السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ليس عندي هدف في الحياة، فقد اختاره لي والداي من قبل، وهو دخول كلية قمة، بينما أنا لا أرغب في دخولها.
أدرس حاليا في الصف الثالث الثانوي فقط من أجل النجاح، ولكن ليس لدي طموح.
دائما كانت درجاتي جيدة، لكنها لم تكن تعجب أهلي؛ فإذا وصلت إلى الأول على المدرسة يريدون أن أكون الأول على الإدارة، وإذا وصلت إلى الأول على الإدارة يريدون أن أكون الأول على المحافظة.
جعلني ذلك لا أقدر نفسي، وأعيش في نقد مستمر لذاتي، وأشعر أنني مهما فعلت فأنا إنسان فاشل، ولا أستطيع تحديد هدف من دراستي يدفعني إلى الاستمرار.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حنين .. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نشكرك على تواصلك معنا، وثقتك بموقعنا.
لقد قرأنا رسالتك بعناية، وشعرنا بحجم الثقل الذي تحملينه في صدرك، إنه لأمر مجهد للنفس حقا أن تسير الفتاة في طريق لا ترى فيه شغفها، وأن تبذل الجهد ثم لا تجد كلمة شكرا أو أحسنت، تكافئ هذا الجهد، بل تجد طلبا للمزيد والمزيد.
نحن نقدر تماما شعورك بالإحباط، وتدني تقدير الذات؛ نتيجة لهذه الضغوط المتراكمة، ومن الطبيعي جدا في مثل سنك وظروفك أن تتساءلي عن جدوى ما تفعلينه.
يمكننا التعامل مع ما تمرين به من خلال عدة محاور، نرجو أن تتأمليها بقلب مفتوح:
أولا: أنت تقولين إنك كنت الأولى على المدرسة، ثم الأولى على الإدارة، وهذا بحد ذاته إنجاز عظيم تتمناه الآلاف.
المشكلة هنا ليست في قدراتك ولا في إنجازك، بل المشكلة تكمن في معيار الرضا لدى الأهل. شعورك بأنك إنسانة فاشلة هو شعور غير حقيقي، بل هو انعكاس لصوت النقد الخارجي الذي تبنيته داخليا.
في المنظور الإسلامي، قيمة الإنسانة ليست في كليتها ولا في ترتيبها على المحافظة، بل قيمتها في سعيها وتقواها وإحسانها العمل؛ يقول الله تعالى: ﴿وأن ليس للإنسان إلا ما سعىٰ﴾، الله سيحاسبك ويكافئك على سعيك وجهدك، وليس على النتيجة النهائية التي هي بيد الله، ولا على رضا البشر حتى ولو كانوا والديك. أنت ناجحة بمقاييس العقل والواقع، فلا تسمحي للشيطان أن ييئسك ويوهمك بالفشل ليقعدك عن العمل.
ثانيا: نحن نتفهم أن ضغط الوالدين ينبع من حبهم وخوفهم عليك، لكن طريقتهم في التعبير عن هذا الحب (بالنقد المستمر ورفع سقف التوقعات بلا حدود) هي التي تسبب لك هذا الألم.
عليك أن تفرقي بين بر الوالدين وبين تحقيق طموحاتهم الشخصية فيك؛ فالبر هو الإحسان إليهم، وخفض الجناح لهم، وعدم نهرهم، غير أن مستقبلك الدراسي والمهني هو مسؤوليتك أنت أمام الله.
نصيحتنا لك في هذه المرحلة الحرجة (الصف الثالث الثانوي) هي الهدنة النفسية؛ فلا تدخلي في صراع معهم الآن، ولا تحاولي إقناعهم بتغيير طريقتهم؛ لأن ذلك قد يستنزف طاقتك، بل اسمعي منهم باحترام، وخذي ما يفيدك (الدعاء، الاهتمام)، وتجاوزي عن النقد الجارح، واعتبريه مجرد خلفية ناتجة عن قلقهم الزائد.
ثالثا: أنت تقولين: ليس لدي هدف، دعينا نساعدك في وضع هدف مرحلي ذكي:
- اجعلي هدفك الآن ليس دخول كلية القمة لإرضاء أهلي، بل اجعلي هدفك تحصيل أعلى مجموع ممكن لامتلاك حرية الاختيار.
- عندما تحصلين على مجموع كبير، ستكونين أنت صاحبة القرار؛ إذ يمكنك وقتها أن تختاري الكلية التي تناسب ميولك، حتى لو لم تكن ما يريدون، وبذلك تكونين في موقف قوة، أما إذا استسلمت للإحباط وحصلت على مجموع ضعيف، فإن الظروف ومكتب التنسيق سيجبرك على دخول أي كلية، وحينها ستفقدين الخيارين معا، ولذلك ادرسي بنية الإحسان؛ ذلك أن الله كتب الإحسان على كل شيء، ودراستك هي عملك الآن، فأتقنيه لله، لا للبشر.
رابعا: إليك بعض الخطوات العملية لاستعادة التوازن:
1. أوقفي الجلد الذاتي كلما جاءك صوت يقول أنت فاشلة، ردي عليه فورا بحقائق ملموسة: أنا لست فاشلة، أنا تفوقت سابقا، وأنا قادرة على الإنجاز، وهذا النقد لا يعبر عن حقيقتي.
2. جددي نيتك كل صباح. يا رب أنا أدرس لأعف نفسي، ولأكون مسلمة قوية ونافعة، ولأبر والدي بنجاحي (حتى لو لم يعجبهم التفصيل، فالأصل النجاح).
3. لا يلزم أن تعرفي شغفك الآن بدقة، ركزي على إنهاء هذه السنة، وبعد الامتحانات سيكون لديك متسع من الوقت لاستكشاف التخصصات والقراءة عنها، واختيار ما يناسب شخصيتك.
4. خصصي وقتا ولو قليلا لمناجاة الله، اشكي إليه بثك وحزنك؛ فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، وهو القادر على أن يرقق قلب أهلك عليك، ويلهمك الصواب.
تذكري -يا ابنتي- أن كليات القمة الحقيقية هي التي يبدع فيها الإنسان ويكون فيها نافعا لأمته، وليست التي يحددها المجتمع، الكثير من العظيمات والناجحات لم يدخلن ما يسمى بكليات القمة، لكنهن وصلن للقمة في مجالاتهن.
أنت الآن في معركة نفسية، وسلاحك فيها هو الصبر والتغافل عن النقد، والتركيز في العمل اليومي.
نسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يهديك سواء السبيل، وأن يرزقك السكينة والرضا.