أحلل كل تصرفاتي خوفًا من الوقوع في الذنب، فكيف أتجاهل ذلك؟

0 1

السؤال

السلام عليكم.

أنا أعاني منذ سنوات من الوساوس، سواء كانت وساوس في العقيدة، أو الموت، أو القلق من أني لا آكل، ووساوس في الدين؛ فمثلا لو جلست في جلسة غيبة، فإني أفكر في الكلام الذي سأقوله، وعندما أنصرف عن الشخص الذي اغتاب، فإني أحلل الكلام الذي قلته، سواء أخطأت أم لم أخطئ، وتستمر الأفكار تراودني في ما حصل بالتفصيل المرهق بأني اغتبت، وأن الله لن يغفر لي حقوق العباد، وأن ما فعلته يعد من الكبائر، وأنه لن يقبلني، وأنه غاضب علي.

كما أنني قبل أي عمل أجدد النية مرات عديدة، وأن هذا الشيء لله وليس لأحد؛ خوفا من الرياء، وقد تعبت كثيرا من هذا التركيز، فكيف أتجاهل الشعور بالضيق، وتحليل كل شيء في الدين خوفا من وقوعي في الذنب؟

أرجو الرد.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ آية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يشرح صدرك، وأن يرفع عنك ما تجدين؛ فإن ما تصفينه هو وسواس قهري ديني، وهو ابتلاء يصيب القلوب الحريصة على مرضاة الله، لكنه إذا لم يفهم على وجهه الصحيح أرهق النفس، وأضعف العبادة.

لذلك اعلمي ابتداء أن ما تعانين منه ليس دليلا على ضعف إيمانك، بل هو أثر خوفك من الله، وحرصك على عدم معصيته، ولكن الشيطان لبس عليك الأمر، فجعل هذا الخوف وسيلة للعذاب بدلا من أن يكون دافعا للطمأنينة، وطريقا للعلاج، ولذا نرجو أن تقرئي بتمعن العناصر التالية:

أولا: حقيقة الوسواس، وموقف الشرع منه:

الوسواس من الشيطان، قال تعالى: ﴿من شر الوسواس الخناس، الذي يوسوس في صدور الناس﴾، وقد شكا الصحابة -رضي الله عنهم- للنبي -صلى الله عليه وسلم- من الوساوس حتى في العقيدة فقالوا: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، فقال صلى الله عليه وسلم: (أوقد وجدتموه؟) قالوا: نعم، قال: (ذاك صريح الإيمان)؛ أي أن مجرد شعورك بالضيق والخوف من هذه الوساوس دليل على صدق الإيمان، لا على فساده.

ثانيا: انتبهي لفهمك الخاطئ لمسألة الغيبة وحقوق العباد: فتفكيرك الطويل بعد المجالس، وتحليلك لما قيل، وإعادتك للأحداث بالتفصيل، هو وسواس لا واجب، والغيبة الحقيقية هي أن تذكري أحدا بسوء دون مسوغ شرعي.

أما إذا جرى الكلام للحاجة، أو لم يخرج منك ما لم تقصدينه من الإساءة، أو سكت، أو شعرت بالندم، فلكل واحدة حكمها، وباب التوبة فيها واسع؛ فالله تعالى قال: ﴿إن الله يغفر الذنوب جميعا﴾، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له).

ثالثا: بخصوص تجديد النية والخوف من الرياء: هذه أيضا من وساوس الشيطان التي تتعب المتعبدين؛ فالنية محلها القلب، ولا تحتاج إلى تكرار، ولا تلفظ، فإذا نويت أول العمل أنه لله، فلا تكرريها مهما خطر ببالك الرياء؛ قال بعض السلف: "من كان يريد بعمله وجه الله، ثم خطر له خاطر الرياء، فدفعه، لم يضره ذلك، بل هو مأجور على مجاهدته".

فإياك أن تكرري النية، أو تتوقفي عن العمل خوفا من الرياء؛ لأن ترك العمل خوفا من الرياء هو من مكائد الشيطان أيضا.

رابعا: كيف تتعاملين عمليا مع الوساوس؟

1. التجاهل التام، وعدم المناقشة؛ فكلما وردت فكرة من نوع: "هل اغتبت؟ هل كان عملي خالصا؟ هل الله غضبان علي؟" لا تجيبيها، ولا تحلليها، بل قولي: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، ثم أشغلي نفسك بعمل آخر؛ فالتحليل المستمر هو الوقود الذي يبقي الوسواس مشتعلا، أما الإعراض فهو الإطفاء.

2. تغيير البيئة الذهنية: فحين تأتيك هذه الوساوس، لا تبقي وحدك في صمت، بل غيري وضعك فورا؛ فاخرجي للمشي، أو اتصلي بصديقة صالحة، أو اقرئي شيئا مختلفا؛ فالحركة الجسدية تضعف الفكرة الوسواسية.

3. ذكر الله دون إرهاق النفس: اجعلي لك وردا يسيرا من الذكر، مثل: "سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، الله أكبر"، دون أن تحسبي الأعداد، أو تدققي في نيتك، أو تجهدي نفسك كأنه عقاب لك، بل استمتعي بالذكر، وداومي على القليل.

4. الصبر مع الأمل: الوساوس لا تزول في يوم، لكنها تضعف مع الوقت إذا استمر التجاهل، وعدم الاسترسال، ومع كل مقاومة تكسبين قوة جديدة.

وأخيرا: لا تظني أن الله قد غضب عليك، أو أنك غير مقبولة، بل إن الله يعلم صدق خوفك منه، ويعلم أنك تتألمين خشية من ذنب، أو رياء، وهذا بحد ذاته عبادة عظيمة؛ قال تعالى: ﴿وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات﴾ [الشورى: 25].

فثقي برحمة الله، ولا تجعلي الشيطان يقنطك، فالله تعالى يقول: ﴿قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا﴾.

نسأل الله أن يشفيك شفاء تاما، ويملأ قلبك طمأنينة وسكينة، ويجعلك من عباده الذين إذا ابتلوا صبروا فكانوا من المقربين، والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات