أصبحت أكره ذهابي إلى المدرسة بسبب كثرة المنكرات فيها!

0 0

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مشكلتي هي النهي عن المنكر في القسم، المنكرات كثيرة، ولا أستطيع أن أنكرها كلها، وقد تعبت من فكرة أنني آثم على كل منكر لم أنكره.

أنا في أغلب الأحيان أنكر بقلبي، وقليلا ما أنكر بالقول، وإذا أنكرت بقلبي فلا أغادر القسم عند حصول المنكر، ولا يمنعني من الإنكار باللسان سوى رغبتي في اجتناب المشاكل وعدم تصعيد الأمور.

في القسم يغتابون، فمثلا يذكرون للأستاذة أن الأستاذ الفلاني ظلمهم، وكان يفعل كذا وكذا، ويذكرون عيوبه مستهزئين به جميعا ويضحكون، كما يتحدثون عن فلانة مشهورة تعرض نفسها في "تيك توك" وغير ذلك، أقول في نفسي: لعل هذا من التظلم، وذكر المجاهر بالمعصية، فلا يجب علي أن أنكر؛ لأن هذا ليس غيبة، ثم تأتيني أفكار بأني أتحجج لأتهرب من الإنكار، ورغم إنكاري لهذا الكلام بقلبي وكرهي له، لم أغادر القسم.

ثم إن الأساتذة في الاختبارات يغشون التلاميذ ويساعدونهم في حلها، وينظرون في أوراقنا ويخبروننا إن كان حلنا صحيحا أم خطأ، ويأتون باختبارات سهلة جدا نظرا لضعف مستوى المتعلمين، وحين تكون علاماتهم سيئة في ذلك الاختبار يلغونه ويأتون بغيره أسهل منه، المهم عندهم أن ينجح التلميذ ويتحصل على الشهادة آخر السنة.

حالة الغش هذه أنكرتها بقلبي، وحين أرادوا إقحامي فيها بأن يسألوني في الاختبار أخبرتهم أني لا أحب الغش، ولا أغش ولا أعين أحدا على الغش، لكن الأستاذة تأتي لتنظر في اختباري وتقول لي: "أحسنت" عندما يكون حلي صحيحا.

هذا بالإضافة إلى الاختلاط والتبرج، وغير ذلك من المنكرات، أصبحت أكره ذهابي إلى المدرسة، فهي بالنسبة لي مكان أجمع فيه ذنوبا، وأرى فيه منكرات، ثم أعود إلى بيتنا، أصبحت أتمنى الزواج لأستقر في البيت.

تحدثت مع والدي وأخبرتهما بما يحصل هناك وأنني أريد المغادرة حفاظا على ديني، أمي رفضت ذلك وقالت لي: اهتمي بنفسك ولا تبالي بما حولك، أما أبي فقال: ارفعي الأمر إلى مدير المدرسة، وبذلك تبرأ ذمتك، ولا تنكري عليهم في القسم، واطلبي إنجاز اختبارك وحدك في قسم منفصل عنهم.

ماذا ترون؟ هل أغادر المدرسة؟ هل علي إثم في عدم إنكار كل منكر أراه؟ وكيف أبرئ ذمتي أمام الله ولا يكون علي وزر؟ وهل ذكر الأمر لوالدي يعتبر غيبة لهم؟ أريد أن أبتعد عن الذنوب وأحافظ على ديني.

وفقكم الله لإعانتي، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ تسنيم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب مجددا، نشكر لك دوام تواصلك بالموقع، وحرصك على التفقه في دينك، وغيرتك على محارم الله -سبحانه وتعالى- وتألمك لارتكاب المنكرات، وهذا كله من حسن إسلامك، ونسأل الله تعالى أن يزيدك هدى وصلاحا وتوفيقا.

