من أسباب جلب الحياة الطيبة، كما قال تعالى: "من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون".

كونك تحفظين القرآن الكريم فتلك نعمة كبيرة، لكنها تحتاج إلى قلب مطمئن، لذلك لا تسمحي للظلم أن يحطمك من الداخل، بل اجعليه وسيلة للتقرب إلى الله؛ قال ابن القيم -رحمه الله-: "البلاء كالدواء، وإن كان مرا فهو شفاء -بإذن الله-".

رابعا: دور الأب في معالجة القضية.

إن كان والدك يهددك، ولا ينصفك، فهنا يظهر أنه لا يستطيع، أو لا يريد التدخل، فاحذري من التصعيد أو مواجهته؛ فلا تطلبي الإنصاف ممن لا يريد أن يسمع، بل الجئي إلى الله أولا، ثم إلى شخص حكيم قريب من الأسرة (كخالة، عمة، معلمة صالحة، أو داعية) ليتحدث معها بلطف، دون فضيحة أو مواجهة حادة، إن رأيت أن ذلك لن يزيد الطين بلة.

خامسا: من الناحية النفسية:

- ما تمرين به من بكاء، وهستيريا، وضيق هو رد فعل طبيعي للظلم والقهر الأسري، ولا يعني أنك مريضة، بل أنت إنسانة حساسة ذات ضمير حي.
- احذري أن يتحول هذا الألم إلى كراهية للأم، أو للدين، أو لنفسك، بل اجعليه طريقا إلى نضجك، واستقلالك، وتذكري أن الله ابتلاك بهذه الابتلاءات لتكوني قوية، ورحيمة في المستقبل.
- تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة، وسليه سبحانه أن يهدي والدتك، وأن يرزقها العدل بين أبنائها، وأن يصلح بينك وبينها، وأن يرزقك برها.
- وأكثري من دعاء ذي النون، فقد صح في الحديث: "دعوة ذي النون إذ دعا بها في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لن يدعو بها مسلم في شيء إلا استجاب الله له".
- حافظي على أذكار اليوم والليلة، وداومي عليها، وأكثري من دعاء الكرب، وهو: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم".
- أشغلي نفسك بالقرآن والدراسة؛ فهما من أدوية النفس، ومن أسباب الراحة والطمأنينة.

سادسا: الحكم والتوصية الشرعية:

• ما تفعله أمك لا يجوز شرعا، وهي آثمة في ظلمها وإهانتها لك.
• ليس لك أن ترفعي صوتك عليها، أو تقاطعيها، ولو كانت ظالمة، لكن يجوز الابتعاد عنها وقت الغضب لتجنب العقوق.
• استمري في برها بالدعاء، والخدمة، والكلمة الطيبة ما دمت قادرة.
• لا تيأسي؛ فرب دعوة في جوف الليل تغير قلبها وتصلحه.
• واحرصي على ألا يدفعك هذا الظلم إلى القسوة على إخوتك، أو على نفسك.
• قدمي لوالدتك هدية مما تحبه وتفرح به؛ فالهدية تعمل بالقلوب عملها، وتجلب المحبة والمودة كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (تهادوا تحابوا).

أسأل الله تعالى أن يفرج همك، وأن يصلح ما بينك وبين والدتك، وأن يقر عينيك بعدلها، آمين، ونسعد بتواصلك الدائم.

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات