كلما تبت أعود إلى عادتي القديمة من المعصية، فكيف أتوب حقًا؟

0 0

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أولا: جزاكم الله خيرا، وبارك الله فيكم على ما تقدمونه من نفع وعلم، نسأل الله لنا ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين أن يجمعنا الله تعالى في الجنة. أما بعد:

ليس لأنني ذكرت الدعاء السابق أنني صالح، أو مستقيم، بل أنا مخالف لذلك.

وفقني الله تعالى لدخول واحدة من أفضل كليات الجمهورية، وهي كلية الهندسة، ودخولها أمر صعب جدا، ولم يتوقف فضل الله علي عند ذلك، بل وفقني أيضا لدخول قسم من أعلى الأقسام في الهندسة، وهو قسم الهندسة الكهربائية، وأعطاني التقدير الذي يجعلني قادرا على دخول أي قسم.

لكنني في المقابل أتكاسل عن الصلاة ولا أصلي، بل أنقطع عنها فترات طويلة تصل إلى أسابيع، وأشاهد – والعياذ بالله – أفلاما إباحية، ولا أذكر الله، وهجرت القرآن، وتركت دراستي وأهملتها، فأصبحت درجاتي متدنية.

كما أنني أعق والدي، وأكلمهما بطريقة سيئة، أندم عليها لاحقا، وأتحدث مع الفتيات وأجعل بعضهن يرسلن صورهن لي وأنا أخدعهن، ثم أندم بعد ذلك، وأقول لنفسي: (ما الفائدة التي استفدتها من هذا؟).

أعلم أنني في نظركم كإبليس أو كالشياطين، وهذا حقكم وقد أصبتم بذلك، لكنني والله أندم على كل ما فعلت، وحزين، وأتمنى أن أكون كما لو ولدت من جديد، وهناك كثير من الذنوب لم أذكرها لكم، مع العلم أنني في السابق كنت مجتهدا وحافظا للقرآن الكريم، والآن حتى جزء النبأ نسيته، رغم أنني حفظت إلى سورة طه، وكنت من الأوائل.

لكني الآن أعاني من ADHD، ودائم السرحان، والنوم، والنسيان، وعدم التركيز، وأصبحت مكروها بين الناس وفاشلا.

قبل أن تقولوا لي إن باب التوبة مفتوح، أقول: كلما تبت عدت إلى عادتي القديمة، ثم أقول لنفسي ألا أيأس من روح الله، وأتوب مرة أخرى، ثم أعصي الله أكثر مما قبل، ولا أتوب حقا.

لقد عجزت ولم أجد حلا إلا أن أراسلكم: هل هناك فرصة أعوض بها ما مضى وأبدأ حياة جديدة كما لو ولدت من بطن أمي، وأكون مثل العلماء كأبي حنيفة والشافعي، وأحمد بن حنبل والبخاري، ومالك والفضيل بن عياض، وغيرهم؟

وهل باب التوبة مفتوح أيضا لشخص مثلي ترك الصلاة وعق والديه؟ وهل يمكن في المستقبل أن أرجع لعادتي الحسنة، وأكون الأول على دفعتي، وأحفظ القرآن، بل وأسارع إلى كل خير أكثر كقيام الليل؟

أخيرا: أنا أكملت عشرين سنة ميلادية، وقد أضعت كثيرا من عمري.
ورجاء قولوا لي: هل آية (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم...) تنطبق أيضا على من أسرف على نفسه بترك الصلاة؟

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك بالموقع، ونسأل الله تعالى أن يهدي قلبك، ويشرح صدرك، ويغفر ذنبك.

هذا الندم الذي تعيشه -أيها الحبيب- هو أول خطوات الخير، وأول الدلائل على أن الله تعالى يريد بك خيرا؛ فإن الندم هو أول خطوات التوبة الصادقة، والندم معناه توجع القلب بسبب النظر في نهايات الذنوب، والعواقب التي تنتظر الإنسان بعد ذنبه، فإذا تألم قلبه بسبب فعله للذنب؛ فإنه بذلك يكون قد خطا أول خطوة في الاتجاه الصحيح، وسار في طريق التوبة إلى الله تعالى.

والتوبة باب الله المفتوح، وهو مظهر من مظاهر رحمة الله تعالى بنا ولطفه بنا، فقد فتح هذا الباب ولا يغلقه أمام الإنسان إلا إذا بلغت الروح الحلقوم، أو طلعت الشمس من مغربها في آخر الزمان، فـ إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ‌ما ‌لم ‌يغرغر، كما قال النبي ﷺ.

