السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ترددت كثيرا في كتابة هذا السؤال؛ لأنني أخاف الحديث مع أي شخص حول هذا الموضوع.
عمري يقارب الثلاثين، والحمد لله الذي أنعم علي بعمل جيد أكتسب منه، وأنا محبوب من الناس بسبب احترامي ومعاملتي، ونعم الله علي كثيرة، ولكن هناك مشاكل كثيرة.
ذهبت لرؤية شرعية لما يقارب ثلاثين فتاة، ورغم موافقتهن جميعا فقد رأيت الاعتذار مناسبا لأسباب مختلفة، ومع اختلاف هذه الأسباب يبقى هناك سبب مشترك يتكرر عندي دائما: أشعر أن الفتاة جيدة، وتستحق شابا أفضل مني، وأنها تحلم بزوج صالح على قدر من الاستقامة، بينما أرى نفسي أقل مما تستحقه.
لماذا أشعر بذلك؟ لأنني مبتلى بعدة أمور:
أولا: ابتلاء محادثة الفتيات؛ إذ أجد نفسي مدفوعا دائما لمحادثتهن عبر الإنترنت، وإن كنت -والحمد لله- لا أقابل أحدا ولا أتحدث عبر الهاتف.
ثانيا: إدمان الهاتف المحمول ومقاطع الريلز ووسائل التواصل؛ حتى أثر ذلك في تركيزي وانتباهي، فأصبحت أتلعثم، وأعجز أحيانا عن النقاش، بل وصل الأمر إلى صعوبة إجراء أبسط العمليات الحسابية.
ثالثا: إن جزءا من تعلقي بالهاتف مرتبط بعملي التطوعي؛ فبعد تخرجي أنشأت مجموعات على (تيليغرام) و(واتساب) لنشر فرص العمل في مجالي، مساعدة للناس دون مقابل، رغبة في الخير، واقتداء بحديث النبي ﷺ في قضاء حوائج الناس.
وفي فترة وجيزة قاربت السنتين، أصبحت المجموعة أكبر منصة للوظائف في مجالي، واقترب عدد أعضائها من ثلاثين ألف عضو.
فما العيب إذن؟ ظاهر الأمر أنه نجاح وإنجاز، لكن المشكلة أن التواصل داخل المجموعة بدأ يأخذ منحى آخر؛ إذ أصبحت الفتيات يراسلنني للاستفسار عن أمور مختلفة، وكثيرا ما تنشر فيها أمور غير منضبطة شرعا، كعرض الصور الشخصية، ومع الوقت تطور الأمر حتى بت أنا نفسي أبحث في الرسائل، وأبادر بالسؤال: "هل تحتاجين شيئا؟"... إلى آخره.
فكرت كثيرا في إلغاء المجموعة، ثم تراجعت؛ لأن فيها عددا كبيرا يستفيد منها، وفكرت أيضا في ترك إدارتها لشخص آخر، لكني خشيت أن يستغلها ماديا؛ فقد طلب مني ذلك سابقا، ورفضت لأنني أردت أن تظل المجموعة مجانية تماما.
أعلم أن ما أعانيه سببه البعد عن الله، وأدرك أن الزواج ليس الحل السحري، لكنني أقول لنفسي: "ربما بعد الزواج يتحسن حالي ..."، ومع ذلك أخشى أن أبقى أسير هذا الإدمان فأظلم زوجتي.
لقد تعبت فعلا، ولا أريد أن أعصي الله، خاصة بعدما أغدق علي من نعمه، وأخشى أن تزول بسبب ذنوبي.
أنا أعرف طريق الرجوع إلى الله، وأعرف ما يجب علي فعله، لكني لا أقدر، وأعلم أن إدمان الهاتف أصل مشكلاتي، ومع ذلك لا أستطيع تركه، وأعلم أن الحديث مع الفتيات باب فتنة.
أتمنى لو أستطيع التواصل مع أحد المشايخ، فأنا حقا أريد أن أستعيد حياتي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحسن عرض السؤال، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يردك إلى الحق ردا جميلا.
