السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا امرأة، عمري ٢٨ سنة، وأعيش في هولندا، في العام الماضي هداني الله -سبحانه وتعالى- لمعرفة الإسلام الحقيقي، واتخاذه دينا عن قناعة لا عن تقليد، مع أنني ولدت في عائلة مسلمة.
أعمل حاليا في شركة كبيرة في هولندا، وبراتب عال جدا مقارنة بمستوى الرواتب هنا، وهذا العمل يمنحني أنا وزوجي حياة مليئة بالراحة والرفاهية، خاصة أننا نمتلك مصدري دخل ثابتين، ونستطيع السفر متى شئنا، وشراء ما نحتاجه وما لا نحتاجه، وأعيش حياة كنت أظن سابقا أنها نجاح في حد ذاته.
لكن مع اقترابي من ديني بشكل أعمق، بدأت أرى أن هناك أمورا لا تتوافق مع ما أريد أن أكونه كمسلمة، ففي عملي لا أستطيع ارتداء الحجاب، إضافة إلى ذلك طبيعة عملي تفرض علي الاختلاط دائما بالرجال، وفي بعض الأحيان يكون الاختلاط قريبا ومتكررا بطريقة ترهقني نفسيا، وهنا في هولندا أستطيع أن أجزم أن معظم المهن -إن لم تكن كلها- فيها اختلاط كبير؛ مما يجعل الأمر يبدو بلا بديل واضح.
في البيت أعتني بزوجي وبيتي، وأحافظ على ديني بأريحية أكبر، دون صراع داخلي كل صباح، وزوجي -والحمد لله- متفهم جدا ويوافقني الرأي، ويدعمني نفسيا، لكنني أدرك أيضا أن هذا القرار سيغير حياتي جذريا؛ فسأعتمد على راتب زوجي فقط، ومع غلاء المعيشة في هولندا، فهذا يعني أنني سأعيش حياة أقل من المتوسطة، وربما سأضطر إلى التخلي عن كثير من الأشياء التي اعتدت عليها: السفر، التسوق، شراء الملابس بشكل مستمر، والنشاطات التي تحتاج إلى مصاريف.
ومن الأمور التي تثقل قلبي أكثر: أنني أحيانا أتذكر أنني ما زلت شابة في بداية حياتي، وأنني عملت بجد لسنوات طويلة، ودرست وتعبت وبنيت نفسي حتى وصلت إلى هذه المكانة المهنية. أشعر أحيانا أنني إن تركت عملي سأخسر كل ما سعيت إليه، وأنني سأعيش في مستوى أقل بكثير مما تمنيته لنفسي.
أرى صديقاتي وزميلاتي وأختي يعشن حياتهن براحة مادية وبحرية، يسافرن، ويتسوقن، ويحققن طموحاتهن المهنية، فأشعر أحيانا أنني قد أكون الوحيدة التي تتراجع إلى الخلف، بينما العالم من حولي يتقدم.
هذا الصراع بين ما أريده لديني وما اعتدت عليه في حياتي الدنيوية يجعلني في حيرة كبيرة، أخاف أن أندم إن بقيت على ما أنا عليه، وأخاف أن أندم إن تركت ما أنا عليه، وأشعر أنني واقفة في منتصف طريقين، ولا أعرف أيهما سيجلب لي الطمأنينة والسعادة الحقيقية.
أنا الآن في حيرة كبيرة من أمري، وأبحث عن توجيه يساعدني على اتخاذ القرار الصحيح دون خوف أو تردد.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جيهان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يقدر لك الخير وأن يصلح الأحوال.
بداية: نشكر لك هذا الحرص الذي دفعك للسؤال، ونشكر لك حسن العرض للسؤال، وقد أسعدنا هذا التفاهم بينك وبين زوجك، وأسعدتنا هذه الرغبة في مزيد من التمسك بدين الله تبارك وتعالى، وهذا الذي نريده.
والإسلام لا يمنع المرأة من أن تعمل، ولكن يريدها في عملها أن تكون في غاية الاحتياط، وأنت -ولله الحمد- قادرة على أن تحدي المسافة بينك وبين الآخرين.
والإسلام عندما أراد المرأة أن تتحجب وتحتشم؛ فذلك ليحفظ مكانها، ويحفظ المسافة بينها وبين الآخرين، لأن الله قال: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن} بأنهن العفيفات الطاهرات الخيرات، وعند ذلك {فلا يؤذين} أي: لا يتعرضن للأذى ممن في قلوبهم مرض والمنافقون.
فالحجاب هوية، والستر هذا للمسلمة هوية، والناس -المسلم وغير المسلم- يحترمون المرأة التي تحتشم في لباسها، وهذا مما يساعدك ويسهل عليك المهمة. لكن نحن لا نؤيد فكرة الاستعجال وترك العمل، ونتمنى أن يكون الاتجاه هو مزيد من الالتزام بالحجاب، مزيد من عمل احتياطات، مزيد من أخذ قرارات في الأمور التي فيها مخالفات شرعية.
أما وجود النساء والرجال؛ فهذا قد يصعب أن يوجد بلد الآن لا توجد فيه المرأة إلى جوار الرجل، لكن كيفية هذا الوجود، ولبس المرأة، والحدود التي بينهم، والحديث الذي يدور، هذا هو الذي ينبغي أن ننتبه له. ولذلك أتمنى أن تواصلي أولا الحوار مع زوجك، وتجنبي مقارنة حياتك بالأخريات، وتذكري أن الماديات ليست كل شيء، وأن من الناس من لا يملك إلا قوت يومه، ومع ذلك فهو سعيد بإيمانه، سعيد بطاعته لله تبارك وتعالى.
ولأجل ذلك نتمنى أن تدرسي هذا الموضوع دراسة وافية بينك وبين زوجك، ونحن نميل إلى الاستمرار في العمل مع أخذ الاحتياطات، والبحث عن عمل أحسن من هذا العمل. ولا شك أن الاختلاط موجود في كل مكان، لكن بعض الشر أهون من بعض، وهناك بيئات قد يكون الغالب فيها نساء، فهذا هو الأفضل لأي امرأة.
ولذلك أتمنى أن تديروا أموركم بمنتهى الهدوء، واجتهدي في المحافظة على صلاتك، وتفقهي في دين الله تبارك وتعالى، وتعاوني مع زوجك، وتشاوري معه في مثل هذه الأمور، والذي ظهر لنا من هذا الكلام أن الزوج متفهم، يعني يحاول أن يناقش في هذه المسألة، وهذا كله من المبشرات.
ونحن أيضا نسعد بتواصلك مع الموقع، ولا يخفى عليك أن الإنسان إذا تحير فإنه يستخير ربه تبارك وتعالى، والاستخارة هي طلب الدلالة إلى الخير ممن بيده الخير، وأيضا الإنسان لا مانع من أن يشاور الذين عندهم خبرة. ونحن نتمنى أن تجدي عملا يناسبك ويهيئ لك فرص التدين، لكن العمل في حد ذاته أعتقد أنه مهم ومما يعين الأسرة على صناعة الاستقرار والسعادة.
نسأل الله أن يؤلف القلوب، وأن يغفر الزلات والذنوب، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.