السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في البداية، أشكركم جزيل الشكر على جهودكم المباركة.
كانت هناك فتاة تعمل معلمة، وأنا طالب في كلية التربية، فكنت أستفسر منها عن التعليم وما يتعلق به، ثم بدأت العلاقة تتطور، لكنها لم تتجاوز حدود الأدب.
كانت علاقتنا قائمة على التذكير بالله وبالصلاة، وكنت أتصدق عنها، وأدعو الله أن يجعلها من نصيبي، وأن يجمع بيننا على خير وفي أقرب وقت.
ثم قررنا إنهاء العلاقة لوجه الله الكريم، علما بأن علاقتنا لم تكن طويلة، وذلك حرصا منا على ألا نغضب الله، ولا أريد أن يصيبها أي أذى أو أن تتحمل وزرا بسببي، فقطعنا العلاقة ابتغاء مرضاة الله، على أمل أن يستجيب الله دعائي، لكنني أخشى إن استجاب الله لي ألا يكون في الزواج بركة أو توفيق، أو أن تنشأ بيننا مشكلات.
أنا أرغب في الزواج منها، وأدعو الله بذلك، وألح في الدعاء، لكنني أرجو من سماحتكم إجابة مفيدة، فقد حرصنا على أن يكون رضا الله نصب أعيننا، ولم نتجاوز حدوده.
صحيح أن علاقتنا تغضب الله تعالى، لكننا أوقفناها لوجهه الكريم، راجين توفيقه ورضاه، فأرجو منكم التوضيح، لأنني أشعر بالقلق من هذه الناحية.
شكرا لكم، ووفقكم الله في خدمة الدين.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ راشد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
جزاك الله خيرا على رقة قلبك وصدق نيتك، وأحيي فيك هذا الموقف النبيل الذي قل أن يفعله الشباب اليوم؛ أن تقطع علاقة كنت تميل إليها ابتغاء وجه الله تعالى، فهذا من دلائل الإيمان الصادق، وثق سيخلف الله تعالى لك عنها خيرا، وقد قال النبي ﷺ: إنك لن تدع شيئا لله إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه (رواه أحمد).
وهذا الحديث وعد صريح من الصادق المصدوق ﷺ بأن كل من ترك معصية أو شبهة لله تعالى، فإن الله سيجعل له بدلها خيرا وأنفع له في دينه ودنياه.
أخي الكريم: ما فعلته -بفضل الله تعالى- هو عين الصواب، وأول أبواب البركة في حياتك؛ لأنك قدمت رضا الله تعالى على رغبة النفس، والله جل وعلا يقول: ﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾ [الطلاق: 2-3].
فاتقاؤك لله تعالى بترك العلاقة هو أول طريق الرزق والتوفيق، ومن ترك الحرام؛ فتح الله تعالى له أبواب الحلال من حيث لا يدري.
ولا تقلق من أن تكون دعوتك بالزواج منها سببا في عدم التوفيق أو ضيق البركة، فالله سبحانه لا يمنع التوفيق لمن تاب وأناب، بل قد يجعل التوبة سببا في صلاح الزواج لو كان مقدرا لكما.
واعلم أن الدعاء الصادق لا يضيع، قال ﷺ: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها (رواه أحمد)، فدعاؤك لن يذهب سدى، بل سيجلب لك خيرا في كل حال.
لكن تذكر أن الأقدار بيد الله تعالى وحده، وهو أعلم بما يصلح لك، فقد تكون هذه الفتاة خيرا لك فيقدر الله اجتماعكما، وقد تكون فتنة لك فيصرفها عنك برحمته، فارض بقضائه، وكن على يقين أن الخير فيما اختاره الله تعالى لا فيما اختاره قلبك.
أما من جهة التعامل العملي مع هذا الوضع، فإليك بعض التوجيهات الواقعية:
1. إن كنت جادا في نيتك الزواج بها، فاطلب الأمر من بابه الصحيح: تقدم إلى أهلها رسميا، واطلبها بالحلال؛ فالرزق –ومنه الزواج– لا ينال بالالتفاف على الأبواب بل بطرقها من مدخلها الشرعي.
2. إن لم يكن الأمر ميسرا الآن، فاصرف قلبك عنها مؤقتا وأشغل نفسك بالاستعداد لما بعد التخرج، ابن ذاتك، ثبت علاقتك بالله تعالى، واطلب منه سبحانه أن يختار لك من تصلح لك وتصلح لها.
3. احذر من العودة للتواصل غير المشروع، فالقلوب تضعف مع التكرار، وما تركته لله تعالى فلا تفسده بالرجوع إليه، فإن الرجوع بعد التوبة يطفئ نورها ويورث ضيق الصدر.
4. املأ وقتك بالنافع: القرآن، الرفقة الصالحة، التطوع، وتوسيع المدارك، فهذا كله يزكي النفس ويصرفها عن التفكير فيما مضى.
5. أعد تقييم نظرتك لاختيار الزوجة، فالمعيار لا يجب أن يكون فقط التقارب المهني أو التعليمي، بل الأساس هو الدين والخلق والاستقرار الأسري، كما قال ﷺ: فاظفر بذات الدين تربت يداك (متفق عليه).
وفي النهاية ما دمت قد وضعت الله تعالى أمام عينيك، فابشر، فلن يضيعك، قد يكتبها الله لك زوجة صالحة بعد زمن، وقد يبدلك بمن هي خير لك منها، وفي الحالين أنت الرابح لأنك اخترت الله تعالى أولا، فقط اثبت على طاعتك، وأكثر من الدعاء، وقل كما قال المؤمنون: ﴿ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما﴾ [الفرقان: 74]، سيأتي اليوم الذي تنظر فيه إلى قرارك هذا وتقول بثقة: الحمد لله الذي هداني لأن أقطعها يومها، فلولاها ما كتب الله لي هذا الخير.
رزقك الله الزوجة الصالحة، وأقر عينك بها.