أتوب وأعود لمعاصي الخلوات، فماذا أفعل للوصول للتوبة النصوح؟

0 1

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لقد عصيت الله في خلوة، وكنت أعلم أنه أمر خاطئ، فتبت إلى الله واستغفرته وأسأله أن يغفر لي خطيئتي. وبعد أن عصيت راودني تأنيب ضمير شديد على ما فعلت، وندمت أشد الندم، لكنني عدت إلى ذلك الذنب مرة أخرى، والله أنني أشعر أن هذا الذنب يمنعني من إكمال أمور أطمح إليها منذ أكثر من سبع سنوات، وكلما أتوب وتمضي فترة ستة أشهر دون فعل هذا، الذنب أشعر أن حياتي تتحسن، وأن الأمور تتيسر، لكنني أقع في لحظة غفلة وأفعله مرة أخرى.

آخر مرة فعلت ذلك الذنب كانت في الليل، فصليت ركعتين توبة وقلت: "سبحان الله وبحمده" مائة مرة؛ لأني علمت أن من قالها مائة مرة حطت خطاياه، وفي الصباح ذهبت إلى العمل، وقد تملكني الحزن الشديد، وتأنيب الضمير من حماقتي وما فعلت، كنت أضع سماعات الأذن وأشغلت أنشودة إسلامية لا تحتوي على موسيقى، وكنت أحدث نفسي بتأنيب الضمير كما يفعل المرء حين يحادث نفسه، ولا أعلم هل تكلمت بصوت أم لا، لأن خلفي كان شخص يعمل في نفس المكتب.

تراودني أحيانا أفكار بأنني قد تكلمت بصوت وأن ذلك الشخص قد سمعني، وأن الله قد غضب علي مما فعلت، فلقد كنت أنطق باسم المعصية حين أفكر وأحادث نفسي، وهذا أكثر ما يخيفني؛ لأن الناس يظنون أنني من أهل الصلاح، بينما أنا مذنب غافل أعصي الله، لكنني أجاهد لترك هذه المعصية.

فكيف أتصرف؟ وماذا أفعل مع هذه الأفكار والأصوات التي تراودني خشية انفضاح أمري؟ والله المستعان، والأولى خشية الله لا الناس، لقد صار بالي مشغولا بهذا الأمر، وبدأت أكره الذهاب إلى العمل وأشعر بالضيق الشديد، مع العلم أنني مضطر للعمل، وأنا مقبل على خطبة امرأة في الفترة القادمة ويجب أن أساعد أهلي في المصاريف.

المعذرة على الإطالة، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ رشيد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله -سبحانه وتعالى- بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يتوب علينا وعليك، وأن يشرح صدورنا لطاعته.

ونبدأ أولا -أيها الحبيب- بتأكيد هذه النتيجة التي توصلت إليها، فقد وفقت فيها توفيقا كبيرا؛ فإدراكك بأن حياتك تتحسن وأمورك تتيسر حين تكون مع الله ومشتغلا بطاعته ومتقيا له، وحصول عكس ذلك حين تقع في الذنب والمعصية، هذا الإدراك والشعور نعمة كبيرة من الله تعالى أنعم بها عليك، وهي الحقيقة المطابقة للواقع، فإن الله تعالى قال: {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا}، وقال سبحانه: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب}.

فلا غرابة أن يكون الإنسان في حالة من الرضا وانشراح الصدر وتيسير الأمور؛ حين يكون مشتغلا بطاعة الله تعالى، والعكس بالعكس؛ فحين يقع في الذنب لا غرابة أن تتعسر عليه بعض أموره، إذا أراد الله تعالى به خيرا ليرجعه إلى الطريق الصحيح، فقد قال الرسول ﷺ: إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه.

وتأنيبك لضميرك ومحاسبتك لنفسك وشعورك بالندم، كل هذا عمل صالح وفقك الله تعالى له، فاشكر الله تعالى عليه واستزد منه، وواصل السير في هذا الطريق بأن تنتقل إلى الخطوات التالية، وهي: إصلاح الحال، بأن تبتعد عن الأسباب التي تؤدي بك إلى هذه المعصية، وتصاحب الصالحين والطيبين، وتأخذ بالأسباب التي تعينك على الطاعة مستعينا بالله -سبحانه وتعالى- فلن يخذلك الله، ونحن نكرر في كل ركعة نصليها، نكرر: {إياك نعبد وإياك نستعين}، وقال الرسول ﷺ: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز.

فاستعن بالله على تحقيق التوبة، والتوبة أمرها سهل يسير -أيها الحبيب- التوبة تعني: الندم على فعل المعصية، والعزم على عدم الرجوع إليها في المستقبل، مع الإقلاع عنها في الوقت الحاضر، فإذا تاب الإنسان هذه التوبة فإن الله تعالى يمحو بها ذنبه السابق، كما قال عليه الصلاة والسلام: التائب من الذنب كمن لا ذنب له.

ومن شروط التوبة كما ترى: أن يكون وقتها عازما على عدم الرجوع إلى هذا الذنب في المستقبل، وهذا العزم محله القلب، لكن هذا لا يعني أنه لن يذنب مرة أخرى؛ فالإنسان ليس بمعصوم، فقد تضعف نفسه ويستغويه شيطانه فيقع في الذنب مرة ثانية، فمطلوب منه أن يتوب توبة ثانية مستكملة لأركانها.

وإذا وفق الإنسان للسير في هذا الطريق بالتوبة بعد ذنبه، توبة صادقة، مستوفية للأركان والشروط، يكون فيها صادقا مع نفسه وصادقا مع ربه، إذا وفق لهذا فإن وقوعه في الذنب ثانية لا يضر توبته السابقة، ولا يؤثر فيها، بل هو مطالب بإحداث توبة جديدة، وهكذا.

وهذه المجاهدة -أيها الحبيب- من أفضل العبادات، فاحتسب أجرك عند الله تعالى، وتذكر قول الله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، وإن الله لمع المحسنين}، فالله تعالى وعد من يجاهد نفسه، ويجاهد هواه، ويجاهد عدوه، إذا جاهد كل هؤلاء الأعداء من أجل الله، فإنه موعود بهاتين الجائزتين الكبيرتين:
- أولاهما: الهداية والتوفيق والتسديد من الله تعالى.
- وثانيهما: المعية من الله تعالى، أن الله تعالى معه؛ لأنه محسن، فالله تعالى يؤيده وينصره ويوفقه.

فتذكر هذا كله، فإنه سيدفعك للاستمرار في المضي في هذا الطريق، ولا تلتفت إلى هذه الأفكار والوساوس التي قد تراودك، بأن فلانا قد اطلع على ما في غيبك وما أخفيته عن الناس، اجعل معاملتك لله تعالى، واجعل توبتك من أجل الله، ولا تبال بخلق الله؛ فإذا رضي الله تعالى عنك وأحبك يضع لك في قلوب العباد القبول والمحبة.

فاشتغل بالله ولا تشتغل بغيره، فهو -سبحانه وتعالى- من يقدر الأقدار، فرزقك في خزائنه، وعمرك عنده، وهو -سبحانه وتعالى- واهب السعادة.

اشتغل بمعاملة الله تعالى، وأخلص عملك له، وستجد من الله -سبحانه وتعالى- كل خير، ولا تنقطع عن العمل بسبب هذه الأفكار، جاهد نفسك، واعلم أنك ما دمت مشتغلا بما ينفعك فإن الله تعالى يحبك وينصرك ويعينك، وأنت ممتثل لقول النبي ﷺ: احرص على ما ينفعك.

نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.

مواد ذات صلة

الاستشارات