السؤال
أصبحت لدي حالة خطرة، وهي أني لا أجاهد نفسي قبل القيام بمعصية فأشتهيها أولا، ثم أذهب لأقوم بها بسرعة عمدا، ولا أجاهد نفسي عمدا؛ لأني أعرف لو جاهدت فلن أقوم بها، أكره حالتي هذه بشدة، وأشعر بالخجل منها، لكنها تمكنت مني.
ضعفت قدرتي على التفكير المنطقي، ومات خوفي من الله والنار وسعيي للجنة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أسماء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الأخت الكريمة: ثبتك الله، وشرح صدرك، ونور قلبك بالإيمان.
أول ما أبدأ به: هو أن أحيي فيك هذا الوعي وهذه التوبة الصادقة؛ فإن مجرد شعورك بالخجل من الذنب، وكرهك لحالك، واعترافك بضعفك، هو أول طريق العودة إلى الله تعالى، وبوابة الدخول إليه سبحانه، بل هو علامة حياة قلبك رغم ما تشعرين به من فتور، قال النبي ﷺ: "الندم توبة" (رواه ابن ماجه)، فأنت الآن في لحظة صدق، استثمريها، فالله سبحانه يحب التائبين، كما قال سبحانه: ﴿إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين﴾ [البقرة: 222]، فمجرد أنك تكرهين معصيتك، وتبكين على ضعفك، فذلك من دلائل محبة الله تعالى لك؛ لأن من أعرض الله تعالى عنه لا يشعر أصلا بالذنب ولا يندم لمقارفته؛ فاحمدي الله تعالى ابتداء على ذلك.
لكن اعلمي يا أختي أن الشيطان لا يطمع في المؤمن أن يوقعه بمعصية واحدة فقط، بل يطمع أن يطفئ قلبه بعدها، ويطمس نور إيمانه، ويذهب بهاء الطاعة من حياته، وهذا دأبه مع عباد الله تعالى أن ييئسهم من التوبة حتى يستمر الإنسان في طريق غوايته، والله تعالى يقول: ﴿قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا﴾ [الزمر: 53]، فالله يغفر الذنوب جميعا، مهما تكررت، ما دام القلب لم يستسلم.
ودعيني أقترح عليك خطوات عملية واضحة تعينك على النهوض من الحالة التي تمرين بها:
أولا: عظمي الله تعالى في قلبك من جديد: فليس الخوف من النار هو الذي يردع النفس فقط، بل تعظيم الله تعالى ومحبته، وأن تشعري أنه يراك حين تعصينه، ومع ذلك يسترك ويطعمك ويسقيك.
وطريق هذا التعظيم أن تكثري من قراءة القرآن الكريم بنية معرفة الله تعالى، لا لمجرد القراءة، وثقي أن القرآن الكريم من أعظم أسباب التثبيت على الطاعة كما قال سبحانه: "كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا"، كما أن تأملك في أسماء الله تعالى وصفاته كالغفور، والرقيب، والحليم، والرحيم، تزيد باب هذا التعظيم، وتجعل المولى تعالى حاضرا في ذهنك عندما يزين الشيطان لك المعصية.
ثانيا: عالجي أصل المشكلة: الوحدة والفراغ: أكثر المعاصي إنما تنبت من الوقت الفارغ والخلوة، فاحذري الجلوس منفردة، خصوصا حين تضعف النفس، واملئي وقتك بالصحبة الصالحة، بالدورات، بالأعمال التطوعية، بالقراءة أو الرياضة أو التعليم.
ثالثا: استبدلي المعصية بالعمل الصالح الفوري: فإذا داهمتك رغبة في الذنب، فبدل أن تجاهديها مواجهة مباشرة، حولي المسار: اذهبي توضئي، صلي ركعتين، اخرجي للمشي، اتصلي بصديقة صالحة، إن الله تعالى لا يطلب منك الكمال، بل يريد أن يراك تقاومين، كما يقول سبحانه: ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا﴾ [العنكبوت: 69]، والمجاهدة لا تعني أنك لا تضعفين، بل أنك لا تستسلمين.
رابعا: اجعلي التوبة مشروعا عمليا لا شعورا عابرا، وضعي خطة صغيرة بأن تحددي ذنبا واحدا تريدين تركه الآن، لا الكل دفعة واحدة، اكتبي في ورقة: "أنا أريد وجه الله تعالى، وسأبدأ من اليوم، التزمي بورد يومي من القرآن والذكر ولو يسير، واجعلي لك مجلسا إيمانيا أسبوعيا (محاضرة، مجلس علم، رفقة طيبة) فإن ذلك مما يعين على الخير والثبات.
خامسا: لا تحتقري نفسك بعد الذنب، بل عودي فورا مهما سقطت، عودي، ولا تقولي "لا أستحق المغفرة"؛ لأن هذا قول الشيطان لا المؤمن، النبي ﷺ قال: "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم (رواه مسلم)، فالله يريد أن يراك تتوبين، لا أن يراك مثالية لا تخطئين.
وأخيرا: أختي، لا تقولي: مات خوفي من الله، بل قولي: نام قلبي وسأوقظه، القلب الحي لا يموت فجأة، لكنه يحتاج من يسقيه بالقرآن والذكر، ومجالسة أهل الإيمان، عودي إليه خطوة بخطوة، وستجدين الله تعالى أرحم بك من نفسك، يفرح بتوبتك أعظم من فرحة الغائب بعودته إلى أهله، قال ﷺ: "لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه... (متفق عليه).
أسأل الله أن يطهر قلبك، وأن يعينك على نفسك، وأن يجعلك من التائبين الذين قال فيهم: ﴿إن الله يحب التوابين﴾، وأن يريك يوما نفسك وقد أصبحت من أهل الطاعة والأنس به سبحانه، لا من أهل الصراع مع الذنب.
هذا، وبالله التوفيق.