السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا عندما أريد أن أتأمل خلق الله سبحانه في أجسادنا -مثل اليد، والرجل، والدماغ وغيرها- يدهشني ذلك في كل لحظة أنظر إليها وأفكر فيها، لكن تنتابني وساوس تدفعني إلى تكرار التبريك في كل مرة؛ حتى لا أصاب بالعين في يدي أو غيرها، فأكرر ذلك كثيرا.
فما الذي علي أن أفعله، إذ إنني أعاني كثيرا لأقوم بهذه العبادة (التأمل في خلق الله)؟ وإذا أردت أن أتأمل، فما هي الخطوات الصحيحة التي علي اتباعها لكي لا أهلك نفسي بفرط التفكير والوساوس التي تراودني؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ س حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله -سبحانه وتعالى- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصرف عنك كل سوء ومكروه، وأن يذهب عنك شر هذه الوساوس، ويريحك من عنائها.
وقد أحسنت -ابنتنا الكريمة- حين توجهت بالسؤال إلى من يعينك ويساعدك على التخلص منها ويرشدك إلى كيفية التعامل معها، ونسأل الله أن يجعل في هذا الجواب عونا لك وتسهيلا لطريق التخلص من هذه الوسوسة.
نقول -أيتها البنت الكريمة-: إن الوسوسة مصدرها الشيطان في الغالب الأحيان، وهو حريص كل الحرص على كل ما يؤذي الإنسان المسلم، يسعى إلى صرفه عن العبادات والطاعات، فقد قال الرسول ﷺ: إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه كلها.
وهو حريص على أن يعيش المسلم في حالة من الحزن والكآبة والضيق، كما قال الله تعالى عنه في كتابه الكريم: {إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا}، وهو كما أخبر الله عنه في كتابه العزيز عدو متربص بهذا الإنسان، وقد أمرنا الله بأن نتخذه عدوا، فقال: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا}، وأخبرنا عن كيده ومكره، وأنه يرانا ونحن لا نراه، وهو متفرغ لأذيتنا بينما نحن منشغلون عنه بأمور أخرى.
ولهذا ينبغي للإنسان أن يكون حريصا على اتباع التعليمات الإلهية والتوجيهات الربانية، والإرشاد النبوي في كيفية التعامل معه ومع وساوسه، وهذه التعليمات تتلخص في ثلاثة أمور:
أولها: أن ندرك تمام الإدراك أن هذه الوساوس أفكار حقيرة تافهة، لا تستحق أن يهتم بها الإنسان، بل لا يجوز له أن يعتني بها ويعظم من شأنها، ويتعامل معها، فتحقيرها والتهوين من شأنها يسهل على الإنسان الإعراض عنها، وهذا هو العلاج الأكبر لها: الإعراض الكامل عنها، كما أرشد النبي ﷺ حين قال في شأن الموسوس: فليستعذ بالله ولينته.
فالمطلوب منك الانتهاء تماما عن التفكير فيما تمليه عليك هذه الوساوس، ما تفرضه عليك من أفكار، ما دمت تعلمين أنها من الشيطان، وأنها من عدوك بقصد إضرارك وجعلك حزينة كئيبة، فسيكون من السهل عليك -بإذن الله- أن تتجاوزيها وأن تهمليها، ويشجعك على ذلك أن تعلمي أن الله تعالى يحب منك هذا الإعراض عنها والتجاهل لها.
فهذا طريق الله، التجاهل لهذه الوساوس، والانتهاء عن الاسترسال معها.
الأمر الثاني: هو ما أرشد إليه النبي ﷺ في نفس هذا الحديث، وهو: اللجوء إلى الله تعالى، وطلب الحماية منه من شر هذه الوساوس، فأكثري دائما من الاستعاذة بالله كلما داهمتك هذه الوساوس ونزلت بك هذه الأفكار.
والأمر الثالث: هو الدوام والاستمرار على ذكر الله، فإن ذكر الله حصن يتحصن به المسلم.
ونحن على ثقة تامة أنك إذا صبرت على هذا الدواء، وجاهدت نفسك على الاستمرار عليه؛ فإنك ستتخلصين -بإذن الله- من هذه الوسوسة، ومع هذا ينبغي لك أن تعرضي أمرك على أهل الطب الذين يحسنون مداواة هذا النوع من الأمراض النفسية، فإن هذا أيضا من الأخذ بالأسباب، وقد قال الرسول ﷺ: ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء، فتداووا عباد الله.
وبخصوص الوسوسة في العين، ينبغي أن تدركي أن علاجها هو أن تعرضي عنها تماما، وتدركي أيضا أن العين لا تصيب إلا بإذن الله، وقد قال الرسول ﷺ في شأن العين: لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، فهي لا تسبق قدر الله، فقدر الله سابق، وقدر الله ماض لا محالة، ويكفي أن تقولي في الشيء الذي يعجبك مرة واحدة: اللهم بارك، وبعد ذلك لا تبالي بشيء.
اصبري على هذا السلوك، وداومي عليه، ولا تتركي شيئا من عباداتك من أجل هذه الوساوس، استمري على ما أنت عليه من ذكر الله تعالى، والتأمل في مصنوعات الله وفي خلقه ودقيق علمه، وليس التفكر في هذه الأشياء من الناحية الجمالية فقط، بل من حيث إحكام الصنعة والقدرة الكاملة، القدرة التامة على هذا الإبداع وعلى الخلق بما لا يقدر عليه أحد إلا الله، فجانب التأمل والتفكر في جوانب عديدة، ومنها جانب الجمال.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يصرف عنك كل سوء ومكروه.