ما سبب ميلي لشخص لا أعرفه؟!

0 0

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أعيش في بيئة ليست على قدر كبير من الالتزام؛ معروفة بالاختلاط بين العائلة بحجة "الأقارب"، فتنتشر بعض الأمور التي حذر منها الدين، الحمد لله الذي هداني فتداركت نفسي مبكرا، وأحاول إصلاح ذاتي وسترها منذ عدة سنوات، والاقتداء بسنة النبي الكريم.

كرهت الزواج بسبب مجتمعي، وتمسكت بالبقاء عانسا، لكن مع الوقت أدركت خطئي، تبدلت حالي وصرت أدعو الله بالزوج الصالح بيقين عال أنه لن يرد رجائي، وإن بدت السبل منعدمة.

قبل سنتين عاد عمي من غيابه مع زوجته، وكان أكثر صلاحا، ولم أر السبب إلا هي وعائلتها، فقد تربت في بيت صالح، ارتحت معها منذ أول يوم، على عكس انطوائيتي ورهابي الاجتماعي؛ دخلت قلبي بيسر مدهش، وخففت غربتي.

حدثتني عن عائلتها، وعرفت صلاح بيئتها؛ فوالدها دارس للشريعة، ومنهم شقيق يصغرها تذكره نادرا، في البداية كان كل شيء عاديا، لكن بعد شهور خطرت لي فكرة: إن تزوجته سأحظى بالعائلة الصالحة كما حلمت! كانت الفكرة خافتة فردعتها خوفا أن تكون من الشيطان وتناسيتها، لكن قبل أشهر لاحظت عند ذكره شعورا غريبا في صدري وتنبها في مسامعي، ومع ذلك بقي التناسي سهلا.

قبل أربعة أشهر صارحتني زوجة عمي بأنها تتمنى تزويجي إياه! ظننتها تمزح لكنها بدت جادة، وكانت ستبين لي صفاته، لكن حديثنا انقطع ولم تذكر الأمر بعدها؛ ربما لالتماسها عندي عدم الاقتناع؛ لأني تظاهرت بالطبيعية، بدا الأمر مجرد رغبة منها، ولا أحد من عائلتها يعلم، حتى هو.

تناسيت الزواج منه ولم أعلم معنى أن يظهر هكذا، أكثرت الدعاء بالزوج الصالح دون أن أحدده؛ أخاف ألا يكون مناسبا لي، فأنا لا أعلم عنه سوى القليل، ولم أره في حياتي، لا أدري مدى صلاحه، أو إن كان يفكر بالزواج أصلا، ومهما كان، فلن أرضى بالزواج لمجرد الميل، ما لم يكن كفؤا لتكوين أسرة سوية.

المشكلة أن رغبتي بالزواج كبرت، خاصة مع كثرة الضيق في بيتي العائلي المكتظ، والذي يعاني من الاختلاط اليومي بين أعمامي.

أتوق لعيش المودة تحت إطار الزواج، وأود الاستقرار، وصرت حين أجالس الصغار تتولد لدي رغبة بأن أكون أما، المعروف عندنا أن البنت تتزوج بعد العشرينات، وأني صغيرة على هذا التفكير، لكن عند عائلة زوجة عمي فهو أمر شائع.

أدعو الله أن يقرب زواجي منه إن كان فيه خير لي، والعكس إن كان فيه شر لي وينزع التفكير فيه من قلبي، فقد بات الأمر مشتتا.

أريد معرفة لماذا مال قلبي هكذا؟ وهل هو ميل حقا؟ ألأنه من عائلة صالحة أتمناها عكس عائلتي، أم لفراغ عاطفي؟ وما هي نصيحتكم في حالتي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يرزقك الزوج الصالح عاجلا غير آجل، ونود أن نخبرك ابتداء أن ما تشعرين به وما تتمنينه هو أمر طبيعي لفتاة تريد صلاح دينها ودنياها، وما دمت تلجئين إلى الله وتحرصين على أن يكون قلبك سليما ونظيفا؛ فاعلمي أنك على خير عظيم، ومن تمام ذلك أن يكون تفكيرك بالزواج متزنا، واقعيا، ومستندا إلى هدي الشريعة، بعيدا عن التعلق، قريبا من الرضا.

فيما يأتي بيان أشمل وأعمق ليكون نظرك منضبطا وسليما:

أولا: من الطبيعي أن تتمنى المرأة زوجا صالحا:
الفطرة التي فطر الله النساء عليها أن يطلبن السكن والمودة والاستقرار عبر الزواج، وهذا ليس ضعفا ولا قلة وعي، بل هو باب من أبواب تمام الإنسانية، قال الله تعالى:﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة﴾، هذا السكن مقصد رباني، وغريزة نقية وضعها الله في قلبك.

