السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا محافظة على الصلوات، والقيام، والورد القرآني، وأعطي دروس القرآن، ولكن يراودني دائما الشعور بالذنب من الذنوب السابقة، مع أني أستغفر كثيرا، ويراودني أن أقتل غيري، كابني الرضيع، مع أني أحبه جدا، ولا أحتمل أي شيء عليه، وفي كل مرة تراودني هذه الأفكار: من انتحار، أو قتل الغير، وأستعيذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأني متأكدة أنها منه.
ولكن هذا الوسواس لا ييأس أبدا، وأرى نفسي متعبة جدا من كثرته، وأحاول أن أذكر الله كثيرا، ولكن ما زال الوسواس مستمرا.
أفيدوني جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Mona حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
المعلمة الفاضلة: نشكر لك تواصلك، وثقتك بنا إسلام ويب، وجوابا لك على السؤال تكون الإجابة كالتالي:
أولا: عليك بحمد الله كثيرا على هذه الصفات الطيبة: من كونك محافظة على الصلوات، وقيام الليل، والورد القرآني، وأنك مدرسة لأعظم كتاب وهو القرآن الكريم، وكما لا يخفى عليك -أيتها المعلمة الفاضلة- أن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته، كما ورد ذلك عن نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
ثانيا: أما ما تعانينه من هذه الأفكار السيئة -مثلما ذكرت- أنها تراودك، من تفكير في قتل ولدك الرضيع، أو قتل غيره، أو الانتحار؛ فقبل الإجابة عن هذه الفقرة، أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يمن عليك بالشفاء العاجل من هذه الوساوس الشيطانية، وأن يشرح صدرك، وينور قلبك، ويرزقك الراحة والطمأنينة، واعلمي أن هذه الوساوس مرض يعترض الإنسان، والشيطان حريص كل الحرص على إلحاق الأذى بالإنسان، والمؤمن بالذات، فيدخل عليك هذه الأفكار حتى يسلب منك السعادة والطمأنينة التي تعيشينها مع القرآن الكريم.
ولكن لا تقلقي؛ فهذه الوساوس مرفوعة إثمها عنك، لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ حيث يقول: "إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به". متفق عليه. فالحديث يدل على أن الوساوس، وحديث النفس الذي يهجم على قلب الإنسان بغير اختياره أنه معفو عنه، وحتى تلك الوسوسة الكفرية التي يلقيها الشيطان في قلب الإنسان قد ورد فيها حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- جاء رجل إلى النبي -صلى الله وسلم-، فقال يا رسول الله: "إن أحدنا يجد في نفسه -يعرض بالشيء- لأن يكون حممة، أحب من أن يتكلم به، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة". رواه أحمد. ومعنى الحديث: أي لا تلتفتوا إلى هذا الشيء الذي يزعجكم ويقلقكم.
ثالثا: من أجل التغلب على هذه الوساوس عليك بالآتي:
1- التوجه إلى الله تعالى بصدق وإخلاص في النية بأن يذهب الله عنك مرض الوسواس.
2- الإكثار من قراءة القرآن، والمحافظة على الذكر، لا سيما مع أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم، والاستيقاظ، وغيرها من الأذكار في اليوم والليلة.
3- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، ومدافعة هذه الوساوس، وعدم الاسترسال فيها، والانتهاء عن هذه الأفكار وقت ورودها، لما جاء في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يأتي أحدكم الشيطان فيقول من خلق كذا وكذا، حتى يقول له من خلق ربك، فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته" متفق عليه. فأرشدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن من يبتلى بهذه الوساوس فعليه بالإعراض عنها، وعدم الاسترسال فيها، ومن جميل ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في هذا الباب: "الوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله تعالى بذكر، أو غيره، فينبغي للعبد أن يثبت، ويصبر على ما هو فيه من الذكر، والصلاة، فعند ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان، إن كيد الشيطان كان ضعيفا".
رابعا: أما شعورك من الذنوب السابقة؛ فهذا يشترك فيه الجميع، وكما في الحديث، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" أخرجه الترمذي. وما دمت في استغفار من تلك الذنوب السابقة، فأبشري بالخير، وعلينا جميعا أن نجدد التوبة إلى تعالى؛ فإنه غفور رحيم.
وفي الأخير: إذا وجدت نفسك متعبة جدا ولم تستطيعي معالجة نفسك؛ فيمكنك مراجعة طبيبة نفسية؛ فكما تعلمين الوساوس مرض من الأمراض، ولها علاج نافع بإذن الله تعالى عند المختصين من الأطباء النفسيين، والله أمرنا بالتداوي.
أسأل الله أن يذهب عنك الشيطان ووسوسته، وينفع بك من تتعلم القرآن على يديك، اللهم آمين.