السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة أبلغ من العمر ثلاثة وعشرين عاما، وأنا -والحمد لله- على قدر من التدين والجمال والعلم، وقد خطبت لشاب مهذب وطيب الأخلاق بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فهو طيب القلب، وخجول جدا، وكريم، ولكنه غير منتظم في صلاته، وعندما تحدثنا بعد الرؤية الشرعية وسألته هل يصلي أم لا، كان صريحا معي وأخبرني بأنه يقطع في الصلاة.
وصراحة، طوال فترة الخطبة وهو صريح معي ولم يحاول الكذب أو التجمل، وقد أخبرني بأنه سوف ينتظم في صلاته، وأنه يريد هذا فعلا، وقد سألته بعدها مرارا عن حاله مع الصلاة وشجعته عليها، فكان يقول لي إنه بدأ ينتظم عليها، ثم بعد ذلك بدأ يتكاسل مرة أخرى، ولكنه في كل الأحوال يتقبل كلامي ونصحي بصدر رحب.
ومرة قال لي إن كلامي قد أثر فيه، وهو -على الرغم من عدم انتظامه في صلاته- إلا أنه عندما أراد أن نتواصل على الواتساب في فترة الخطبة رفضت أن يكون بيننا أي تواصل إلا في حدود الضرورة، فحاول معي بلطف أكثر من مرة، ولكن عندما وجدني مصرة، قال لي: إنه موافق، وأنه بالرغم من اختلافه معي في الرأي حول موضوع التواصل إلا أنه سعيد؛ لأنني حريصة على الابتعاد عن أي شيء أشك في أنه سوف يغضب الله -عز وجل-.
وبالفعل، ساعدني في الالتزام بضوابط الخطبة قدر استطاعتنا، ونحن الآن مخطوبان منذ سنة، وخلال هذه السنة لا نتواصل إلا للضرورة فقط، وهو في الحقيقة شاب أمين جدا علي، ومتمسك بي، ولكنه حتى الآن غير منتظم في صلاته، ولكني أحاول معه، وهو لم يظهر أي ضجر أو ملل من محاولاتي، وقد اقترب موعد زواجنا، فمن المفترض أن نتزوج في شهر يناير القادم.
أنا في حيرة كبيرة من أمري؛ فإن لم ينتظم على صلاته قبل موعد الزواج، هل أتزوجه وأحاول معه وأشجعه بعد الزواج، أم أنفصل عنه قبل الزواج؟
آسفة على الإطالة، ولكن هذا الأمر يؤرقني كثيرا!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
ابنتنا الكريمة، نشكر لك تواصلك وثقتك بنا في إسلام ويب، وجوابا لك على السؤال تكون الإجابة كالآتي:
أولا: الحمد لله على الصفات الطيبة فيكما أنت وخطيبك، فقد ذكرت أنك على ديانة وعلى علم، وذكرت أنه شاب مهذب الأخلاق، خجول، وكريم، وهذه صفات تؤهلكما للحياة الزوجية السعيدة، وقد أحسنت أيضا في عدم التواصل معه في فترة الخطبة، فهذا هو عين الصواب، وتواصلكما أحيانا لمصلحة الزواج لا بأس به شرعا، ما دام الكلام فقط في مصلحة الزواج، مع عدم الإكثار من التواصل؛ لكونه لا يزال أجنبيا عنك؛ لأن الخطبة مجرد وعد بالزواج.
ثانيا: بالنسبة لعدم انتظام خاطبك في الصلاة، هذه مشكلة وأنت ماضية في إصلاحها بالنصيحة والتوجيه الحسن للمحافظة على الصلاة، وهو يظهر أن له قابلية لتقبل نصحك، وحرصه عليك لتكوني زوجة المستقبل، وبالتالي، مع تقبله للنصيحة، وعدم التضجر من تكرار النصيحة فيما يخص الصلاة – لا كحال بعض الناس في غضبهم لمجرد النصيحة في الصلاة– ومن أجل هذا كله، فجوابا على السؤال الأساسي في الرسالة في أنه قد اقترب موعد الزواج، وأنك في حيرة من أمرك: هل تقدمين على الزواج والارتباط به مع عدم انتظامه في الصلاة رغم النصيحة والتوجيه، أم الانفصال عنه قبل الزواج؟
الجواب الذي أراه -والله أعلم- هو أن تقدمي على الزواج والارتباط بهذا الشاب، وإن لم يكن منتظما في الصلاة.
فالصفات الجيدة فيه من كونه شابا مهذبا، وطيب الأخلاق، وطيب القلب، خجولا جدا، وكريما، وكونك تحبين الارتباط به والزواج، بالإضافة إلى ما عندك من صفات حسنة ومميزات، سيكون سببا في حبه لك، وسيجعله يتمسك بك، وبالتالي سيتقبل النصح الخاص بالصلاة، وهو ليس قاطعا للصلاة، وإنما لا ينتظم فيها، فلعل وعسى أن يهتدي على يديك، فتكوني نعم الزوجة المثالية التي تدل زوجها على الخير وتحثه على الطاعة، وغالبا ما يتعقل الرجل بعد الزواج، فحاولي بعد الزواج السفر للعمرة إلى بيت الله الحرام، ومسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لعل هذه الرحلة أن تكون مؤثرة وسببا في انتظامه وحبه للصلاة، مع الدعاء له بالخير والمحافظة على الصلاة.
ثالثا: حاولي أن تبيني له عظم قدر الصلاة؛ فالصلاة لها منزلة عظيمة في الإسلام لا تعادلها منزلة أي عبادة أخرى، فالصلاة صلة بين العبد وربه، والصلاة عماد الدين الذي لا يقوم الدين إلا به، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله)، وهي أول ما أوجبه الله تعالى من العبادات، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، كما جاء في حديث عبد الله بن قرط -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله)، وهي آخر وصية وصى بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال عليه الصلاة والسلام: (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم).
وقد حذرنا القرآن الكريم من الانشغال عن الصلاة وتأخيرها، فقال تعالى: (فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون) [سورة الماعون]، أي يؤخرونها عن أوقاتها؛ لأن الصلاة لها وقت محدد، كما قال تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) [النساء: 103]، وحذرنا القرآن الكريم أيضا من إضاعة الصلاة، فقال تعالى: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا) [مريم: 59]، وهكذا بيان قدر الصلاة حتى بعد الزواج؛ حتى يترسخ في قلبه حب الصلاة وتعظيمها والتعلق بها.
أسأل الله لكما التوفيق والسداد، وأن يجمع بينكما على الخير والسعادة في الدنيا والآخرة.