السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لدي مشكلة كبيرة، وأريد منكم التحدث معي لأجد الحل: أنا لا أرتاح في الصلاة؛ أحاول جاهدة أن أركز، وألا أفكر في مواضيع متعددة، لكن دون جدوى، أحاول أن أتعوذ من الشيطان، وأتفل على يساري، لكنني أكرر ذلك مرارا وتكرارا في كل صلاة.
أعاني من وسوسة شديدة في أفكاري وأحاسيسي، فمثلا أشعر أنني أتبول بعض النقط -أعزكم الله- كلما فكرت أنني سأصلي، أو اقترب وقت الصلاة، مع العلم أنني لا أعاني من مرض سلس البول -بفضل الله-، لكنني أبقى متوترة بشكل يرهقني في كل وقت صلاة، فما الحل؟ أريد أن أخشع في صلاتي، وأرتاح في حياتي.
وأنا شخص سريع الغضب، وأعلم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- نهانا عن الغضب، أحاول جاهدة أن أتحكم في نفسي، لكن لا جدوى، وأبدأ بالشعور بألم في عروق رأسي عندما أغضب، أعلم أن الحلم بالتحلم، لكن كيف أتحلم؟ وما هي الخطوات التي علي اتباعها لأرتاح، خاصة أنني لا أستطيع الابتعاد عن ما يغضبني؟
أيضا أعاني من فرط التفكير، وأشعر أن نفسي هي أكثر من يسبب لي الألم، أفيدوني بدعاء يخفف مشكلتي، ثم بخطوات تساعدني على تقليل فرط التفكير، خصوصا التفكير السلبي.
المرجو أن تردوا في أقرب وقت، وأشكركم على مجهوداتكم القيمة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رهف حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان.
ما تفضلت به أمر متفهم تماما لدينا، وغالبا يحدث هذا أو بعضه، أو أكثر منه، لمن هم في سنك؛ لذا استعيني بالله واطمئني تماما، وانتبهي للنقاط التالية:
أولا: الوسواس في الطهارة والصلاة والخشوع.
1- جذور المشكلة: كيف يعمل الوسواس؟ الوسواس ليس مرضا في الإيمان، ولا دليلا على ضعف دينك مطلقا، الوسواس -في جذره العلمي- فكرة قهرية تتكرر في العقل بسبب خوف داخلي من الخطأ.
يبدأ الشيطان بنقطة صغيرة: هل خرج شيء؟ هل الوضوء صحيح؟ ثم يبدأ العقل بتصديق الفكرة قليلا قليلا حتى تتحول إلى عادة ذهنية! لكن الشرع وضع قاعدة عظيمة تقطع الوسواس من جذوره: قاعدة شرعية: "اليقين لا يزول بالشك"، قال ﷺ لمن هذا حاله: فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا أي: لا تترك الوضوء ولا الصلاة إلا بيقين قاطع لا لبس فيه، فما لم تتيقني يقينا جازما من خروج شيء - رؤية أو إحساسا حقيقيا- فطهارتك صحيحة، وهذا ليس رأيا نفسيا، بل حكم شرعي قطعي.
2- لماذا تشعرين بنقاط البول عند اقتراب الصلاة؟
هذه حالة اسمها في الطب النفسي:(الاستجابة الشرطية) أي أن دماغك ربط (الصلاة) بالخوف والقلق، فصار يعطي إشارة إحساس وهمي بخروج شيء، لكن، متى يزول هذا الإحساس؟ عندما لا تستجيبين له؛ لأن العقل يتعلم من ردود فعلك: إذا تجاهلت؛ تضعف الفكرة، وإذا راقبت وكررت؛ تقوى الفكرة! فالوسواس يتغذى على الاهتمام، ويذبل بالإهمال.
3) ما الذي يجب عليك فعله عمليا؟
الخطوة الأولى: تجاهل كامل بلا نقاش، فحين تأتي الفكرة: لا تفحصي ثيابك، لا تعيدي الوضوء، لا تتوقفي أثناء الصلاة، لا تلتفتي لأي شعور داخلي.
الخطوة الثانية: التعوذ مرة واحدة فقط، قال ﷺ عن الوسوسة: فليستعذ بالله ولينته واستعاذة واحدة تكفي، فالزيادة في التعوذ تساوي زيادة في الوسواس.
الخطوة الثالثة: الاجتهاد في استحضار الخشوع.