والتوبة -أيها الحبيب- مطلوبة من كل الذنوب، وإذا تاب الإنسان فإن الله تعالى يقبل توبته مهما كان ذلك الذنب، وأنت تقرأ القرآن وتجد فيه أن الله تعالى ينادي المجرمين باختلاف أنواع جرائمهم، يناديهم إلى التوبة، وأن يعلنوا هذه التوبة ويدخلوا من بابها وسيغفر لهم، فقد قال الله -سبحانه وتعالى- في سورة الفرقان في وصف عباد الرحمن، قال: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * ‌يضاعف ‌له ‌العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا * إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما} [الفرقان:68-70] وقال بعدها: {ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا} [الفرقان:71].

فهؤلاء مهما أجرموا، دعوا غير الله تعالى، وأشركوا بالله، وقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، أو وقعوا في الزنا؛ فإن الله تعالى يناديهم ويدعوهم إلى التوبة، وأنهم إذا تابوا يبدل الله سيئاتهم حسنات.

وهكذا تجد في آيات السرقة، وفي الآيات التي فيها ذكر العقائد الباطلة، والتي أخبر الله تعالى فيها عن الذين يسبونه وينسبون إليه الولد، يدعوهم -سبحانه وتعالى- إلى التوبة، ويدعو المرابين، أكلة الربا إلى التوبة.

اقرأ القرآن تجده ينادي كل صاحب ذنب إلى أن يتوب، وقد قال الله تعالى في نص عام على سائر الذنوب والخطايا، وهي الآية التي ذكرت طرفا منها، قال سبحانه: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} [الزمر:53].

وقد غفر الله تعالى للمشركين الذين كانوا يعبدون الأصنام والذين حاربوا رسول الله ﷺ وأصحابه، ومهما كان ذنبك فإنه لن يبلغ درجة ذنب هؤلاء، ومع ذلك حين تابوا تاب الله عليهم، فلا يجوز لك أبدا أن تيأس من رحمة الله؛ فإن اليأس من رحمة الله هو في نفسه جريمة وذنب عظيم، كما قال الله تعالى: {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} [يوسف:87].

واعلم -أيها الحبيب- أن الله -سبحانه وتعالى- غني عن عباداتنا وطاعاتنا، فلا تنفعه الطاعات ولا تضره المعاصي، ولكنه يختبر العبد فقط، فإذا أعلن هذا العبد ندمه، واعترف بذنبه، واطرح بين يدي الله -سبحانه وتعالى- يطلب عفوه، فإن الله لا يرده، مهما كان ذلك الذنب، سواء كان ترك الصلاة أو غيرها.

ولذلك نحن نناديك، وندعوك دعوة من يحب لك الخير أن تبادر وتسارع إلى التوبة الصادقة، والتوبة الصادقة تعني: الندم على ما فات، والعزم على عدم الرجوع إلى الذنب في المستقبل، مع الإقلاع عنه في الحال.

ونوصيك كذلك باختيار الصحبة الصالحة والرفقة الطيبة، ابحث عن الشباب الطيبين من زملائك، وتواصل مع الرجال الصالحين في بيوت الله تعالى، وفي غيرها من أماكن التواصل، وحاول أن تقضي أوقاتك معهم، فإنهم خير من يعينك على الاستمرار على الطاعة والابتعاد عن المعصية.

تب إلى الله تعالى من هذه الذنوب التي ذكرتها في هذا السؤال، ومن غيرها من الذنوب، وحسن ظنك بالله أنه سيقبل توبتك، فهو قد أخبر عن نفسه فقال: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون} [الشورى:25].

وكن على ثقة من أنك إذا صدقت الله تعالى في توبتك؛ فإن ستعود إلى حال ربما أفضل من حالك قبل وقوعك في هذا الذنب، فانكسار القلب وشعور الإنسان بالخطيئة وتذلـله لله تعالى؛ ربما رقاه وأعلى مكانته ومنزلته عند الله تعالى بشكل أفضل ممن لم يقع في ذنب، ولهذا لا يؤنب نفسه ولا يشعر بالانكسار بين يدي الله تعالى.

بادر إلى التوبة الصادقة المستوفية لأركانها، وصاحب الصالحين، واستعن بالله ولا تعجز، واتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها.

نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.

مواد ذات صلة

الاستشارات