السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تربيت في أسرة ملتزمة بالدين، ونشأت على الالتزام بالصلاة في وقتها، وعلى تلاوة القرآن، ولله الحمد، وأنا أسعى وأجاهد نفسي في المحافظة على هذا الالتزام، خاصة بعد الزواج؛ حيث أصبحت أعتمد على نفسي في الاستيقاظ لصلاة الفجر على وجه الخصوص.
لكني أواجه صعوبة كبيرة مع زوجي في تأخيره للصلاة، وهجره للقرآن الكريم لأسابيع وأشهر؛ فلا أرى المصحف في يده إلا في رمضان، وفي بعض أيام الجمعة يقرأ شيئا من سورة الكهف. هو يسعى لإصلاح نفسه، لكن عزيمته ضعيفة، لا أستطيع تقبل تأخيره للصلاة؛ فقد نصحته مرات، وشجعته مرات، وتشاجرنا في بعض الأحيان.
أشعر بالحزن عندما يستيقظ لعمله دون تأخير، بينما في أيام الإجازة لا يستيقظ لصلاة الفجر إلا إذا أيقظته، وحتى مع المنبه لا يستيقظ، بل وفي بعض المرات القليلة، لا يستيقظ حتى بعد إيقاظي له، ومعظم صلوات الظهر يؤديها في المنزل في أيام الإجازة، فقيمة صلاة الجماعة لديه ضعيفة جدا.
وأنا أقلق عندما أفكر في ولدي: كيف أربيه على قيمة صلاة الجماعة ووالده مقصر فيها؟ ماذا أفعل معه؟ وما هو واجبي كزوجة؟ وما هو واجبي كأم تجاه طفلي في غرس هذه القيمة لديه؟ وكيف أعين زوجي على صلاة الجماعة، وصلاة الفجر على وجه الخصوص؟
علما بأنه إنسان صالح، وبار بوالديه جدا، وغير مقصر معي في شيء، ولله الحمد.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ meme .. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك ابنتنا الكريمة في استشارات إسلام ويب.
أولا: نسأل الله تعالى لك مزيدا من التوفيق والهداية والتسديد.
لقد أسعدني جدا ما قرأته في سؤالك، وقد اتضح من هذا السؤال مدى وعيك وتقديرك لأمور مهمة في حياة الإنسان، ومؤثرة في سعادته في دنياه وفي آخرته، فأنت محقة فيما تطرحينه من تقدير قيمة الصلاة أولا، وقيمة الصلاة جماعة بالنسبة لزوجك، وقيمة القدوة في تربية الأبناء والبنات، وهذا كله دليل على وعيك، ونسأل الله تعالى أن يزيدك بصيرة، وأن يتولى عونك في تحقيق ما تتمنينه من الصلاح لأسرتك.
ونريد أولا -ابنتنا الكريمة- قبل الكلام عن الطرق التي ينبغي أن تتبعيها للرقي بمستوى زوجك، ينبغي أولا أن نذكرك بأن هذه المعاناة التي تعانينها الآن مع زوجك، وهذه المحاولات التي تبذلينها؛ هذه كله عبادة عظيمة لله -سبحانه وتعالى-، بل من أجل العبادات وأكبرها.
فعبادة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة للإنسان المسلم، عبادة كبيرة القدر عند الله، وأجرها عظيم، ولذلك قال الرسول ﷺ: الدين النصيحة، فحصر الدين كله في النصيحة، وأنت الآن تنصحين أولى الناس بالنصح، وأحقهم بهذا النصح، وأقربهم منك، وهو الزوج.
فتذكري دائما أن هذه المعاناة التي تجدينها إنما هي عبادة، وأنت تؤجرين عليها، والأجر يكون على قدر المشقة والتعب، كما قال الرسول ﷺ لأمنا عائشة -رضي الله تعالى عنها-: أجرك على قدر نصبك، يعني على قدر تعبك، وتذكرك لهذه الحقيقة يصنع الحافز لديك على الاستمرار وعدم اليأس.
فتذكري بأن من تسبب في هداية إنسان مسلم، كان ذلك خيرا له من أموال الدنيا بما فيها وزخارفها، وتذكري أن الدال على الخير كفاعله، وهذا يبعثك ويحثك على مزيد من العطاء، ومزيد من الصبر.
ثانيا: ينبغي ألا تقطعي الأمل، وألا يتسرب اليأس إلى قلبك في محاولاتك لإصلاح زوجك، فـ إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد يصرفه حيث يشاء، فالله تعالى قدير على أن يغير حال زوجك هذه إلى أحسن حال، وقد يكون ذلك بين لحظة وأخرى.
فأحسني الظن بالله، وأكثري من دعائه بالتوفيق لك، وبإصلاح زوجك، وأن يرزقك الذرية الطيبة.
ثالثا: ينبغي أن تستعيني بالأدوات والوسائل التي تزرع الإيمان في قلب زوجك، وتنمي فيه الإيمان؛ فإن القلب إذا غرست فيه هذه المعاني استيقظ، وإذا صلح القلب صلحت سائر الأعمال، فحاولي أن تتلطفي بزوجك برفق ولين، وأن تدركي أن الرفق دائما قرين النجاح، وما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه.
