السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اكتشفت أن والدي يتحدث مع إحدى جاراتنا عبر الهاتف، ويبدو أن الحديث بينهما ليس عاديا، وللعلم هذه ليست المرة الأولى التي أعلم فيها أنه يتواصل مع نساء، وقد اكتشفت والدتي ذلك سابقا، لكنها سامحته حينها.
هذا الأمر يؤثر في نفسيتي كثيرا، ويؤلمني بشدة، ولا أعرف كيف أتعامل معه؛ فقد كنت أكن له محبة كبيرة.
أصبحت أبكي باستمرار، وأشعر بحساسية مفرطة تجاه أي كلمة، حتى أنني أبكي لأتفه الأسباب، ولم أعد أرغب في التعامل مع أحد.
لا أدري هل أخبر والدتي أم لا، خاصة أن هذه ليست المرة الأولى، كما أنني لا أستطيع الحديث معه.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا الكريمة- في إسلام ويب، وردا على استشارتك أقول مستعينا بالله تعالى:
إنني أقدر ما تشعرين به من ألم وصدمة، وهذا أمر طبيعي جدا، خاصة وأن الأمر متعلق بأقرب الناس إليك، والذي كان محل قدوة لديك، وهو والدك، ولكن الواجب عليك عدم الاستسلام لهذا الشعور؛ لأن الحزن والغم له عواقب نفسية وخيمة، وأنا على يقين – بإذن الله – أنك سوف تتغلبين على هذه المشاعر.
تحليل المشكلة من منظور شرعي وأسري:
أولا: إصابتك بالصدمة وما أعقب ذلك من الأثر النفسي:
شعورك بالحزن والبكاء المستمر، وفقدان الثقة، والحساسية المفرطة؛ كلها ردود فعل طبيعية ناتجة عن خيبة الأمل الكبيرة؛ فلقد كنت ترين والدك قدوة لك وله مكانة عظيمة في قلبك، ولما اكتشفت هذا السلوك اهتزت صورته في نفسك، ولا شك أن هذا مؤلم جدا.
ثانيا: اهتزاز العلاقة الزوجية بين والديك:
سلوك الوالد يعد اعتداء على العشرة الزوجية والأمان الأسري، وكسرا للعهد، خاصة أنه تكرر منه ذلك بعد مسامحة الوالدة، فهذا يزيد من خطورة الموقف، ويجعله جرحا عميقا في الحياة الزوجية، ويذهب الثقة بينهما.
ثالثا: الأحكام الشرعية:
• محادثة الرجل لامرأة أجنبية عنه بغير حاجة غير جائز، أما إذا اشتملت المحادثة على خضوع في القول، أو كان الحديث فيما يثير الفتنة والشهوة، فإنه يعد سلوكا محرما شرعا، وهو باب من أبواب الفتنة، ومن خطوات الشيطان التي نهى الله عنها، كما في قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان﴾.
• الزوج مؤتمن على زوجته في نفسها وشرفها كما هي مؤتمنة عليه، فكل منهما مسؤول عن حفظ الآخر، وسلوك والدك يخل بهذه الأمانة ويتسبب في هدم الأسرة.
ودونك خطوات مقترحة للتعامل مع هذه المشكلة، فقبل اتخاذ أي قرار، يجب أن تركزي على ثلاثة محاور؛ الأول: حالتك النفسية، والثاني: تعاملك مع الوالد، والثالث: قرارك بإخبار الوالدة.
أولا: التعامل مع حالتك النفسية:
• الجئي إلى الله تعالى؛ فهو سندك الحقيقي، فتضرعي بالدعاء بين يديه سبحانه، وتحيني أوقات الإجابة، وخاصة الثلث الأخير من الليل وأثناء السجود، وسلي ربك أن يصلح والدك ويهديه، ويبصره بعيبه، ويرزقه التوبة والاستقامة، وأن يربط على قلبك ويذهب عنك الحزن.
• أكثري من دعاء الكرب، فقد كان ﷺ يقول عند الكرب: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم (رواه البخاري ومسلم).
• أكثري من دعاء ذي النون -عليه السلام- فقد صح عن النبي ﷺ أنه قال: دعوة ذي النون، إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين؛ فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له (رواه أحمد والترمذي).
• أكثري من الأعمال الصالحة، وحافظي على الصلوات الخمس في أول وقتها، وأكثري من نوافل الصلاة والصوم، وداومي على أذكار اليوم والليلة؛ فهذه الأعمال من أسباب جلب الحياة الطيبة الهادئة المطمئنة، كما قال تعالى: ﴿من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون﴾.