وليس من الغرابة أن يشتد هذا التمني خاصة حين تضيق البيئة من حولك، ويكثر الاختلاط، ويقل الستر؛ هنا تشتد الرغبة في حياة أوضح وأنقى، وهذا أمر متفهم.

ثانيا: الدعاء باب واسع، لكنه لا يعلق بشخص معين ما دام لا يوجد سبب شرعي، ولا واقع حقيقي، ولا رغبة متبادلة، ولا إشارات معتبرة.

الدعاء بالاسم دون بينة قد يجر إلى التعلق، وقد يفتح على القلب أبواب الوهم والحزن، ويصرفه عن الرضا بحكم الله، والأكمل أن يكون الدعاء عاما، صافيا، خاليا من التخصيص:(اللهم ارزقني زوجا صالحا، يكون سكنا لقلبي، ورفيقا لدربي، وسعادة لعمري) وتستطيعين أن تدعي كذلك:(اللهم إن كان في قلبي ميل لأحد قد يضرني في ديني أو دنياي، فانزعه بلطف، وإن كان لي خير مكتوب فقربه إلي) فهذا يحمي قلبك، ويحرر روحك من التعلق، ويبقيك في دائرة الرضا والطمأنينة، وقد قال تعالى: ﴿والله يعلم وأنتم لا تعلمون﴾ فالله وحده يعلم الغيب ويعلم الأنفع لك.

وقد تسألين: هل من الحكمة الانتظار أم الخطوة الأولى إذا ما فتح الموضوع أخرى؟
نصيحتنا لك أن تتخذي طريقا وسطا:
1. لا تتقدمي خطوة تجاهه إلى أن يحصل أمر واضح من عائلته لا من خيالك، فأنت لم تري الشاب، ولا تعرفين أخلاقه حقا، ولا أهدافه، ولا مستوى نضجه؛ لذا لا يجب عليك التقدم بأي شكل.
2. كذلك لا تطردي الفكرة إن طرحت عليك.
3. الأساس ليس ميل القلب، بل الكفاءة الدينية والنفسية وصلاح البيئة مهم، لكن سلوك الرجل نفسه هو الميزان.
قد يكون من أسرة صالحة لكنه شخص غير مناسب، والعكس صحيح.

ثالثا: اليقين بأن الخير فيما يختاره الله:
من أدق ما تحتاجه النفوس المؤمنة عند التفكير في الزواج هو إدراك أن اختيار الله خير من اختيار الإنسان لنفسه.

قد يميل قلبك لبيئة صالحة رأيتها، وقد ترتاحين لأسلوب عائلة معينة، وقد يعجبك سلوك امرأة أو صفات أهلها، فيتسلل إلى نفسك احتمال الزواج من قريب لهم، وهذا طبيعي، لكنه ليس معيارا كافيا للاختيار.

القلوب بين أصابع الرحمن، وما كتب لك لن يأخذه غيرك، وما ليس لك فلن يدنيك الله منه مهما حاولت.

الرضا بهذا يعيد للقلب توازنه، ويمنعه من الجري خلف خيال.

رابعا: الزوج قدر مكتوب، وممن قدره الله لك زوجا معلوم باسمه ورسمه في علم الله من قبل أن تولدي: ﴿إنا كل شيء خلقناه بقدر﴾ وحين تستقر هذه الحقيقة في قلبك، تذبل المخاوف، ويهدأ العقل، ولا يعود هناك داع لتعلق غير مأمون، ولا لقلق على المستقبل.

خامسا: ما الذي تحتاجينه الآن؟
1. تهيئة النفس لا لشخص معين: اهتمي بصلاح قلبك، وثبات دينك، وصفاء نيتك، وتعلم المهارات، وتوسيع نظرتك، بأن الزواج يأتي لمن تهيأت له، لا لمن انتظرته.

2. إزالة الضغط الداخلي:
لا تشعري أنك مضطرة للهروب من بيئتك بالزواج، الزواج نعمة، وليس مخرج نجاة من الضيق فقط، ما دام قلبك واعيا لهذا، فأنت على المسار الصحيح.

3. التعامل مع الميل باعتباره احتمالا لا ارتباطا، كل ما تشعرين به لا يعني أن هذا الرجل هو نصيبك، ولا يعني أنه ليس كذلك، هو مجرد احتمال، لا يبنى عليه قرار.

4. الاستمرار في الدعاء والتوكل، الدعاء مع التفويض هو صمام الأمان الذي يحفظ قلبك من الانزلاق أو القلق.

نسأل الله أن يحفظك، وأن يختار لك الخير، والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات