السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قبل أن أطرح سؤالي، أعلم أن الدنيا دار ابتلاء، ولا بد من الشقاء فيها، لكن الظلم في الشركات أصبح منتشرا بشكل كبير، وحتى الانتقال إلى شركة أخرى لا يضمن بالضرورة انتهاء الظلم، فربما يزيد أو يقل حسب أقدار الله.
بالنسبة لسؤالي: انتقلت إلى شركة جديدة، ولكن لا يوجد بها نظام واضح، ومن المفترض أن أعمل في أكثر من إدارة بعلم المدير، إلا أن المشرف لا يحب ذلك، وهذا المشرف يعمل في الشركة منذ أكثر من عشر سنوات، ويقضي وقت العمل في مصالح شخصية، مثل التجارة والسمسرة لحسابه الخاص، ويوافق مدير القطاع على ذلك أحيانا لأنه يحتاج إلى الشراء منه، وباقي الوقت يقضيه في المزاح، وربما يعمل ساعتين أو ثلاث ساعات فقط يوميا.
نتيجة لذلك لا يراجع المشرف الأعمال الموكلة إليه مني في وقتها، فتظل المستندات على مكتبه للمراجعة، ويقوم بمراجعتها بعد يومين أو ثلاثة، مما يتسبب في تأخير العمل، فيأتي متأخرا، وأحيانا أضطر للسهر والعمل ساعات إضافية دون مقابل؛ لأن العمل لم يراجع مسبقا، والشهر ينتهي ويجب إنهاء جميع الأعمال في وقت محدد.
بهذا الشكل هو يربح من تجارته، بينما أؤدي عملي مجانا وأضيع وقتي بلا فائدة، ولقد رفعت الأمر إلى المدير الأعلى، لكنه لم يتخذ أي إجراء.
وعندما حان وقت العمل مع الإدارات الأخرى، اجتمع المدير معي ومع المشرف وأخبره أنني سأكون مشغولا بالعمل مع الإدارة الأخرى، ويمكنه الاستعانة بالموظفين الآخرين، لكنه لم يفعل، ولم يتابع المهام، ولم يقم أحد بعملي، واضطررت لترك بعض مهام الإدارة الأخرى بسبب ذلك، ومدير القطاع يسأل عن هذه المهام، وأنا مشتت بين عملي هنا وهناك، وفي النهاية سأكون أنا الملام، رغم أن مدير المشرف ومدير القطاع يعلمون بذلك ولا يفعلون شيئا!
ما نصائحكم لي للتقليل من هذا الظلم أو محاولة تنظيم الأمور، مع العلم أنني أرفض حاليا العمل ساعات إضافية، وقسم الموارد البشرية يوافق على ذلك، لكنه لن يتدخل إذا تراجع تقييمي السنوي لعدم إتمام المهام، هذا لم يحدث هنا بعد، لكنه يحدث غالبا في معظم الشركات.
أنا لا أتوقع الأسوأ، لكن أبحث عن حلول استباقية لمثل هذه الأمور، أرجو أن يكون سؤالي واضحا، وأسأل الله أن يعينكم على الرد، وشكرا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نشكركم على تواصلكم معنا، وثقتكم بموقعنا، ونسأل الله أن يعينكم على هذا الابتلاء وأن يرزقكم سعة البال والتوفيق.
أتفهم تماما ما تمر به من مزيج من مشاعر الظلم والإحباط والتشتت، فإنك تبذل الجهد والأمانة في عملك، ثم تجد أن نتيجة هذا الجهد يضيع بسبب تقاعس الآخرين، واستغلالهم للوظيفة في مصالحهم الشخصية، أمر مؤلم ومناف لروح الأمانة التي أمر بها ديننا الحنيف.
وقد أحسنت بقولك: "أعلم أن الدنيا دار ابتلاء ولا بد من الشقاء في الدنيا"، فهذا هو التأطير الإسلامي السليم للمشكلة، حيث إن هذه المواقف الصعبة هي جزء من الابتلاء الذي يمحص الله به عباده، قال تعالى: ﴿ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين﴾ [البقرة: 155]، وعملك وإخلاصك في هذه الظروف الصعبة هو عبادة يثاب عليها المرء عند الله، حتى لو لم يقدرها البشر.
هذه المشكلة يمكن أن ننظر إليها من زاويتين، وهما:
- حقك في العمل والوقت.
- وحقك في السكينة النفسية.
الأمر الأول: المشكلة الأساسية تكمن في تقصير المشرف في أداء عمله واستغلاله للوظيفة، وهو ما يمثل صورة من صور أكل المال بالباطل، والغش في الأمانة التي ائتمنه الله عليها، وسيحاسب عليها، وقد قال النبي ﷺ: كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته (رواه البخاري ومسلم)، وكون مدير القطاع يتغاضى عن ذلك لمصلحة شخصية منه، يزيد الأمر تعقيدا وظلما.
