السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
زوجتي نشأت في بيت فيه عنف أسري، جسدي ولفظي، وعاشت طفولة قاسية جدا؛ وهذا ما جعلها تصبح عنيفة وعدائية، تقطع ثيابها، تكسر الأشياء، تسب، وتهدد بأنها سوف تفعل كذا وكذا، وحين أحاورها تقول: إن السبب هو ما عاشته في الماضي.
تعاركت معي، ضربتني، وسبتني، وحين يشتد غضبها تفعل أي شيء، ربما تحمل ابنتنا في منتصف الليل وتخرج إلى وجهة غير معلومة، كما تعاركت مع عائلتي، مع زوجة أخي، ومع خالتها، وحتى مع الطبيبة التي قامت بتوليدها.
آخذها عند أمها لزيارتها، فتمكث أياما ثم تتصل بي لأخذها لأن أمها طردتها من البيت، والحقيقة أن أمها تقول لها كلاما سيئا جدا؛ تسبها، تقول لها: "أنت غير صالحة، وتشبهين أباك، ولا أستحقك في بيتي"، وتعايرها بأقبح الكلام، عندها عرفت سبب مرض زوجتي، لما رأيت هذا بعيني.
كنت من قبل أفكر في طلاق زوجتي، ولكن لما رأيت عنف أمها معها، أيقنت أنني لا أستطيع إرجاعها لأمها؛ لأنها سوف تضر بها وبابنتي الوحيدة، زوجتي تقول لي: إن سبب حالها هذه هو ما ذكرت لكم، وكذلك عندما أصبحت في الشهر الرابع من الحمل، قالت لي: إن مرضها وقلقها زادا بسبب الحمل، وأصبحت تغضب من أبسط الأمور، وأصبحت حياتنا جحيما.
أفكر في تطليقها، لكنني أعرف أنه ليس هناك مكان تذهب إليه، وأنا الآن ما تبقى لها، أمسكتها عندي، لكنني تضررت كثيرا نفسيا بالخوف والقلق والهلع، عندها أعراض كثيرة تبين أنها مريضة نفسيا أو عصبيا، والله لم أعد أعرف ما أفعل معها.
أحيانا أقول: إنها مريضة ويجب الصبر عليها، ولكن مضت ثلاث سنوات، أحيانا أريد تطليقها، لكنني أخاف أن أظلمها، الآن هي منذ سنة لا تكلم عائلتي، وهم يقولون: "لا ترجع عندنا حتى تشفى مما فيه، وحتى تترك الصراخ والعدائية" ضعفت في ديني بسببها، وتغيرت نفسيتي إلى الأسوأ، ودائما أقول: ربما اليوم تتغير، ولكن لا حياة لمن تنادي.
أقول لها: إن ما تفعلينه أمام ابنتك سوف يؤثر عليها كما أثر عليك تعامل والديك، فتقول لي: "أعلم، ولا أريد هذا الشيء"، لكنها تعود إلى أفعالها، والله إنني بين المطرقة والسندان، لم أعد أعرف ما أفعل معها.
وهناك شيء عجيب فيها: إذا غضبت من شيء ما وجادلتها فيه، فسوف يعظم غضبها جدا حتى وإن كان تافها، وكأنه مسألة موت أو حياة، لا أعرف ما نوع المرض النفسي الذي تعاني منه، وبعض الظروف المادية جعلتني لا آخذها إلى الطبيب.
ما توجيهكم لي، وما هي نصيحتكم في التعامل مع زوجتي في ظل هذه الظروف الصعبة؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو جويرية .. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أيها الأخ الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحسن العرض للسؤال، ونخبرك بأنه قد أسعدنا صبرك على هذه الزوجة، كما أزعجنا الحال الذي هي فيه، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يعينك على الصبر.
لا شك أن الخيارات أمامك صعبة، وهي خيارات كما قيل: أحلاها مر، ولكن بالصبر والاحتساب يستطيع الإنسان أن يتجاوز كثيرا من الصعاب.
أرجو أن تزيدوا ارتباطكم بالله -تبارك وتعالى- وأكثروا من اللجوء إليه، وتلاوة كتابه، والمحافظة على الأذكار، وقراءة الرقية الشرعية، والصلاة على النبي ﷺ، والإكثار من الاستغفار؛ فإن في هذه الأذكار جلبا للسكينة وجلب للطمأنينة، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.
أيضا أسعدنا حرصك على أنك لا تريد أن تذهب بها إلى المكان الذي كان سببا في مرضها، بعد أن شاهدت القسوة في تعامل الوالدة معها، وأنت تحاول أن تمسكها لاعتبارين: لأنه لا مكان لها، ولأنك تخاف عليها، وأيضا لأنك تخاف على ابنتك وعلى مصيرها في حالة خروج هذه الزوجة، أو في حالة خروجها من حياتك؛ لذلك نحن ندعوك إلى مزيد من الصبر والاحتمال، ونسأل الله أن يعينك على تجاوز هذه الصعاب.
كما نحب أن ننبه إلى أن استحضار الأجر والثواب من الله -تبارك وتعالى- مما يخفف عن الإنسان كثيرا من الصعوبات التي تواجهه في هذه الحياة، فتسلح بالصبر، واعلم أن الأجر للصابرين، وهذا ابتلاء من الله -تبارك وتعالى- أرجو أن يكون فيه الرفعة للدرجات.