وقد أسعدتنا عبارتك: "لكني أريد حياتي"، أو "لأني أريد حياتي"، ونتمنى أن تصدق في هذا، فإن الحياة الفعلية هي في طاعة رب البرية، والذي يوقع نفسه في المعصية ما أحب حياته ولا أحب نفسه، قال ابن الجوزي رحمه الله: "نفسك غالية فلا تبذلها إلا لله تبارك وتعالى، وإلا فيما يرضي الله تبارك وتعالى".
وعليه نحن نبدأ معك بآخر كلماتك التي ذكرتها في هذا السؤال، ثم ننبه إلى أن فعل الخير الذي قمت به لا شك أن فيه ثوابا عظيما، ولكن إذا ترتب على ذلك بعض الإشكالات، فالإنسان لا بد أن ينجو بنفسه؛ لأن الناس لا ينفعون الإنسان عندما يقف بين يدي رب الناس، ﴿وكلهم آتيه يوم القيامة فردا﴾ [مريم:95].
ثالثا: الزواج من أهم ما يعينك على بلوغ العافية، فإن الإنسان إذا وجد الحلال كان في ذلك غنية عن الحرام، ورغم أن الأمر عندك مجرد محادثات وتواصل عبر هذه الشبكة العنكبوتية، إلا أن هذا في حد ذاته لا يقبل من الناحية الشرعية طالما كانت الضوابط غير موجودة، والتبرج حاصل، والزيادة في الكلام موجودة.
ولذلك نتمنى أن تجتهد، ونحن نعتقد أن حسن اختيارك للفتاة التقية التي تعينك على طاعة رب البرية، وتقف إلى جوارك، وتساعدك على تجاوز هذه الصعاب، وهو محطة رئيسة في طريق الإصلاح والعودة إلى الله تبارك وتعالى.
أيضا مسألة الجوال والتعامل معه لا بد أن تقنن، فالإنسان لا بد أن يدرك أن هناك واجبات، ومهاما عظيمة، وأكبر مهمة هي التي خلقنا لأجلها: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ [الذاريات:56]. والجوال بلا شك يشغلك عن كثير من الطاعات، بل ربما يشغلك -حسب ما فهمنا من كلامك- حتى عن بعض الواجبات.
ولذلك أرجو أن تساعد نفسك أولا، ثم بعد ذلك تسعى في مساعدة الآخرين، وإذا وجدت الفتاة الصالحة وتزوجت، وأردت أن تستمر في المساعدة، فيمكن أن تتولى هي الكلام مع البنات، وأنت تساعد إخوانك من الرجال، ليستمر هذا الخير.
ونحب أن نؤكد أيضا ونشير إلى خطورة أن يخطب الإنسان ثم يترك؛ فإن بنات الناس ليست لعبة، والإنسان إذا تردد بهذه الطريقة فإنه سيأتي اليوم الذي لن يجد فيه من يفتح له الباب، ولن يجد من يقبل به، فنسأل الله أن يعينك على تجاوز هذه الصعاب.
وإذا كان ولا بد من إلغاء هذا القروب، وترك هذا البرنامج، فإن هذا أيضا حل يمكن أن تصل إليه، ولكن نتمنى أن تكون الخطوة الأولى التصحيحية أن تجتهد في أن تجد الفتاة الصالحة التي تعينك على طاعة الله -تبارك وتعالى-، وتستأنف حياتك بطريقة صحيحة، وبعد ذلك تفكر في بقية الأمور الأخرى، كمسألة مساعدة الناس أو غير ذلك؛ لأن الإنسان يبدأ بمساعدة نفسه أولا.
وأيضا ندعوك إلى أن تتوب إلى الله -تبارك وتعالى-، وتتوقف عن هذه التجاوزات الحاصلة، والتي تعرفها ويعرفها كل أحد؛ لأن الإنسان ينبغي أن يخاف من شؤم المعصية لما لها من آثار وثمار مرة.
نسأل الله أن يردنا جميعا إليه ردا جميلا، وأن يتوب علينا لنتوب.