أظهري لزوجك التودد والمحبة، وأنك تحرصين عليه، وتخافين عليه من المؤذيات، وأعظم الأذى العقوبات الأخروية، ولا سيما في شأن الصلاة، ومن ثم سيتلقى منك النصح والتذكير بقبول واستجابة.
حاولي مع ذلك أن تذكريه بالمواعظ التي تذكره بثواب الله تعالى في الدار الآخرة، حاولي أن تسمعيه ولو بطريقة غير مباشرة، المواعظ التي تذكره بالنار والجنة، وأثر الصلاة على الإنسان في حياته وفي قبره، وهناك رسالة صغيرة موجودة على شبكة الإنترنت للشيخ محمد إسماعيل المقدم، عنوانها: (لماذا نصلي؟) فلو استطعت أن تقرئيها مع زوجك لبيان فوائد الصلاة وثمار الصلاة؛ فإن هذا من شأنه أن يوقظ في قلب زوجك الحرص على هذه الشعيرة وهذه العبادة.
كذلك استعيني على ذلك بتغيير نمط الحياة، مثل: حاولي أن يكون النوم مبكرا، واحرصي على جلب زوجك إلى الاعتياد على هذه العادة، حتى يتمكن من الاستيقاظ في الوقت المناسب بسهولة ويسر.
حاولي ربط علاقات أسرية مع الأسر التي فيها رجال صالحون وشباب طيبون، يتأثر بهم الزوج، فالصاحب ساحب.
وأخيرا: أكثري من دعاء الله -سبحانه وتعالى- بأن يهدي قلب زوجك؛ فإن الدعاء من أعظم الأسباب والوسائل للوصول إلى المطلوب.
أما بشأن ولدك فإننا أولا نشكر لك شعورك بالمسؤولية، وتقديرك لحق هذا الولد عليك من حسن التربية، والتهيئة الدينية، وهذا من حسن إسلامك، وسداد رأيك، ونسأل الله تعالى أن يجري الخير على يديك وأن يرزقك الذرية الصالحة.
نعم -ابنتنا الكريمة- إن الأبناء والبنات أمانة لدى الآباء والأمهات، ويجب عليهم أن يؤدوا هذه الأمانة وأن يحسنوا هذه التربية؛ فإن الله تعالى قال: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}، ومن الأمانة تهيئة الأبناء والبنات للقيام بالفرائض الشرعية والواجبات الدينية، ولهذا أمرنا الرسول ﷺ بأن نأمر أبناءنا بالصلاة لسبع سنين، وأن نضربهم عليها لعشر سنين إذا هم قصروا، وكان الضرب هو الوسيلة المثلى في التأديب، هذا كله يبين مدى اهتمام الشرع الحنيف بتربية الأبناء والبنات على الصلاة منذ الصغر.
فاستعيني بالله -سبحانه وتعالى- على تربية ولدك وتعويده على الصلاة، واتبعي الأساليب التربوية النبوية الرفيقة، ومن ذلك أمره بالصلاة، فإذا بلغ سبع سنين ذكريه بالصلاة وأمريه بها، وحاولي أن تعززي في قلبه قيمة هذه الصلاة، وأن الله -سبحانه وتعالى- يحب من يصلي ويرضى عنه ويقربه عنده، وأن الله -سبحانه وتعالى- الذي أنعم علينا بكل هذه النعم: البيت والمسكن، والسيارة، والمأكل والمشرب، والأب والأم، ونحو ذلك من النعم التي يراها الابن أو تراها البنت، كل هذه النعم من الله سبحانه وتعالى.
فإذا عرف الطفل أن هذه النعم كلها من الله فإنه يحب الله ويتعلق قلبه به، ومن ثم يقال له: هذا الرب الكريم الذي أنعم علينا بكل هذه النعم ينبغي أن نعبده وأن نشكره، ومن أهم مظاهر الشكر له أن نؤدي هذه الصلوات.
ويعرف الصغير أن هذه الصلاة سبب لأجور كبيرة وخيرات كثيرة، فتذكر له الأحاديث التي فيها ثواب الصلاة في الجنة، وثواب الصلاة في القبر، ويتربى الصغير على حب هذه الصلاة وعلى حب الله تعالى، فالحب هو الدافع الحقيقي المحرك نحو السلوك.
فحاولي أن تعززي في قلوب أبنائك وبناتك حب الله تعالى؛ من خلال تذكيرهم بنعم الله تعالى عليهم، وحاولي أن تربطيهم بقدوات صالحين، مثل القدوة الأعظم الرسول ﷺ والصحابة الكرام.
ويمكن بعد ذلك أن تستعملي الأبناء والبنات وسيلة للضغط على زوجك ليكونوا -بإذن الله تعالى- سببا في صلاحه، وأن يستحي من الله -سبحانه وتعالى-، ويستحي من أبنائه وبناته حينما يوجهون إليه ربما بعض الأسئلة التي تتعلق بالصلاة ولماذا لا يحافظ عليها.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفقك لكل خير، ونجدد وصيتنا لك بدعاء الله تعالى بصلاح الذرية والإعانة على حسن تربيتهم.
وفقك الله لكل خير.