السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تقدم شاب لخطبتي منذ عدة أشهر، وتمت الخطبة في فترة قصيرة؛ لظروف سفر عاجل حينها، وقد استخرت الله كثيرا، واستمررت بأداء صلاة الاستخارة يوميا -والحمد لله-، وشهادة بحقه أنه على خلق ودين، ومن عائلة محافظة، وحسن الهيئة والطباع، مع بعض الاختلافات في الطباع والعادات؛ بحكم اختلاف مكان السكن.
ولكن المشكلة بالرغم من إدراكي أن الكمال لله تعالى وحده، إلا أن التردد في الاستمرار، وإنهاء الخطبة يراودني كثيرا؛ بسبب بعض العيوب التي لا يخلو أحدنا منها، وهي عيوب في الشخصية، والتي مع العلم أنها لا تشمل أبدا الخروج من إطار الأخلاق والدين، ولكني أتردد من إمكانيتي في التعامل معها، أو تقبلها، أو حتى السعي لتغييرها، كالتردد قليلا في بعض كلامه وتصرفاته، مع العلم أنه في سن مقاربة جدا لسني، والذي يعتبره المجتمع في هذا الزمن سنا صغيرا.
ويراودني أحيانا شعور بأن هذه ليست بالمواصفات التي تخيلتها ورسمتها لشريك حياتي، فهل يصح أن يكون ذلك سببا كافيا لعدم إتمام الزواج، وأنه للوصول لتلك الخطوة يجب أن أكون على تمام اليقين دون تردد أنه الشخص المناسب؟ أم أن كثرة التردد تعتبر إشارة لعدم الاستمرار؟
مع العلم أنني طوال الفترة الماضية لم يزد في نفسي شيء عن القبول.
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ آلاء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، وشكرا لك على الاهتمام والسؤال، نسأل الله أن يقدر لك الخير، وأن يصلح الأحوال، وأن يلهمك السداد والرشاد، وأن يعينك وهذا الشاب على كل ما يرضي الكريم الوهاب.
أحسنت بقولك: "العيوب لا يخلو منها أحد"، فلن تجد الفتاة شابا بلا نقائص، ولن يجد الشاب فتاة بلا نقائص:
فمن الذي ما ساء قط؟ ومن الذي له الحسنى فقط؟ وكفى بالمرء نبلا أن تعدم معايبه، وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث.
إذا كان الشاب على درجة من الأخلاق والدين، والصفات الجميلة الأساسية موجودة فيه، فلا ننصح بالتفريط فيه. أما ما يحصل عندك من تردد في القبول به فهذا أمر طبيعي، والشيطان لا يريد لنا الحلال، ولا يريد لنا الزواج؛ ولذلك أرجو أن تخالفي هذه الفكرة، وخاصة بعد أن أشرت إلى وجود القبول: فالقبول والانطباع الأول، والانشراح الذي حدث في النفس، هو الذي نبني عليه، طبعا بعد الدين والأخلاق، وهي -ولله الحمد- متوفرة.
ما يحصل بعد ذلك من تردد هو الذي ينبغي ألا نستجيب له؛ فإن كانت له أسباب عالجناها، وإن لم يكن له أسباب قد نحتاج إلى رقية شرعية، وحافظي على أذكار الصباح والمساء، فإنها نافعة فيما نزل، ومانعة لما لم ينزل بإذن الله وحوله وقوته.
أما ما حصل من تردد في كلامه –هذا الذي فهمناه– وتصرفاته، فهذا طبيعي لشاب أنت تقولين إنه قريب من سنك، والشاب دائما يرتبك في مثل هذه المواقف، وخاصة في بدايات التعارف، وبدايات اللقاء، ويحصل نوع من الارتباك، وأيضا إذا كان التردد في الكلام فإنه قد لا يعرف ما الذي يقوله، وأنتما جميعا ستتعلمان مع الوقت، والإنسان بحاجة إلى أن يفهم ذاته، ويفهم الآخرين، ويفهم نمط الشخصية التي أمامه.
والاختلافات الموجودة بسبب المسكن، أو العادات الخاصة، والقيم الأسرية الخاصة، هذه كلها تتلاقح، ويتجاوزها الناس، والأصل أن نقبل الإيجابيات، ونحمد الله -تبارك وتعالى- عليها، وإذا جاءت السلبيات، فعلينا أولا أن نتذكر أننا بشر، والأمر الثاني: لا مانع من السعي في تصحيحها وتغييرها، وإن صعب التعامل مع بعضها فلا مانع من التعايش معها.
ولذلك المعيار النبوي للرجل: لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر، وهي:"إن كرهت منه خلقا رضيت منه آخر"؛ لأنه ما من إنسان إلا وفيه إيجابيات ظاهرة، وعنده نقائص عليه أن يسعى في إكمالها وتصحيحها، وعلينا أن نعينه.
وعلينا أيضا ألا نطلب الكمال؛ لأن الكمال محال، قال ابن عباس: "أنا لا أطالب زوجتي بكل حقوقي؛ خشية أن تطالبني بكل حقوقها"، فالإصرار على الكمال في الصفات، والكمال في الأفعال، والكمال في المواقف، هذا يتعب الإنسان، ويتعب غيره، ونسأل الله أن يعينك على تجاوز هذه المسألة، وأنت في مقام بناتنا وأخواتنا.
وعليه نحن ننصح بالاستمرار في إكمال هذه العلاقة، -والحمد لله- الآن الفرصة أمامك من أجل التعارف والتواصل بالطريقة الصحيحة، مع تذكيرنا أن الخطبة ما هي إلا وعد بالزواج، لا تبيح للخاطب الخلوة بمخطوبته، ولا التوسع معها في الكلام، ولكن من خلال طرح مواضيع تتعلق بالتعليم، والدين، والعمل، وظروف الحياة، وتوقيت الزواج، ستتضح لك الصورة كاملة، وتتضح له أيضا الصورة كاملة.
نسأل الله أن يجمع بينكما في الخير وعلى الخير، ونؤكد أن الشاب صاحب الدين والأخلاق الذي جاء للبيوت من أبوابها، وطلب يدك؛ هو بضاعة نادرة، فلا تفرطي في هذا الشاب.
والله الموفق.