السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شكرا على جهودكم في خدمة الإسلام.
أنا مقبل على خطبة فتاة، ولدي خطوط عريضة لا أتنازل عنها، ليس تعنتا شخصيا؛ بل لأنها أمور شرعية، مثل طبيعة الفرح، ولباس الفتاة، وعمل المرأة، وألا تكون مقصرة في الصلاة، وأظن أن هذه الأمور تمثل أساسيات المسلم.
لكن أهلي يرون أن طلباتي كثيرة، ويقولون: "إن من تنطبق عليها هذه المواصفات غير موجودة" هي موجودة، ولكنني من طبقة اجتماعية فيها مال وجاه، و-للأسف- كثير من الفتيات في هذه الطبقة غير ملتزمات بهذه الأمور التي ذكرتها.
أهلي متشددون جدا في رفض الزواج من طبقة مختلفة، ونحن على هذا الحال منذ سنتين، يبحثون ولم يجدوا من تنطبق عليها المواصفات حتى الآن.
بصراحة، سئمت ومللت، وهناك فتاة حاليا تحت النظر، تدرس في السنة الثانية بكلية طب الأسنان، أفكر هل أغض الطرف عن بعض الأمور إن رأيت منها استعدادا، ثم بعد الزواج أوجهها؟ مثلا: في موضوع الزفاف سأناقش التفاصيل، وفي اللباس أريدها أن ترتدي النقاب، وفي العمل سألمح لما أريده دون أن أضعه شرطا واضحا، أما الصلاة، فقد علمت أنها لا تصلي الفجر، أو تؤخرها، فهل يمكن أن يتحسن الأمر بالتزامي وإرشادي لها؟
أنا بحاجة للزواج، وهذا الأمر يشغلني كثيرا، وباختصار: إن لم أتزوج وفق رغبة أهلي، فسيكونون متضايقين، وأختي كذلك؛ لأنها تتبعهم دون تفكير، وسأتأخر في الزواج 5 أو 6 سنوات على الأقل حتى أتمكن من بناء نفسي.
الفتاة تدرس في جامعة خاصة، وإن قلت لها هذه الأمور، أعتقد أنها سترفض؛ لأنها تتعارض مع ما دفعه والدها من مال وجهد، لكن والدتها لا تعمل، وهذا يجعلني أفكر: إن رأيت منها نفسا متدينا، فقد أقبل بها، وأتوقع أن ارتباطنا وتعلمنا للدين معا سيغير رؤيتها تدريجيا، أما الصلاة، إن كانت مقصرة فيها، فهل يمكن أن يتحسن الأمر بالتوجيه؟
وبالنسبة للباس، قد يكون فيه زينة، كما هو حال أغلب الفتيات، فالجيدة حاليا قد تستوفي باقي الشروط دون هذا.
طبعا هناك ملتزمات ومنتقبات، لكنني لم أجد واحدة حتى الآن، كنت أشترط أن تكون منتقبة، ولكنني صبرت، وأهلي يضيقون علي كثيرا، هم يشترطون أن تكون من عائلة ذات مال وجاه، ونحن نملك ذلك، لكن لا أرى ضرورة لاشتراطه، وهم يرون أن اشتراطاتي متشددة ومبالغ فيها.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يقضي حاجتك على ما يرضي الله تعالى، ويسعدك، ودعنا نجيبك من خلال ما يلي:
أولا: الأصل الشرعي في اختيار الزوجة قول النبي ﷺ:تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك، فالدين هو الأساس الأول، ولا يقصد به الكمال، بل الأصل الاستقامة العامة في الاعتقاد والعبادة والسلوك، والمقصود بذات الدين: من يرجى منها طاعة الله، وإن قصرت أحيانا، فهي تذكر فتتذكر، وترشد فتقبل.
ثانيا: ما ذكرته من شروط: الحجاب، ترك الاختلاط المحرم، أداء الصلاة، ترك العمل غير المنضبط بالشرع؛ ليست تشددا، بل هي ضوابط شرعية، لكن يجب أن تفرق بين:
• ما لا يجوز التنازل عنه شرعا كترك الصلاة، أو التبرج، أو الاختلاط المحرم.
• وما يمكن أن يؤمل تغييره بالتدرج كالنقاب، أو تحسين الالتزام في المظهر، أو ضبط نية العمل.
فمن الحكمة أن تميز بين الثابت الذي لا يمس، والمتحرك الذي يرجى تغييره بعد الزواج بالحكمة والمودة.
ثالثا: أهلك -وإن كان دافعهم العادات والمكانة- فهم يخافون من الفارق الطبقي، لا سيما إذا رأوا أنك ستختار فتاة من بيئة لا تشبهكم، وهم معذورون في هذا الجانب، لذا لا تسعى للصدام معهم؛ لأنك بحاجة إلى توفيق الله ثم دعمهم، والحل يكمن في أن تحاورهم بالحكمة، لا بالتحدي، واجعل لهم مدخلا في الرضا عن الاختيار بالبيان الهادئ، واستعن عليهم بالصحبة الصالحة ومن يسمعون منهم، وعلماء الدين، مع الصبر على ذلك.
رابعا: عن الفتاة التي تفكر فيها الآن؛ فكونها طالبة طب أسنان في جامعة خاصة لا يعني بالضرورة رفضها لقيمك، لكن هذا يحتاج إلى التأكد منها عن طريق سؤال من تثق بأمانتهم ممن يعرفونها، فإن وجدت عندها:
• حياء ظاهرا.
• حرصا على الصلاة، ولو مع بعض التقصير.
• استعدادا لقبول النصح والتدرج في الطاعة.
فهي مشروع صالح بإذن الله.
أما إن وجدت استهزاء، أو عنادا، أو تبريرا صريحا للمخالفات؛ فاعلم أن التوفيق بعيد.
خامسا: تأخير الزواج مع الحاجة إليه والقدرة عليه خطر عليك من جهة الفتنة، خاصة في هذا الزمن، فإن استطعت أن تختار فتاة صالحة في الحد الأدنى -أي تصلي، وتتحلى بالحياء، ولا تنكر المعروف- فامض بخطبة متأنية، مع استخارة واستشارة، وموافقة ودعم الأهل، فتوكل على الله.
سادسا: عن فكرة "سأتغاضى الآن وأصلح بعد الزواج" هذه النقطة تحتاج الى تنبيه:
فكثير من الشباب يظن أنه بعد الزواج يستطيع أن يغير الزوجة، لكن الواقع أن التغيير بعد الزواج صعب إن لم يكن عندها قابلية؛ فالتنازل المرحلي مقبول بشرط أن ترى منها:
1. محبة للخير.
2. عدم ممانعة من التوجيه الديني.
3. حياء يمنعها من المجاهرة بالباطل.
أما إن كانت تقول مثلا: "سألبس ما أريد، ولا يحق لك أن تفرض علي شيئا" فهذه بداية طريق شاق ومؤلم.
سابعا: نصيحة عملية:
• لا تذكر شروطك كأوامر، بل كبصيرة في الحياة، اجعل حديثك عن قيمك لا عن شروطك.
• ركز على أصل الدين والصلاة والحياء، ودع التفصيل في المزيد من اللباس، وأمور العمل يبنى لاحقا بالتفاهم.
• استخر الله استخارة صادقة، ثم استشر من تعرفها من النساء الصالحات.
• إن وجدت أنها تتقبل الخير ولو ببطء، فهي خير من جميلة متبرجة لا تبالي، المهم أن تكون مقتنعا بها، وأنها تصدك عما حرم الله.
نسأل الله أن يسعدك، ويحفظك، والله الموفق.