أظلم نفسي بأفكاري الكارثية حول تقييم كلامي وتصرفاتي، فما الحل؟

0 1

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أعاني من مشكلة مزمنة تؤثر علي بشكل بالغ، وأسأل الله تعالى أن يجعلكم سببا في التخفيف عنها. أعيش في صراع دائم مع أفكار كارثية تجاه نفسي، إذ أشعر أنني سأرتكب خطأ ما، أو أنني سأتصرف بطريقة غير لائقة أو مخزية، لا تليق بفتاة ملتزمة ومنتقبة. عندما أقوم بأي فعل بسيط، يواجهني أهلي بعبارات مثل: "أين النقاب؟ أين القرآن؟"، مما يزيد شعوري بالذنب والخوف من أن أكون سببا في تصرف خاطئ أو إساءة، وأتحمل تبعاته.

تراودني أفكار متكررة بأنني قد أتكلم بأسلوب غير مناسب، أو أضحك بصوت مرتفع، أو أقوم بتصرف لا يليق بي كمسلمة. كثيرا ما أتذكر حديث النبي ﷺ: "من سن سنة سيئة..."، وأخشى أن أقول كلمة تحرج أحدا أو تجرحه، أو أن أؤذي أحدا دون قصد، حتى في الأمور البسيطة مثل حمل شيء ساخن، إذ يراودني خوف دائم من أن يسقط من يدي ويؤذي أحدا، فأشعر أنني مسؤولة عن ذلك.

أفكر كثيرا في أنني قد أتكلم بطريقة غير مناسبة، أو أفشل، أو أخسر، وتزدحم رأسي بهذه الأفكار التي تؤثر علي بشدة، ويصل الأمر إلى أنني أشعر بألم في قلبي، ويرتجف جسدي حرفيا، ويغمرني التوتر والخجل لمجرد مرور الفكرة في ذهني، وأشعر بالخوف من أي تجمع أو مكان جديد، ومن النقاش مع الآخرين، أو التعبير عن مشاعري ومشكلاتي.

ينتابني شعور بعدم الأمان، وأخشى أن أكون عفوية بشكل غير لائق، أو أن أرتكب خطأ، كما أنني أخاف بشدة من فقدان ثقة الآخرين بي، أو أن أخذل من وثق بي.

قد تبدو هذه الأفكار بسيطة أو غير ذات أهمية، لكنها في الحقيقة مدمرة لحياتي ونفسيتي، أعيش في حالة دائمة من القلق والخوف، وأشعر وكأنني ارتكبت تلك الأخطاء بالفعل، مما يمنعني من ممارسة حياتي بشكل طبيعي، ويجعلني غير مطمئنة في أي مكان، ويزيد من شعوري بالضيق.

وصل بي الأمر إلى أنني لم أعد أرغب في فعل أي شيء، وأتمنى الهروب من كل شيء ومن كل من حولي، وأفضل العزلة التامة. لا يوجد أحد قريب مني يمكنني اللجوء إليه؛ فوالداي عصبيان جدا، ولا يفهمانني، ولا أستطيع الحديث معهما عن أي أمر يخصني أو عن أي مشكلة أمر بها، وأحاول دائما أن أعتمد على الله تعالى، ثم على نفسي في حل مشكلاتي، ولكنني تعبت، ولا أعلم ماذا أفعل.

أعتذر عن الإطالة، وأسأل الله عز وجل أن يجعل منكم سببا في نجاتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك -أختنا الفاضلة- عبر استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك معنا بهذا السؤال.

يبدو –أختي الكريمة– أنك تعانين من خوف مفرط من الوقوع في الخطأ، وأحب أن أطمئنك بأن هذا الشعور أمر شائع لدى بعض الناس، ولا سيما أولئك الذين يميلون إلى الكمال والدقة في كل ما يقومون به، ومع ذلك دعيني أطرح عليك بعض النقاط أو الخطوات، التي قد تساعدك في التخفيف من هذه المعاناة، والتي يظهر من سؤالك أنها قد أصبحت شديدة وممتدة منذ فترة.

