كيف أقوي إيماني وأبر والديّ في ظل الجو المتوتر بمنزلنا؟

0 0

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة، منذ صغري أعيش أنا وأخواتي في بيت مليء بالمشاكل بين أمي وأبي، أبي مشخص باضطرابات نفسية، وكان دائم الغضب منذ صغرنا، ومنذ سنوات لم يعد يأخذ علاجه، وتفاقم وضعه سوءا، لدرجة أنه أصبح يتصرف تصرفات غير عقلانية، لا يتقبل نصيحتنا بتلقي العلاج، ولا يسمح لنا بالتدخل أو السماح لأحد مثل إخوته بالتدخل، ومع تزايد المشاكل، أصبحت علاقتنا بأعمامي وغيرهم غريبة.

هذا الوضع جعل البيت قليل البركة، لم أعد أشعر بالعبادات، ولم أعد أستطيع الدعاء كثيرا، أشعر وكأن هذا الابتلاء قد امتص الكثير من طاقتي، كنت أكثر تدينا، أما الآن فأنا شديدة الغضب والتوتر؛ بسبب تصرفات أبي معنا ومع أمي والآخرين، أتصبر كثيرا وأحاول استخدام أسلوب عقلاني، ولكن في النهاية أغضب على والدي، ثم أشعر بالندم وأقول: "سأحاول أن أجاهد نفسي أكثر"، ولكن الأمور تزداد سوءا مرة تلو الأخرى.

لا أعرف كيف أقوي إيماني في هذه البيئة، ولا كيف أصبر أكثر مع هذا الوضع! لا أريد أن أكون غير بارة، ولكن ما يحصل يفقدني أعصابي في بعض الأحيان، لدرجة أنني أقول أو أدعو بكلام لا يجب أن يقال!

أخاف من غضب الله، ولكني لا إراديا أتصرف بطريقة خاطئة، ماذا أفعل كي أتحمل أكثر وأقوي إيماني ولا أتسبب في أذية أحد؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Sana حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بداية: نشكر لك ثقتك بموقع إسلام ويب، ونثمن لك جهودك في الحرص على بر والديك والرحمة بهما، ونذكر بأن ما تمرين به هو ابتلاء من الله، ولكنه باب عظيم للأجر والثواب، فبر الوالدين -ولا سيما عند ضعفهما ومرضهما- من أعظم القربات وأثقلها في الميزان، قال تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} [الإسراء: 23]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: الوالد أوسط أبواب الجنة (رواه الترمذي)، ومع ذلك؛ فإن الشريعة راعت ضعف الإنسان وحدود طاقته، فقال سبحانه: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}.

فليس المطلوب منك أن تتحملي فوق قدرتك، بل أن تبذلي ما تستطيعينه من البر دون أن تضري بنفسك أو دينك.

فوالدك -شفاه الله- كما ذكرت، يعاني من اضطراب نفسي، والمريض النفسي يحتاج إلى الرحمة والنظرة المتفهمة أكثر من الغضب أو المواجهة؛ لأن سلوكه في كثير من الأحيان خارج عن إرادته، ونوصيك ببعض الخطوات العملية التي تساعدك في التعامل مع هذه المشكلة، والتي تبدأ بتجنب مناقشته أو مجادلته وقت الغضب، واختاري أوقات هدوئه للحديث أو التلميح بلطف عن أهمية العلاج، مع الحرص على إقناع الوالد بأهمية زيارة طبيب نفسي للتشخيص الدقيق لحالته، وكتابة العلاج الدوائي المناسب له.

ولا بأس بالاستعانة بمن يحترمه من الأقارب أو أحد المختصين إن أمكن، دون أن تثيري مقاومته أو غضبه، وإذا أصبح وجودك معه يسبب لك ضررا نفسيا شديدا؛ فابتعدي مؤقتا مع البقاء على التواصل والاهتمام والدعاء له؛ فذلك لا يعد عقوقا.

أما عن ضعف الإيمان وشعورك بفتور العبادة؛ فاعلمي أن هذا يعد رد فعل طبيعي في ظل الضغوط النفسية الشديدة، فالإنسان حين يعيش في جو متوتر يفقد التركيز والخشوع، لكن الإيمان يمكن أن يستعاد بخطوات يسيرة متدرجة، وننصح بالمداومة على الأذكار اليومية؛ فهي باب الطمأنينة، كما قال الله تعالى: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}، ويمكنك أن تخصصي وقتا قصيرا لقراءة القرآن، ولو صفحة واحدة بتدبر، وتأملي كيف أن قصص الأنبياء مليئة بالابتلاءات التي انتهت بالفرج.

لا تتركي الدعاء وإن شعرت بالفتور، فالله يسمع دعاء القلب الصامت، واحرصي على صحبة صالحة تعينك على الثبات وتذكرك بالله برفق ورحمة.

إن غضبك على والدك ثم ندمك بعده يدل على حياة قلبك، ولا يعني أنك عاقة، بل إن الندم توبة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: الندم توبة (رواه ابن ماجه)، فإذا بدر منك ما لا يليق، فاستغفري الله، وادعي لوالدك، وجددي نيتك في الصبر والاحتساب، والله تعالى غفور رحيم يعلم ضعف عباده.

وللتخفيف عن نفسك: مارسي بعض الأنشطة المهدئة كالرياضة الخفيفة، أو كتابة مشاعرك، أو الانشغال بما ينفعك من تعلم، أو قراءة، أو عمل تطوعي؛ فذلك يساعد على استعادة التوازن النفسي، ولا بأس باستشارة مختص نفسي أو أسري لمساعدتك على التعامل مع مرض أو اضطراب الوالد بأسلوب واقعي دون أن تتأثري سلبا.

نسأل الله تعالى أن يفرج همك، ويشرح صدرك، ويبدلك راحة بعد الشدة، وسكينة بعد الاضطراب، آمين.

مواد ذات صلة

الاستشارات