السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سأكون صريحة جدا، وإن شاء الله سأكون منصفة في كل كلمة سأقولها، أنا فتاة أبلغ من العمر إحدى وعشرين سنة، درست بالجامعة سنتين بعد المرحلة الثانوية، وهناك تعرفت على شاب كان يدرس معي، كنت في أول عام من الجامعة أتجاهله، ولم أكن أرغب في أي شيء من ذلك النوع من التعارف أو الصداقة، سوى علاقة زمالة محترمة ليس إلا، وقد كان هذا الشاب محترما للغاية، يصلي، وليس له أي علاقة بالتدخين، أو الشرب، أو أي شيء من ذلك القبيل، وقد عرفت هذه المعلومات، لأننا كنا نقضي كامل أيام الأسبوع في الجامعة والدراسة، ورأيته كيف يذهب إلى المسجد، وغير ذلك.
أعرب لي عن إعجابه بي في بداية السنة، ولكن كان جوابي له بأنني أريد فقط أن نبقى زملاء، ولا أريد أصلا شيئا من هذه الأمور في هذا العمر؛ لأن لدي أحلاما ودراسة أريد تحقيقها، وكان متفهما، ولكن مع مرور الوقت كان إعجابه يكبر، وقد حاول الحديث مع كل صديقاتي، كي يحاولن إقناعي بإعطائه فرصة، ولكن دون جدوى واستجابة مني.
وفي العام الثاني، لم ييأس هذا الشاب، وحاول مرة أخرى، فقررت وقتها إعطاء نفسي وله فرصة للتعرف، وكان هذا التعارف عبر الحديث أو المراسلات لبضعة أشهر تقريبا، وفي عيد ميلادي الحادي والعشرين تحجبت و-الحمد لله-، وبدأت أشعر برغبة في إصلاح الكثير من الأمور والقرارات في حياتي، لإرضاء الله تعالى، وقررت أن أقول لهذا الشاب: "لا أريد المواصلة في هذا؛ لأنه حرام، ولنترك بعضنا، وإن كان لنا نصيب نكون معا فسوف يجمعنا القدر".
لم يتحمل قطع الحديث بيننا، وطالبني بأن أسمح له بأن يأتي بأهله ويتقدم لخطبتي رسميا، وهذا صراحة كان ما يريده من قبل، وخاصة لما عرف أنني سوف أواصل دراستي في ألمانيا العام القادم، ولكني لم أكن أريد ذلك لأسباب شخصية وعائلية.
جاء الشاب وعائلته، وصار في نهاية الجلسة العائلية إعطاء كلمة بالموافقة المبدئية، وسبق وأن سألت أختي عن هذا الموضوع، وكانت الإجابة بأنه لا مانع من أن تأتي العائلة، وغير ذلك، وأعجبت أمي وأبي بالشاب والعائلة أيضا.
ولكن من بعدها أراد الشاب أن نعود إلى الحديث معا كل يوم، ويريد أن يطمئن علي كل يوم، وخاصة أنني الآن في ألمانيا، ولكننا تناقشنا كثيرا، وقد تكلم هو مع أمي واشتكى لها مني؛ لأنني لا أريد الحديث معه، وسبب لي الوقوع في مواقف صعبة، محتجا بكلامه على أنه قد استشار العديد من الشيوخ وراسلني بما أفادوه به، ولكني لم أقتنع، وها نحن كل منا لديه رأي، ولا نعرف كيف نتصرف في هذه القضية، وكيف يمكننا الحوار بالتفاهم فيما يرضي الله تعالى.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أسماء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحسن العرض للسؤال، ونسأل الله أن يقدر لكما الخير، وأن يصلح الأحوال.
أسعدتنا الفكرة التي تسألين عنها، وهي: "كيف نرضي الله ونتفاهم وفق ضوء هذا الشرع الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به"، وهذا ينبغي أن يكون هما لكل شاب وفتاة.
إذا كان التعارف بين الأهل قد حصل، وإعطاء الكلمة قد تم، فأرجو أن نكمل هذا ليكون مشروع خطبة، والخطبة ما هي إلا وعد بالزواج، لا تبيح للخاطب الخلوة بمخطوبته، ولا الخروج بها، ولا التوسع معها في الكلام، ولكن هي فرصة لمزيد من التعارف.
وإذا كان الكلام في الحدود المعقولة، فإنه لن يكون هناك مانع، ما لم تحصل تجاوزات أو كلام في أمور لا تنصح في هذه المرحلة؛ لأن المخطوبة لا تعتبر زوجة، إنما الخطبة شرعت ليحدث التعارف بين الشاب والفتاة، وبين الأسرتين، وبين الأهل؛ لأن الزواج ليس علاقة بين شاب وفتاة فقط، بل هو علاقة بين أسرتين، وبين بيتين، يكون فيها أعمام وعمات، وفي الطرف الآخر أخوال وخالات، وهذا من الأمور المهمة.
إذا اتقينا الله -تبارك وتعالى- في هذه المرحلة، فلا مانع من أن يحدث السؤال عن الأمور الأساسية: عن الدين، الصلاة، الدراسة، الأمور الأساسية، ولا ننصح بالإكثار من ذلك، وإذا أردتم الإكثار من ذلك، فلا بد من تحويل الخطبة إلى عقد نكاح، وعندها نأخذ أيضا مساحة أكبر، ولكن حتى هذه المرحلة، إذا حصل الوفاق والاتفاق، فإن الشرع قال فيه لم ير (نر) للمتحابين مثل النكاح (رواه ابن ماجه).
إذا هي مراحل لا بد أن نراعيها، وحقيقة للعرف الاجتماعي أثر، فكيف يفهم الأهل هذا الأمر؟ هل هو مجرد إشعار؟ هل كانت خطبة بمعانيها؟ وماذا يعني هذا اللقاء الذي جاء فيه بعائلته، وفرحتم بهم، ورضيتم بالموافقة المبدئية، وحصل هذا التوافق؟ كل ذلك ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار.
ولكننا لا ننصح بكثرة التواصل، وإنما ننصح بأن ينصرف كل طرف منكما إلى إكمال مشروعه الأساسي، كما ننصح باستعجال أمر إكمال المراسيم؛ لأن التأخير ليس فيه مصلحة، وطالما حصل التفاهم والتوافق والميل المشترك والقبول والرضا، فعند ذلك خير البر عاجله، وإذا عزمتم فتوكلوا على الله، {ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا}.
ونحب أن نؤكد أن الزواج يمكن معه إكمال الدراسة، ويمكن معه إكمال كثير من المشاريع، متى ما حصل التفاهم والتخطيط المشترك حول كيفية تنفيذ هذه المشاريع، فالزواج ليس عائقا، بل قد يكون دافعا ومعينا على تحقيق الأهداف المشتركة، إذا بني على أساس سليم من التفاهم والثقة المتبادلة.
نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يقدر لكم الخير، ثم يرضيكم به، وأن يعيننا جميعا على التمسك بآداب وأحكام هذا الشرع في كل صغير وكبير من أمورنا، ومن الأمور المهمة التي لا بد أن نراعي فيها الضوابط الشرعية: تأسيس البيوت لتكون على تقوى من الله ورضوان؛ لأن في ذلك عونا لنا على النجاح والسعادة والاستقرار، وما عند الله من توفيق وسعادة لا ينال إلا بطاعته.
نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.