السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بدأت مشكلتي منذ اليوم الذي وقعت فيه في ذنب، ثم تبت وبكيت واستغفرت الله، لكنني في اليوم التالي واجهت مشكلة كبيرة، واستمرت آثارها أسابيع، فأحسست أن ما حدث كان عقوبة.
أصبحت بعدها أشعر أن توبتي لا تنفع في دفع العقوبة الدنيوية، وصرت كلما أذنبت -رغم أنني أتوب وأتبع الذنب بالعمل الصالح- أحس بخوف شديد من أن تنزل بي مصيبة تدوم لأشهر أو سنوات، فأكون في قلق دائم أياما، وأتوقف عن الدراسة وكل شيء، لأنني أشعر أنني لا أستحق الدنيا، وأنني سأعاقب على أي حال، كما أحس أنني لن أحقق أهدافي وسأبقى في دوامة من الاكتئاب.
فهل ما أفعله صحيح، أم هو وسوسة؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منة .. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نسأل الله تعالى أن يطمئن قلبك ويشرح صدرك، وأن يصرف عنك كل خوف وقلق.
وأحب أن أبدأ بالقول: بأن ما تشعرين به لا يدل أبدا على سوء حالك مع الله، بل هو في الغالب نوع من الوساوس والخواطر النفسية، التي تضخم الأحداث وتربط بينها بغير دليل.
أنت تذكرين أنك وقعت في ذنب ثم تبت وبكيت واستغفرت، وهذا بحد ذاته علامة خير، فالله سبحانه قد وعد بقبول التوبة الصادقة، قال عز وجل: ﴿وهو الذي يقبل التوبة عن عباده﴾، والتوبة تمحو الذنب، ولا يلزم بعدها أن يبتلى الإنسان بعقوبة دنيوية، بل قد تقع بعض الأحداث في حياتنا لحكمة يعلمها الله، وقد تكون ابتلاء يرفع الدرجات، أو يمنح الإنسان خبرة ومعرفة، ولا ضرورة لربطها بالذنب الذي وقع منك، فليس كل مصيبة أو مشكلة تحدث في الحياة هي عقوبة، ولا كل شدة دليل غضب من الله.
ما حدث معك أنك ربطت بين الذنب وبين المشكلة التي جاءت بعده، وهذا الربط هو الذي ولد الخوف بداخلك، ثم صار يتكرر كلما وقعت في خطأ صغير رغم توبتك، وهذا نمط معروف من التفكير الوسواسي، يجعل الإنسان يتوقع الأسوأ ويعيش في قلق مستمر، حتى يخشى المستقبل ويظن أنه لا يستحق النجاح أو الخير، وهذا الإحساس بأن "مصيبة ستنزل بك"، أو أن "التوبة لن تمنع العقوبة الدنيوية" هو إحساس غير صحيح، بل هو من مداخل الشيطان ليحزنك ويثنيك عن الطاعة، ويعرقل مسيرتك الدراسية وحياتك اليومية.
والحق أن الله تعالى أرحم بك من نفسك، ولا يريد لك أن تعيشي تحت هذا الخوف، ولا يعامل عباده بهذه الطريقة التي تتخيلينها، فالابتلاء سنة من سنن الحياة، يأتي للصالحين وغيرهم، وليس علامة حكم على توبتك أو قيمتك عند الله، والإنسان المؤمن يقبل على الحياة ويعمل ويتعلم ويتقدم، ولا يترك مستقبله بسبب فكرة عابرة لا دليل عليها.
لذلك ننصحك أن تتعاملي مع هذه المخاوف بوصفها أفكارا وسواسية، لا حقيقة لها، وأن تغلقي باب الربط بين الذنب وبين البلاء.
استمري في التوبة والاستغفار من غير أن تنتظري شعورا معينا أو علامة معينة، واشتغلي بدراستك وأهدافك، فالتوقف يزيد القلق، بينما الانشغال بالعمل يعيد للنفس توازنها، ومن المفيد أن تكرري عند دخول الفكرة: هذه مجرد وسوسة، لا دليل عليها.
احرصي كذلك على الأذكار، وقراءة شيء من القرآن يوميا؛ فذلك يبعث في القلب طمأنينة، ويقطع على الوسواس طريقه، وإن وجدت أن القلق يتكرر في مواقف أخرى ويؤثر على نومك أو دراستك بشكل متواصل، فقد يفيد التواصل مع مختصة نفسية، تساعدك على تعلم مهارات إدارة القلق وتعديل الأفكار، وهي وسائل مباحة ونافعة.
أطمئنك مرة أخرى: ما تشعرين به ليس عقوبة، ولا غضبا من الله، بل هو خوف زائد ناتج عن طريقة تفكير، تحتاج إلى بعض التصحيح والطمأنينة، وأنت فتاة صغيرة في عمر الزهور، أمامك مستقبل زاهر -بإذن الله-، فلا تسمحي للوسواس أن يضيق عليك حياتك.
نسأل الله أن يملأ قلبك راحة، وأن يكتب لك السكينة والتوفيق.