ومن المهم جدا -كما قلنا- ربطها بالله تبارك وتعالى، ورصد المسائل التي تغضبها وتثير عندها هذه العصبية والحالة التي أشرت إليها، فبلا شك بعد هذه السنوات أنت تستطيع أن تضع قائمة بالأمور التي يزداد فيها غضبها وتوترها.
ننصحك بالذهاب بها إلى أطباء نفسيين مختصين، ونسأل الله أن يعينك على تجاوز الأزمة المالية، وسوف نعرض الاستشارة على الطبيب النفسي في موقعنا؛ ليفيدك في حالة زوجتك -شفاها الله وعافاها-، ونكرر الترحيب بك في الموقع، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يجعلنا وإياكم ممن إذا ابتلوا صبروا، وإذا أعطوا شكروا، وإذا أذنبوا استغفروا، وأن يلهمكم السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.
___________________
انتهت إجابة د. أحمد الفرجابي استشاري الشؤون الأسرية والتربوية، وتليها إجابة د. محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
_________________
نشكر لك أخي ثقتك في إسلام ويب، ونشكرك أيضا على هذا السرد الوافي والواضح بذاته، ومن خلال ما ذكرته أستطيع أن أقول:
هنالك ملامح أساسية من المنظور النفسي تتسم بها حالة زوجتك، وهي أنها في الغالب تعاني من اضطراب في الشخصية، شخصيتها هي من نوع ما يعرف بالشخصية الحدية، سريعة الغضب، لا تستطيع أن تبني علاقات إيجابية، لا تعبأ بما تقوم به، وبجانب اضطراب الشخصية يظهر أن لديها أيضا اضطرابا مزاجيا من الدرجة الثانية، وهي غير مرتاحة، ولا شك في ذلك.
أخي: هذه الاحتمالية التشخيصية، لا يمكن تأكيدها إلا بعد أن تتم مقابلة طبيب نفسي مختص ومن ذوي الخبرة، فالذهاب بها إلى الطبيب النفسي مهم جدا؛ لأن الطب النفسي الآن فيه آليات وطرق للعلاج، وتوجد أدوية فاعلة جدا تساعد كثيرا في مثل هذه الحالات، فعلى سبيل المثال: إذا تناولت زوجتك الكريمة أحد مضادات الاكتئاب، مع جرعة صغيرة إلى متوسطة من مضادات الذهان؛ قطعا سوف تتحسن كثيرا، وسوف تتخلص من هذا الغضب بدرجة كبيرة.
أنا أرى أن العلاج في حالتها واجب، وطبعا علاجها وتحسن حالتها سوف يساعدك كثيرا في أن يستمر هذا الزواج، وكما ذكر لك الشيخ الدكتور أحمد الفرجابي، عليك بالمزيد من الصبر والإحسان إليها، والحرص على ابنتك، وسوف تتغير الأمور إن شاء الله تعالى بصفة إيجابية جدا.
نصيحتي لك هي أن تذهب بها إلى الطبيب، وأقل ما يمكن فعله بواسطة الطبيب هو إعطاؤها أدوية، دواء أو دواءان من الأدوية المعروفة سوف تساعدها كثيرا، ولا شك في ذلك أبدا، هذا أقل ما يمكن أن نقدمه إلى هذه السيدة.
أما بالنسبة للعلاجات النفسية الكلامية والمعرفية؛ فهذه قد تكون مكلفة بعض الشيء، وقد لا يكون هنالك حاجة كبيرة لها، المهم هو أن تتناول دواء أو دوائين من الأدوية التي تجعلها أكثر هدوءا، وأكثر قبولا، وهي في نفسها طبعا متألمة، ولا شك في ذلك -أخي الكريم- لا تعتقد أنها مرتاحة، هذه الانفعالات والطاقات النفسية السلبية تسبب لها الكثير من الإشكالات.
وطبعا هنالك بعض العلاجات اليومية البسيطة، مثلا: لو مارست أي نوع من الرياضة كرياضة المشي، فالرياضة أيضا تمتص الغضب بدرجة كبيرة، وكذلك تطبيق تمارين الاسترخاء، مثل: تمارين التنفس التدريجي، وتوجد برامج كثيرة جدا على اليوتيوب، توضح كيفية ممارسة تمارين الاسترخاء، فالعلاج العلاج، هذه السيدة يمكن أن تتعالج وبدرجة كبيرة جدا.
بالنسبة لظروفها التربوية ونشأتها، نحن لا نقلل من هذا أبدا، لكن الذي نؤمن به هو قوة الآن، الحاضر -يا أخي- أقوى، من خلال الحاضر يستطيع الإنسان أن يعيد تأديب نفسه وتربيتها، والتصرف بإيجابية.
يجب ألا يكون اعتمادنا أو تفسيراتنا دائما أن هذا الشخص قد تربى في بيئة سيئة، لذا لا يمكن أن نصلحه، القول الذي يقول إن المرضى النفسيين يأتون من أسر مريضة ليس صحيحا، فهنالك الكثير ممن تغيروا؛ لأنهم اعتمدوا على قوة الحاضر، اعتمدوا على مهاراتهم، صمموا وقرروا أن يفتحوا صفحة جديدة في الحياة، وهذا أمر متاح لزوجتك.
هذا هو الذي أنصحك به، وخذ بما ذكره لك الشيخ الدكتور أحمد الفرجابي أيضا، ونسأل الله تعالى التوفيق والسداد للجميع.