السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سأحاول أن أختصر:
بيتنا أصبح كالنار، نفتقد لحظات الهدوء، والمشاكل تتكرر منذ أن انتقلنا إلى بلادنا الأم، أمي أعصابها تعبت، ولا نشعر بالبركة في حياتنا، مع أن بيتنا بيت محافظ، فوالدتي خاتمة للقرآن وقارئة له دائما، وأبي كذلك.
ما سبب تلك المشاكل التي تحدث في بيتنا بعد انتقالنا إلى بلدنا الأم؟ وكيف نربي أخواتي الصغار تربية سليمة دينيا في ظل هذه الظروف والبيئة الصعبة جدا؟
انصحوني في كل شيء، أحتاج إلى توجيه ونصيحة ودعاء.
وأيضا: كيف أتعامل مع ما يحدث في العالم من أحداث تتعلق بإخواننا المسلمين، والتي تؤثر على نفسيتي بشكل كبير؟ وكيف أعيش الدنيا دون أن تتعارض مع الآخرة، لا أريد أن أعطي الدنيا أكبر همي، بل أعيشها؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Heba حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الكريمة- في موقعك استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يعيد إلى بيتكم الخير والطمأنينة والأمان.
وجوابا على تلك الفقرات في السؤال؛ سيكون جوابنا مشتملا على هذه النصائح والتوجيهات، وهي كالآتي:
أولا: الحرص على أذكار الأحوال في البيت مثل أذكار الدخول والخروج من البيت، وأذكار الصباح والمساء، وعند النوم والاستيقاظ، وهكذا أذكار الأحوال التي حافظ عليها رسول الله ﷺ وعلمنا إياها.
ثانيا: الحرص على التوافق والوئام والابتعاد عن الخلاف والخصومة؛ فإن الخصام والخلاف والشقاق شر كله؛ ولما أراد النبي ﷺ إخبار الأمة بتعيين ليلة القدر خرج لإخبار أصحابه، فرأى رجلين من أصحابه تخاصما وتلاحيا، فقال: خرجت لأخبركم فتلاحى فلان وفلان، وإنها رفعت، وعسى أن يكون خيرا لكم (رواه البخاري) أي: رفع علمها من قلبه ﷺ، فهذا الخير حرمت منه الأمة بسبب الخصومة والشقاق.
ثالثا: الحرص على رقية البيت، ولا سيما قراءة سورة البقرة، فقد ورد في الحديث عن رسول الله ﷺ أنه قال:
لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة (رواه البخاري ومسلم)، وفي رواية: وإن البيت الذي تقرأ فيه البقرة لا يدخله الشيطان (رواه الترمذي).
وما دام بيتكم بيتا محافظا والوالدان من أهل القرآن فأكرم به من بيت، ولكن الأمور تحتاج إلى مراجعة جدية في سبب هذه المشاكل، ولابد من الجلوس بهدوء وكتابة هذه الأسباب، وبالذات الأسباب التي تجعل الوالدة عصبية؛ لأن ذلك يتعبها، فلا نريد للوالدة أن تتعب نفسيا، فلابد من السؤال عن سبب عصبيتها، والعمل على عدم إحداث هذه الأمور، وكذلك تفعل هذه الطريقة مع الجميع لحل هذه المشاكل.
رابعا: تربية أخواتك الصغار؛ فلا بد من الاهتمام بموضوع الصلاة وبر الوالدين، وإعطائهم مجالا للكلام، وإبداء الآراء دون تعسف لهم، أو تقليل من شأنهم.
خامسا: ما يصير في العالم من أحداث تتعلق بالمسلمين المستضعفين، فليس بأيدينا شيء سوى الدعاء لهم بالنصر والتمكين؛ لأنه كما ورد في الحديث عن النبي ﷺ: من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم.
ولكن إذا كانت متابعة أخبارهم تؤدي إلى قلق نفسي ينعكس على مستوى البيت، فالإقلال مطلوب حتى لا تبقى النفس متوترة؛ فينعكس ذلك في ردود الأفعال على الأسرة في البيت، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ولاسيما أنك قد ذكرت أن أحوال المسلمين تؤثر فيك وفي نفسيتك بشكل شديد -حسب تعبيرك-، فيقال: عليك الاكتفاء بالدعاء، فإنه يسعك دون مشاهدة أحوالهم المؤثرة في النفس.
سادسا: سؤالك: كيف يتعامل المسلم في الدنيا بحيث لا تتعارض مع الآخرة؟ فجوابه أن أعظم دعاء على الإطلاق هو ما ورد في القرآن الكريم في سورة البقرة، وهو قوله تعالى: ﴿ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار﴾ [البقرة: 201]. فالمسلم يجمع بين خيري الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: ﴿وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا﴾ [القصص: 77].
والمسلم يعمل في الدنيا لأجل لقمة العيش حتى لا يمد يده إلى أحد، فالحلال الطيب من المكاسب الطيبة، وأفضل ما يكسب به الإنسان عمل يده، مع المحافظة على فرائض الله تعالى واجتناب ما حرم الله، فيكون المسلم بذلك قد جمع بين حسنة الدنيا وحسنة الآخرة، كما قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: ﴿وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة من الصالحين﴾ [النحل: 122].
بل وحتى الإنسان في أعظم مواقف الدين، الحج إلى بيت الله الحرام، أذن الله له بالتجارة والعمل الدنيوي في تلك المواطن المقدسة، قال تعالى: ﴿ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين﴾ [البقرة: 198].
سابعا: سؤالك: لا أريد أن أعطي الدنيا أكبر همي، بل أريد أن أعيشها دون أن تتعارض مع الآخرة؛ فنعم المسلم يعيش الحياة بطاعة الله فتكون حياة سعيدة، ولا يكن همه الأكبر هو الدنيا؛ ففي الحديث عند الترمذي عن أنس رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له.
ففي هذا الحديث يرشد النبي ﷺ أمته إلى جعل الآخرة أكبر الهم؛ بحيث لا يطغى حب الدنيا والانشغال بها على القلوب، فتكون الدنيا هي أكبر الهم، وقد كان من دعاء النبي ﷺ: ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا.
أسأل الله لكم التوفيق والسداد والطمأنينة في بيتكم القرآني، آمين.