أميل إلى الانعزال، فهل عصبية أبي وحدة طباعه هي السبب؟

0 0

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أجد صعوبة شديدة في التعامل مع الناس، وأميل إلى الانعزال خوفا من آرائهم، وأحاول التقرب من الصالحين لكنني أجد أنهم يتخلون عني، ولا أجد صديقا أتحدث معه.

في الفترة الأخيرة ضعفت همتي وازداد كسلي، وتركت كثيرا من واجباتي، وأصبحت أفكر في عدم الانتماء إلى أي مكان، وأدعو الله أن يقبضني إن كان الموت خيرا لي.

كما أود أن أسأل: كيف أتعامل مع أب عصبي، ذي طبع حاد، لا ينفق على أسرته ولا يهتم بشأنهم؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منار حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بداية نشكر لك ثقتك فى موقع اسلام ويب وطلب المشورة، ونسأل الله أن يشرح صدرك، وأن يرفع عنك ما تجدين من ضيق وهم، وأن يجعل لك من أمرك فرجا ومخرجا.

ومن خلال رسالتك يظهر بوضوح أنك فتاة طيبة تحملين في قلبك رغبة صادقة في الإصلاح، لكن الضغوط النفسية والأسرية -خصوصا ما يتعلق بعلاقتك بوالدك- أثرت على توازنك العاطفي وثقتك بنفسك.

تذكري دائما أن مرورك بهذه المشاعر لا يعني ضعفا في الشخصية ولا في الإيمان، بل هو ابتلاء واختبار يمكن تجاوزه بالوعي والصبر والحكمة.

مشكلتك مع والدك هي محور أساسي فيما تمرين به، فالعيش مع أب عصبي وحاد الطبع، لا يظهر اهتماما كافيا بأسرته أو ينفق عليها كما يجب، يترك أثرا عميقا في النفس، ويجعل الأبناء في حالة حيرة بين الرغبة في البر من جهة، والشعور بالألم والخذلان من جهة أخرى، وتعد هذه المشاعر مشاعر طبيعية، وقد مر بها كثير من الأبناء الذين تربوا في بيئة مشابهة، ومع ذلك استطاعوا إصلاح علاقتهم بآبائهم بمرور الوقت، حين فهموا طبيعة شخصية الأب وكيفية التعامل معها دون صدام أو حساسية.

عصبية الوالد -في كثير من الحالات- تكون مظهرا خارجيا لضغوط داخلية مر بها، أو طباعا تربى عليها ولم يجد من يرشده لأسلوب أفضل في التعامل، وقد لا يكون قصده إيذاء أسرته، لكنه يفتقر إلى المهارات التي تساعده على ضبط غضبه، أو التعبير الصحيح عن مشاعره، فيظهر الأمر لك على أنه جفاء أو عدم اهتمام، وإدراك هذه الحقيقة يخفف عنك شعور الذنب، ويخفف أيضا حدة الألم، لأنك ستنظرين إليه كإنسان يخطئ ويصيب، لا كخصم أو مصدر تهديد.

وإصلاح العلاقة مع الأب يبدأ دائما من اختيار الوقت المناسب للحوار، فالأب العصبي لا يمكن الحديث معه أثناء التوتر، ولا تجدي محاولات الإصلاح حين يكون صوت الغضب هو المسيطر، أما حين يهدأ -أو يكون في مزاج جيد- يمكنك أن تقتربي منه بأسلوب لطيف، دون لوم مباشر أو عتاب قاس، بل بكلمات تظهر الاحترام وتلمح للحاجة دون أن تجرح، فالهدف ليس تغيير شخصيته دفعة واحدة، فهذا غير واقعي، بل الوصول إلى مساحة من التفاهم والهدوء يقبل فيها الحوار، ويشعر فيها الأب أنك تتحدثين إليه باحترام، لا بمواجهة أو اتهام.

وإذا كان والدك من الأشخاص الذين يتجاوبون مع اللطف أكثر من العتاب، فاستثمري هذه النقطة، وقد أظهرت التجارب أن الكثير من الآباء الحادين يلينون مع الزمن، حين يشعرون بأن أبناءهم يتواصلون معهم بدون خوف ولا خصومة، بل باحترام وصدق وبعد عن الانفعال.

وفي الجانب النفسي، من المهم أن تدركي أن إصلاح العلاقة مع الأب لا يعني أن تتحملي فوق طاقتك، ولا أن تلغي نفسك أمام طبعه الغاضب، واعلمي أن البر لا يكون بالظلم للنفس ولا بتجاهل احتياجاتها، بل يكون بالحد الذي يحفظ كرامتك ويرضي الله دون أن يعرضك للأذى.

لذلك يكفي أن تحافظي على الاحترام، والدعاء له، وتقديم كلمة طيبة عند القدرة، ثم تجنب ما قد يشعل غضبه أو يزيد توتره، وإن شعرت بأن الحديث معه في مسألة معينة سيجر ضررا عليك، فلا حرج أن تتركي الأمر لمن هو أقدر على محاورته من أفراد الأسرة.

ومع الوقت، ومع الدعاء، قد تتغير أمور كثيرة، فكم من آباء كانوا شديدي العصبية في شبابهم، ثم صاروا أكثر هدوءا وقربا من أبنائهم حين تلمسوا محبتهم وصبرهم، وقد قال ﷺ: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، والرفق هنا لا يعني الخضوع، بل يعني الحكمة في الطريقة والأسلوب.

ولا شك أن تأثير علاقتك بوالدك انسحب على ثقتك بنفسك وعلى علاقاتك الاجتماعية، والخوف من رأي الناس، والشعور بأنك غير مرغوبة، وضعف الهمة؛ كلها مشاعر مرتبطة بعدم حصولك على الدعم النفسي الكافي داخل الأسرة.

أنت قادرة –بإذن الله– على إعادة بناء توازنك الداخلي إذا بدأت خطوات صغيرة مثل: تواصل بسيط مع من تثقين بهم، مشاركة في نشاط جامعي، عبادة تنعش الروح، وجدول يومي يعيد لك الشعور بالإنجاز، فهذه أمور تشعر الإنسان بقيمته، بعيدا عن أي قصور في بيئته الأسرية.

أما ما تجدينه من دعاء بالموت، فهو ليس رغبة حقيقية بقدر ما هو تعبير عن ضيق شديد، ونرجو ألا تسترسلي معه، فالله تعالى أرحم بك من نفسك، وقد يجعل في حياتك القادمة من الفتح والسكينة ما يمحو ما سبق، وبدل الدعاء بالموت قولي كما قال النبي ﷺ: اللهم أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين، فهذا دعاء يجمع الخير كله.

أخيرا: نريدك أن تطمئني أن إصلاح العلاقة مع والدك ممكن، وأن بناء حياتك النفسية والاجتماعية من جديد ممكن أيضا، ومع الصبر والدعاء والرفق والحكمة ستجدين الأثر بإذن الله، وقد قال تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}.

اسألي الله دائما أن يصلح والدك، وأن يجعل بينكما مودة ورحمة، وأن يبدل ما تجدينه خيرا وسعة.

مواد ذات صلة

الاستشارات