أريد أن أعبد الله على بصيرة وأن أتبع الأحكام بالدليل، فما توجيهكم؟

0 1

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كنت من الشباب المتحمسين الذين لم تتح لهم الفرصة لأخذ العلم عن المشايخ والعلماء الربانيين، فبدأت شيئا فشيئا أبحث عن الفتاوى والأشياء التي أشك في حكمها عبر مواقع الإنترنت وكنت أطبقها، إلى أن سلبت مني حياتي تدريجيا.

أصبح الأمر كمسائل الرياضيات: "إذا شككت في حكم شيء فابحث في الإنترنت، وإذا لم تجد الإجابة فافعله احتياطا".

تراني أتواصل مع مواقع الإنترنت يوميا للبحث عن المسائل، لكنني حينما اختلطت بالملتزمين الحقيقيين لم يكن لهم أي شيء من هذا، لم يكونوا يبحثون على مواقع الإنترنت أصلا، وحتى أقراني ومن حولي تراهم لا يصدقون مواقع الإنترنت وحياتهم مستقرة، وقد لا يعلمون الكثير من الأحكام لكنهم يعيشون حياة عادية، أما أنا، فلو اختفى مثلا أحد هذه المواقع سأجن وأفقد منظومتي الدينية.

لا أريد أن أكون ممن يحكمون العقل على الدين، لكنني لا أريد أن أكون كالأوروبيين في العصور الوسطى؛ حيث سيطرت عليهم الكنيسة الكاثوليكية تحت مسمى الدين.

قد يكون فعلا أحد هؤلاء المشايخ يقدم فتاوى خاطئة أو متشددة، لكن هل يجب علي اتباعه حتى إذا لم يورد دليلا؟ أريد الدليل في كل شيء حتى لا أكون كمن اتبعوا الكنيسة الكاثوليكية، أو كمن قال فيهم الله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله}، لكن لا توجد أدلة ولا توجد مصادر كافية.

لا أدري هل كل الناس تعيش هكذا؟

حاولت أن أطلب العلم عن طريق الكتب وصوتيات العلماء، لكنهم لا يجيبون عن كل الأسئلة، هل هي مشكلتي أنني أتساءل يوميا عن حكم كل موقف تقريبا؟

هل كل الناس تعيش هكذا؟ أريد أن يكون لي رأيي في المسائل الفقهية وأن أقتنع فعلا، لا أريد التقليد فقط.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Maria حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك ابنتنا العزيزة في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك بالموقع، ونسأل الله تعالى لك مزيدا من الهداية والتوفيق والسداد.

لقد سعدنا جدا -ابنتنا العزيزة- حين قرأنا سؤالك وما ذكرت فيه من حرصك على معرفة الأحكام الشرعية للأمور التي تريدين فعلها قبل أن تفعلي شيئا منها، وهذا توفيق كبير من الله تعالى لك، وأنت بذلك تمتثلين أمر الله تعالى لك، وأمر نبيه ﷺ، فقد قال الله تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}، وقال النبي الكريم ﷺ: طلب العلم فريضة على كل مسلم، وجعل النبي ﷺ الجهل مرضا، وجعل دواءه وشفاءه السؤال والتعلم، فقال ﷺ: ألا سألوا إذ لم يعلموا، إنما شفاء العي السؤال.

فالسؤال عن الحكم الشرعي للشيء الذي نريد أن نفعله فرض واجب، وإهمال كثير من الناس للقيام بهذا الفرض لا ينبغي أن يكون محبطا لنا وصارفا لنا عن أداء هذا الواجب، فينبغي أن تشكري الله تعالى الذي رزقك هذه اليقظة، وأوجد فيك هذا الانتباه، وخلق فيك هذه الرغبة لمعرفة الأحكام الشرعية.

وهذا الوقت الذي تبذلينه في البحث عن الحكم الشرعي ومعرفته هو أيضا جزء من العبادة، وهو من أهم الأعمال وأجل الأعمال الصالحة التي تتقربين بها إلى الله تعالى؛ فإن طلب العلم جهاد في سبيل الله، وهو من أحب الأعمال إلى الله تعالى، بل أحب الأعمال إلى الله طلب العلم الشرعي، كما قال به طائفة كبيرة من أهل العلم.