الأمر الثاني: أنت الآن في وضع صعب، حيث تلام على تقصير لم يكن منك، وهذا يولد إحساسا عميقا بالظلم، وإذا لم يكن من الله عون للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده.
نصيحتنا هي أن تتبع منهجا عمليا ونظاميا يحفظ عليك دينك وكرامتك المهنية، وفي ذات الوقت يحمي تقييمك:
• اجعل لجوءك إلى الله أولا وقبل كل شيء، فأكثر من دعاء المظلوم، وادع أن يكفيك الله شر من ظلمك، وأن يظهر الحق على لسانك، وأن ييسر لك أمرك، والله تعالى سيكشف عنك السوء والضر، فقد وعد بقوله: ﴿أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء﴾ [النمل: 62].
• لا بد أن يكون كل عملك موثقا رسميا، فعندما تسلم مستنداتك للمشرف أرسلها عبر البريد الإلكتروني الرسمي مع إشعار بالاستلام (Read Receipt)، ووضح فيه تاريخ ووقت الإرسال والمهلة المتوقعة للمراجعة (حسب سياسة الشركة).
• إذا تأخر المشرف على الرد، فأرسل إليه رسالة تذكير (بعد المهلة بيوم) مع نسخة (CC) لمدير القطاع، تذكر فيها: "متابعة للمستند (اسم المستند) المرسل بتاريخ (كذا) للمراجعة، نرجو التكرم بالمراجعة في أقرب وقت لتفادي التأخير في إنجاز أعمال الإدارة [الأخرى/النهائية]".
• بخصوص التشتت بين إدارتين، أرسل رسالة واضحة لمدير القطاع (CC المشرف) تلخص فيها: المهام الموكلة لك من الإدارة الأخرى وتاريخ انتهائها، والمهام الأساسية المعلقة بسبب تأخر المشرف في مراجعتها، واطلب توضيحا لأولويات العمل: "نرجو التكرم بتحديد الأولوية التي ترونها مناسبة بين المهام (كذا)، وبين انتظار مراجعة المشرف لضمان إنجاز الأهم في وقته"، هذا يجعله مسؤولا عن تحديد الأولويات.
• أحسنت في قرارك برفض العمل الإضافي المجاني، عملك هو بيع لوقتك وجهدك، وما بعد ساعات العقد هو تبرع لا يلزمك شرعا ولا قانونا، وإذا جاء موعد التسليم وقد تأخرت المراجعة فأنت بين خيارين:
- إما التوقف عند انتهاء دوامك الرسمي، حتى لو بقيت المهام معلقة.
- أو التبرير إذا سئلت عن التأخير، عندها أجب بهدوء واحترافية (مع توثيق سابق): "لقد أرسلت المستندات للمراجعة إلى المشرف في [تاريخ/وقت]، وبسبب عدم إتمام المراجعة في الوقت المناسب، لم أتمكن من إتمام الإجراءات اللازمة قبل نهاية دوامي الرسمي".
• لا تستسلم لفكرة التقييم المنخفض مسبقا، والتوثيق المذكور أعلاه هو الحل الاستباقي لمنع خفض تقييمك.
• إذا خفض تقييمك اطلب اجتماعا رسميا مع الموارد البشرية ومدير القطاع.
• قدم التوثيق (رسائل الإيميل بالتواريخ) الذي يثبت أن السبب الحقيقي للتأخير كان انتظار المراجعة أو التناقض في تحديد الأولويات، وليس تقصيرا منك.
• لا تهاجم المشرف، بل ركز على العمليات المعطلة: "لقد أتممت دوري في الوقت المحدد، وتأخير المراجعة هو ما أدى إلى التأخير في تسليم المنتج النهائي".
• تذكر أن هذا الرزق مقسوم لك، وأن هذه الشركة قد تكون مجرد مرحلة، لا تجعل قيمة نفسك مرتبطة بتقييم المشرف أو المدير.
• ليطمئن قلبك أن الظالم لن يفلت من الحساب، فقد قال النبي ﷺ: اتق دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب (رواه البخاري ومسلم).
• ابدأ بهدوء وسرية في البحث عن فرصة عمل أخرى، ففن إدارة الأزمات المهنية أحيانا يكمن في إغلاق باب الفتنة والظلم والانتقال إلى مكان يحفظ لك كرامتك وجهدك.
نسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يهديك سواء السبيل، وأن يبدلك خيرا، أو أن يصلح لك حال عملك، وأن يكفيك شر الظالمين.