• لا تضغطي على نفسك بسبب ما حدث، فأنت لست سببا فيما يحدث، إنما هو ابتلاء من الله، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، كما ورد في الحديث: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط (رواه الترمذي). فعليك أن ترضي بقضاء الله وقدره، واحذري أن تتسخطي، وإلا فالجزاء من جنس العمل.
• حبك لأبيك لا يتعارض مع كرهك لخطئه، فافصلي بين "الشخص" و"الخطأ".
• أكثري من تلاوة القرآن الكريم واستماعه؛ ففي ذلك راحة وطمأنينة لقلبك، كما قال تعالى: ﴿الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ۗ ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾.
ثانيا: التعامل مع الوالد:
إذا كنت قادرة على التحدث مع والدك مباشرة، فهذا أفضل، فاطلبي منه أن يمنحك وقتا لتتحدثي معه، وحبذا أن يكون خارج البيت حتى تأخذي راحتك في الكلام معه.
• إذا لم تكوني قادرة على التحدث معه مباشرة، فاكتبي له رسالة مؤثرة ومركزة، وابتعدي عن الألفاظ الجارحة، واجعلي رسالتك مركزة على مشاعرك ومكانته وخوفك عليه وعلى أسرتكم، واجعلي رسالتك تتضمن ما يلي:
- بيني له شدة حبك له، وفخرك واعتزازك به سابقا.
- صفي له الألم الذي تشعرين به بعد أن اكتشفت أنه يتحدث مع امرأة أجنبية عنه، وأنك تحترقين من شدة الألم، وخائفة عليه من سخط الله تعالى وعذابه في الدنيا والآخرة، وخائفة على مستقبل الأسرة من الانهيار، خاصة أن أمك قد اكتشفت ذلك من قبل لكنها سامحته ومنحته فرصة أخرى.
- ذكريه بأن هذا السلوك الخاطئ يسخط الله تعالى، ويؤثر على رزقه، فقد يحرم من كثير من الرزق بسبب هذا الذنب، كما ورد في الحديث، إضافة إلى أنه يؤثر على سمعته وسمعة أسرته وأولاده.
• لا داعي لذكر اسم الجارة بشكل مباشر، ولا أنك سوف تخبرين والدتك، وإنما اطلبي منه أن يعود إلى رشده، وأن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب، وقبل أن تكتشف والدتك ذلك فيحصل ما لا تحمد عقباه.
• عديه بأنك لن تتحدثي مع والدتك إن رأيت منه توبة وتركا لهذا السلوك السيئ.
• اختاري الطريقة المناسبة لتسليمه الرسالة، فإما أن تكون عبر رسالة في الواتساب أو نصية، أو اكتبيها ورقية وضعيها داخل ثوبه الذي سيلبسه عند خروجه للعمل، والأفضل أن تكون عبر الواتساب؛ خشية أن تسقط الورقة أو لا يراها، فتجدها والدتك.
ثالثا: قرار إخبار الوالدة:
بما أن الوالدة اكتشفت وسامحت سابقا، فإبلاغها بالأمر مجددا قد تكون له آثار سلبية، كحدوث شقاق كبير أو انهيار نفسي لوالدتك، وقد يصل الحال إلى الطلاق، وهذا ما لا نريده ولا تريدينه أنت.
الذي ننصح به هو أنه في حال استمرار الوالد على هذا السلوك الخاطئ أن تستمري بنصحه، ويمكنك أن تستعيني –بعد الله تعالى– بمن تثقين به ويكون له احترام عند والدك، كأحد إخوانك أو أخواتك، بشرط أن يكون كتوما لا يخبر والدتك، ولا يذكر لوالدك أنك أخبرته بما بدر منه، وإنما يكون نصحه عاما بالتلميح، وإن لم يوجد، فيمكنك الاستعانة بشخصية أخرى كالعم أو الخال بالشرط ذاته.
أخيرا: أقول لك -ابنتي الكريمة-: استعيني بالله تعالى، واكتبي له الرسالة المذكورة سابقا، وانتظري رد فعله والتغير في سلوكه، فإذا استجاب، واعترف بالخطأ، ووعد بالاستقامة، فهذا مؤشر طيب، فاحمدي الله تعالى، وادعي له بالثبات، وتعاملي معه كأن لم يحصل منه شيء.
أسأل الله العظيم أن يفرج همك، ويصلح حال أسرتك، ويقر عينك بصلاح والدك، ونسعد بتواصلك في حال استجد أي جديد.