لهذا لا ينبغي أبدا أن تحزني على وقت تنفقينه في تعلم العلوم الشرعية، وكونك تبحثين عن الأحكام الشرعية عن طريق المواقع على شبكة الإنترنت، هذا أيضا ليس فيه ما ينبغي أن تقلقي لأجله، ما دمت تحرصين على متابعة المواقع الموثوقة المعروفة، التي يتكلم فيها أهل العلم الشرعي، تأمنين في تلقي الأحكام منه على دينك، وأن تكوني في جانب السلامة.

وهذه الوسائل والمواقع قد أغنانا الله تعالى بها في هذا الزمن، عن كثير من العناء والتعب في الانتقال إلى أهل العلم والذهاب إليهم لاستفتائهم، فينبغي أن نشكر نعمة الله تعالى علينا، وأن نستغل هذه النعم فيما يقربنا إلى الله جل شأنه.

إذا لا ينبغي أبدا أن تحزني بسبب أنك ترين كثيرا من الناس يعرضون عن القيام بهذه العبادة، فإن الله تعالى سيسألهم عن التقصير، فاشكري الله تعالى، وحاولي أن تنبهي من حولك من الأقارب وغيرهم، أن تنبهيهم على ضرورة معرفة الأحكام الشرعية من أهل العلم، وأن الله تعالى فرض علينا الرجوع إلى الثقات من العلماء لنتعلم منهم ما يهمنا ويعنينا من شؤون ديننا، فهذه فريضة يجب علينا أن نقوم بها كما نقوم بفريضة الصلاة.

أما بخصوص سؤالك عن الدليل، وكونك تشعرين بأنك لا تريدين أن تصبحي تحت سيطرة رجال الدين كما حصل للأوروبيين وغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى، فهذا رأي صحيح، أنت مكلفة شرعا بأن ترجعي فيما لا تعلمينه إلى العلماء به، والله تعالى رحيم بنا، لن يكلفنا بالشيء الذي يشق علينا، فيشق عليك أنت ومن هو مثلك من غير المتخصصين في علوم الشريعة الإسلامية، أن يعرفوا الأحكام الشرعية من خلال البحث بأنفسهم في أدلة القرآن، وأدلة الحديث النبوي وكلام الصحابة ونحو ذلك، ولو كلفت بهذا لكان في غاية المشقة عليك، ولكن الله تعالى من رحمته سهل الأمور، فكلف الإنسان الذي لا يعلم بالرجوع إلى الذين يعلمون من أهل العلم الثقات، وأخبر الله تعالى بأن هذا يكفي، وأن ذمة هذا الإنسان تبرأ عند الله تعالى من السؤال يوم القيامة، وهذا فضل من الله ورحمة ينبغي أن نفرح به وألا نقلق منه، فرجوعنا إلى أهل العلم كاف لإبراء ذمتنا عند الله تعالى.

وإذا أراد الإنسان أن يتثبت لدينه بشكل أكثر دقة وأكثر احتياطا، فينبغي له أن يحرص أولا على أن يسأل من يثق في علمه ويعرفه بسلامة ديانته، ثم إذا سأله عن الدليل الشرعي للمسألة التي يسأله فيها لا حرج عليه في ذلك، يجوز له أن يسأل عن الدليل الشرعي، وقد كان الصحابة، كما ذكر ابن القيم في كتابه العظيم في الفتاوى المعروف باسم "إعلام الموقعين"، ذكر في هذا الكتاب أن من آداب الفتوى التي كان يتبعها علماء الصحابة أنهم يفتون بالدليل، وأنه يجوز للمستفتي أن يسأل عن الدليل، لكن هذا ليس بواجب، إنما هو جائز.

فالواجب عليك أن تسألي أهل العلم، وتحاولي أن تتحري الثقات من العلماء والمواقع الموثوقة، فإذا سألت عن الدليل لا حرج عليك في ذلك، وإذا لم تسألي فيكفي هذه الثقة لمعرفة الحكم الشرعي، وأنت في كل حال لا تسألين عالما تشريعه هو، وإنما تسألينه عن حكم الشريعة الإسلامية، وإنما هو وسيلة فقط توصلك إلى معرفة هذه الأحكام، فليس هو المشرع حتى يكون هو المعبود ونتخذه ربا من دون الله تعالى.

نسأل الله بأسمائه وصفاته أن يزيدك هدى وصلاحا وتوفيقا.

مواد ذات صلة

الاستشارات