السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يعطيكم الله العافية، ويجزيكم خيرا.
أنا عمري 38 سنة، و-الحمد لله- درست في الجامعة، وأنهيت دراستي قبل نحو 16 سنة، ولكن منذ أن تخرجت وحتى هذه الأيام لم أفعل أو يتحقق لي أي إنجاز؛ لا في وظيفة، ولا عمل، ولا زواج، ولا أي شيء.
ومع ذلك، فأنا و-الحمد لله- محافظة على الصلاة في وقتها، ومحافظة على صلاة الضحى، وأقرأ القرآن، وأحاول أن أتصدق بقدر ما أستطيع، وأسعى إلى فعل كل عمل خير.
الحمد لله، أستيقظ كل يوم قبل صلاة الفجر بوقت، فأصلي وأدعو الله وأستغفره، وخلال النهار أيضا أستغفر وأذكر الله، وأدعو، وأتحرى أوقات إجابة الدعاء، وأتفاءل، وأتمنى أن يستجاب دعائي، ولكن لا أجد إجابة، ومع ذلك، لا أستطيع أن أفضفض أو أشكو إلى أي أحد ما أمر به، حتى إلى أهلي وأقرب المقربين إلي، وحتى عندما يتحدث معي أحد عن الزواج أو الوظيفة، أقول لهم: هذه أرزاق من عند الله.
عندما أرى صديقاتي وقريباتي وأتذكر هذه الأمور وحدي وما أمر به، أبكي كثيرا، وأتمنى أن يتغير شيء، إلا أنني أقول: الحمد لله، ولكن يبقى السؤال: ما العمل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ياسمين .. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.
أولا: نسأل الله -سبحانه وتعالى- بأسمائه وصفاته أن يقضي حاجاتك، وأن يجيب دعاءك، ويبلغك ما تتمنينه من الخيرات وزيادة.
ثانيا: أنا لا أشاركك الرأي -ابنتنا الكريمة- في أنه لا يحصل في حياتك إنجاز، فحياتك و-لله الحمد- مملوءة بالإنجازات، بل والإنجازات العظيمة جدا، فقد وفقك الله تعالى ووهب لك ما لم يهبه لكثير من الناس.
حياتك اليومية هذه التي وصفتها في سؤالك هي أعظم إنجاز يمكن أن يحققه الإنسان في هذه الحياة، فاشتغالك بأداء الفرائض، والمحافظة على الصلوات في أوقاتها، والمحافظة على نوافل الصلوات، كصلاة الضحى وقيام الليل، وقراءتك للقرآن، وبذلك بما تقدرين عليه من الصدقة، وإن كانت قليلة، ودعاؤك لله تعالى ولا سيما في الأسحار، وكثرة الاستغفار، وكثرة الدعاء لله، وتحري أوقات الإجابة، كل هذه الأعمال الكبيرة والإنجازات العظيمة، حرم منها كثير من الناس، فأنت -ابنتنا الكريمة- تنجزين وتحققين أمورا عظيمة جدا، هي مقصود هذه الحياة، وهي الهدف والغاية التي يهدف إليها كل إنسان عاقل، وهي سبب السعادة الحقيقية، فالحياة الحقيقية إنما تبدأ بالموت، وتلك الحياة الطويلة الدائمة مبنية على عمل الإنسان في هذه الحياة الدنيا.
فينبغي أن تلتفتي إلى هذا الجانب، وأن تعلمي تمام العلم أن الله سبحانه وتعالى قد وهبك من الهبات الشيء الكثير، لم يهبها لغيرك، فتفرحين بهذا، وتبشرين بفضل الله تعالى وكريم عطائه، فهو سبحانه لا يعجزه شيء، إذا أراد شيئا إنما يقول له: {كن فيكون}، وفي الحديث الصحيح (يد الله ملأى) خزائنه ملأى (لا تغيضها نفقة) لا تنقصها النفقات (سحاء الليل والنهار) لا يعجزه -سبحانه وتعالى- أن يرزقك الزوج الصالح والذرية الطيبة، ولكنه يختبر صبرك، ويوصل إليك الخير بطرق خفية.
فكم من إنسان حرمه الله تعالى بعض محبوباته، أو قدر عليه بعض المكروهات؛ ليرفع درجته ويبذل له الثواب، ولك في أنبياء الله خير أسوة وقدوة، فأنت تقرئين أن يعقوب -عليه السلام- بكى سنوات طويلة حتى ذهب البكاء ببصر عينه، وهو يدعو الله تعالى أن يرد إليه ولده، ولكنه لم يرجع إلا بعد مرور عشرات السنين، والله قادر على أن يرده من أول لحظة، ويعقوب من أنبياء الله ورسله، ولكن مع ذلك فالله تعالى يبتلي صبر هذا الإنسان، ويقدر عليه أمورا شاقة عليه، مؤلمة لنفسه، لكنه لا يقدرها عبثا -سبحانه وتعالى- إنما يقدرها لما يعقبها من الخير، وما يأتي بعدها من النور والفرج والسعادة، ونحن نظن أنك من هذا الصنف بإذن الله تعالى.
نسأل الله تعالى أن يوفقك لمزيد من الخيرات، وأن يثبتك على هذا الخير الذي أنت فيه، ونوصيك بألا تقطعي رجاءك في الله، فأحسني الظن بالله تعالى، وفي لحظة ما سيأتي الفرج.
وقد وفقت حينما لم تفضفضي بحاجتك إلى أحد من الناس، وإنما أنزلتها بالله، وتوجهت إلى الله تعالى بسؤال حاجتك؛ فهذا أيضا نوع آخر من أنواع التوفيق الذي من الله تعالى به عليك، وقد قال الرسول الكريم ﷺ في الحديث الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله ﷺ: من نزلت به فاقة –يعني حاجة- فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله، فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل (رواه أحمد وابن ماجه وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني) فهذا من توفيق الله تعالى لك أن ألهمك التوجه إلى الله تعالى بالدعاء، ولا سيما في الأسحار، وهذه الفضفضة إلى الله تعالى، والتضرع بين يديه، والسؤال له عبادة تنفعك في دنياك وفي آخرتك، وهي سبب حقيقي للوصول إلى ما تتمنينه، فالدعاء من الأسباب، أما الفضفضة إلى عباد الله تعالى فإنها لن تجلب لك شيئا مفقودا، ولن تزيدك في شيء موجود.
فاستمري على ما أنت عليه من الخير، وأكثري من دعاء الله تعالى، واعلمي بأن الفرج قريب، وأن المولى -سبحانه وتعالى- إنما يختبر صبرنا، وسيرزقك الله تعالى السكينة في قلبك والاطمئنان والسعادة؛ بحيث ترضين بقضاء الله تعالى لك، وأن تعلمي أن ما يقدره الله ويختاره لك هو الأفضل والأنفع، فقد قال سبحانه وتعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [البقرة: 216] فأديمي الدعاء، وأكثري من التعرف على النساء الصالحات والفتيات الطيبات، فهن خير من يعينك على الزواج.
نسأل الله بأسمائه وصفاته أن يقدر لك الخير حيث كان.