والخشوع: انكسار القلب بين يدي الله مع حضور الذهن، وسكون الجوارح، وتعظيم الرب في كل حركة، قال تعالى:﴿قد أفلح ٱلمؤمنون * ٱلذين هم في صلاتهم خاشعون﴾، ولاحظي أن الله جعل الفلاح مرتبطا بالخشوع، وليس بالسرعة، أو بطول الصلاة، واعلمي كذلك أن الله لا يكلفك أن تنزعي الوسواس دفعة واحدة، بل يكفي أن تجاهديه، قال تعالى: ﴿وٱلذين جاهدوا۟ فينا لنهدينهم سبلنا﴾.
ولكن كيف يتحقق الخشوع؟
- قبل الصلاة: بإعداد القلب.
1. الطهارة بطمأنينة، وأنت تتوضئين، استحضري قوله ﷺ:إذا توضأ العبد المسلم فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة….
2. قطع الانشغال قبل التكبير، لا تدخلي الصلاة مباشرة بعد عمل، أو هاتف، اجلسي دقيقة واحدة فقط، وخذي نفسا عميقا، وقولي:اللهم اجعل قلبي خاشعا.
3- استحضري كل الأقوال في الصلاة فـ الله أكبر تعني أن الله أعظم من كل ما أفكر فيه، وأكبر من همي ومخاوفي ودنياي.
وأثناء قراءة الفاتحة استحضري معناها، وقوله ﷺ عن رب العزة:قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: ٱلحمد لله رب ٱلعالمين، قال ٱلله: حمدني عبدي….
كذلك تدبري قراءة القرآن.
قولي كل آية وحدها، لا تدمجي الآيات.
الركوع والسجود هما من مواضع العبودية التي يجب الاطمئنان فيها قال ﷺ: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فاجعلي سجودك أطول بقليل، وأكثري من الدعاء في السجود يفتح باب الخشوع بقوة.
واحذري من معوقات الخشوع، وهي:
- التفكير أثناء الصلاة، اعلمي أن الشيطان سيبدأ بالوسوسة فورا، والعلاج: التجاهل التام، لا تحاوري الفكرة، بل قولي مرة واحدة:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم عودي للآية مباشرة.
- من مشكلات الصلاة العجلة، الصلاة السريعة تمنع الخشوع أكثر من أي شيء، والمطلوب: التمهل لا الإطالة.
ثانيا: الغضب وسرعة الانفعال:
1. فهم الغضب على حقيقته: الغضب ليس شرا كله، بل طاقة في النفس، فإذا ضبطت صارت قوة، وإذا انفلتت صارت أذى، والنبي ﷺ قال للرجل: لا تغضب أي: لا تستسلم للغضب ولا تنفذ ما يدعوك إليه.
2. لماذا تغضبين بسرعة؟ لأسباب نفسية طبيعية: الحساسية العالية، ضغوط الحياة، التفكير الزائد، الرغبة في السيطرة على الظروف، ضعف النوم أو الإرهاق، هذه ليست عيوبا، بل طبائع بشرية يمكن تهذيبها.
وهذه بعض النصائح للتغلب على الغضب، ونبدأ بالوقاية:
- لا تتخذي قرارات حين تكونين مرهقة.
- اجعلي نومك وصحتك أولوية.
- حافظي على أذكارك وقولي في الصباح: اللهم إني أسألك نفسا مطمئنة.
3. عند أول شرارة غضب:
- الاستعاذة.
- الوضوء.
-غيري وضعيتك كما قال ﷺ:فإن غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، هذا التغيير الجسدي هام جدا.
4. بعد الغضب: اكتبي في ورقة: ماذا أغضبني؟ وكيف سأرد المرة القادمة؟ هذه الكتابة تغير سلوك الدماغ تدريجيا.
ثالثا: فرط التفكير والتفكير السلبي: فرط التفكير ليس كثرة التفكير، بل انتقال العقل بين فكرة سلبية وأخرى دون توقف، وهو شائع عند أصحاب القلوب الحساسة والضمائر الحية، لكن الله لا يريدك في دوامة الألم، قال تعالى: ﴿ما يفعل ٱلله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم﴾.
- ما الذي يزيد فرط التفكير؟
الوحدة، وكثرة الجلوس دون عمل، والقلق من المستقبل، وضعف الثقة بالنفس، والرغبة في الكمال.
إذا ما انتبهت لذلك، واجتهدت في إزالة الأسباب، وداومت على تلك النصائح مع الصبر، والابتعاد عن الفراغ، والصحبة الصالحة؛ فإن ذلك الوسواس سيكون من الماضي -بإذن الله-، وهذا الغضب سيكون متحكما فيه.
نسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك، والله الموفق.