أولا: من المهم أن نبتعد عن التفكير المثالي الذي يفترض أن الإنسان لا يخطئ، فذلك مخالف لطبيعة البشر، إذ قال النبي ﷺ: كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون، لكن اسمحي لي أن أسألك عن بعض الأفكار التي يبدو أنها تراودك، وهي في حقيقتها أفكار غير منطقية ومتعبة جدا، مثل: اعتقادك أنك يجب أن تكوني دائما على صواب، أو أن الوقوع في الخطأ دليل على الضعف أو عدم التوفيق، أو أن الناس سيفقدون احترامهم لك إذا أخطأت.

اسمحي لي أن أسألك: ما الذي يعنيه الخطأ في نظرك؟ وهل تعرفين شخصا واحدا بلغ النجاح دون أن يخطئ يوما؟ للأسف نحن في مجتمعاتنا كثيرا ما ننشأ منذ الصغر -خصوصا في المدارس- على الخوف من الوقوع في الخطأ بدل التعلم منه، فبعض الأخطاء في الحقيقة تعد فرصة للتعلم والتقدم، وليست دائما أمرا سلبيا.

لذلك من المفيد أن نحاول الابتعاد عن التفكير المثالي أو النظرة الكارثية للأمور، وقد ظهر من سؤالك أنك أحيانا تتوقعين أسوأ الاحتمالات في بعض المواقف، وكأن الأمر لا بد أن يكون نجاحا كاملا أو فشلا تاما، وهذا ما يسبب لك القلق والتعب.

نحن جميعا نخطئ، فذلك جزء من طبيعتنا البشرية، لكن الأهم هو أن نسعى لتصحيح الخطأ والتعلم منه حتى لا يتكرر مستقبلا.

النقطة الثانية: هي مسألة الهروب، وقد ذكرت في سؤالك أنك تميلين إلى تجنب مواجهة هذه المواقف، وأود أن أذكرك بأن الهروب لا يعالج المشكلة، بل غالبا ما يزيدها تعقيدا وتشابكا، وربما يكون هذا ما حدث معك بالفعل على مدى السنوات الماضية.

صحيح أن التعرض للمواقف الصعبة ومواجهتها يسبب بعض القلق في البداية، لكن مع مرور الوقت والممارسة سيبدأ هذا القلق بالانخفاض تدريجيا، فأرجو منك أن تتبني أفكارا واقعية ومتزنة، مثل: أنا إنسانة، وقد أخطئ أحيانا، لكنني أتعلم من أخطائي، فالخطأ لا يعني الفشل، بل هو فرصة جديدة للمحاولة.
كما يمكنك أن تكتبي لنفسك عبارات بهذه المعاني الإيجابية، لتذكري نفسك بها كلما شعرت بالخوف من الخطأ، فذلك سيساعدك على تجاوز هذا الشعور شيئا فشيئا.

أحمد الله تعالى على التزامك بدينك وحرصك على تطبيق تعاليمه، وهذا أمر يشكر عليه، لكن ذلك لا يعني أن نبالغ في الحساسية المفرطة تجاه الخطأ، وفي هذا السياق، يمكن أن يساعدك القيام ببعض تمارين التنفس البطيء، مثل: أن تأخذي شهيقا عميقا لمدة أربع ثوان، ثم تحبسي النفس ثلاث ثوان، تليها زفير هادئ يستمر نحو ست ثوان، هذه التمارين البسيطة تساعد على تهدئة النفس، وتخفيف القلق والتوتر الذي تشعرين به.

وأخيرا: نعم إن وجود دعم اجتماعي من الأسرة أمر مهم ومفيد، لكنني فهمت من سؤالك أنك تشعرين بشيء من الحرج في الحديث مع والديك، لأنهما –كما ذكرت– سريعا الغضب، لذا أنصحك بأن تحاولي الاقتراب منهما تدريجيا، واختاري الأوقات المناسبة التي يكونان فيها أكثر هدوءا واستعدادا للاستماع إليك.

أدعو الله تعالى أن يشرح صدرك، وييسر أمرك، ويعينك في الدراسة.

مواد ذات صلة

الاستشارات