بداية: نؤكد ما أوصيناك به في استشارة سابقة من أهمية التفقه في مسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحاولة التعلم وطلب الفقه الشرعي لأحكام دينك؛ حتى لا تكلفي نفسك شيئا فوق طاقتك مما لم يكلفك الله تعالى به، وحتى لا يحصل لديك اليأس والقنوط بسبب عدم قدرتك على القيام بما تظنينه واجبا وفرضا شرعيا عليك.

لهذا كله نحن نؤكد ضرورة وأهمية التفقه في الدين، فإن الله تعالى وصف نبيه ﷺ وأمره بقوله: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة} [يوسف:108]، فالبصيرة ومعرفة الأحكام الشرعية لما يقدم عليه الإنسان من شأنه أن يقوم سلوكه ويبصره بما يجب عليه أن يفعل وما لا يجب.

ونحب أن نؤكد كذلك -ابنتنا الكريمة- أن تكاليف الله تعالى لنا في حدود قدرتنا، وبقدر استطاعتنا، فقد قال الله في كتابه الكريم: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}، وقال سبحانه: {لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها}، وقال الرسول ﷺ: وإذا أمرتكم بأمر ‌فأتوا ‌منه ‌ما ‌استطعتم.

وفي ظل هذه القواعد الكلية الواردة في كتاب الله، وفي حديث رسوله ﷺ، يقرر العلماء حدود الواجب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن ذلك خاضع لقدرة الإنسان الآمر والناهي أولا، ثم إلى المصلحة والمفسدة المترتبة على الأمر والنهي.

ونحن نرى أنك أعطيت الأمر أكبر من حجمه، وكلفت نفسك ما لم يكلفك الله تعالى به، وشققت على نفسك بشيء لم يرده الله تعالى منك، ولهذا نخاف عليك أن تسيطر عليك وساوس وأوهام، وتصلين إلى حد استثقال الطاعات والعبادات، وربما تعطل حياتك بسبب هذه الوساوس، فكوني على حذر تام من سيطرة هذه الوساوس عليك.

ونحب هنا أن نلقي إليك كلمات قليلة تذهب عنك هذه الوسوسة إذا كنت حريصة على أن تجنبي نفسك عناءها ومشقتها:

أول هذه الأمور: أن تدركي تمام الإدراك أنه لا يجب عليك أن تنكري إلا المنكر المتفق على أنه منكر، أي الذي ليس فيه خلاف بين العلماء، والذي يكون مرتكبه مقرا بأنه يرتكب شيئا محرما.

الأمر الثاني: أن الإنكار للمنكرات بحسب القدرة، والرسول ﷺ قال صراحة: من ‌رأى ‌منكم ‌منكرا ‌فليغيره بيده، وهذا لأصحاب السلطة، فإن لم يستطع فبلسانه، وهذا لأهل العلم والبصيرة الذين يستطيعون الإنكار باللسان، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.

والأمر الثالث: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شرعه الله تعالى لتحقيق مصلحة، وهي مصلحة الأمر والنهي وإزالة هذا المنكر ليحل محله المعروف، ولذلك قرر العلماء أنه إذا كان المنكر سيزول ويأتي محله منكر أعظم منه؛ فإنه لا يجوز إنكار المنكر في هذه الحالة، وإذا كان المنكر سيزول ويحل محله منكر مساو له؛ فالإنسان بالخيار بين أن يأمر وينهى وبين أن يترك.

والأمر الرابع الذي نريد أن نؤكده، وهو يهمك جدا: أن طائفة من العلماء يرون أن الإنسان إذا ظن أن إنكاره للمنكر لا فائدة من ورائه، وأن صاحب المنكر لن ينتهي، فإنه يسعه أن يترك هذا الإنكار، هذا قرره الإمام أبو حامد الغزالي الشافعي وجماعة من أهل العلم.

وأنت إذا شق عليك الأمر يسعك، ويمكنك أن تأخذي بهذا القول، فتمارسي النصيحة والتذكير حيث تظنين أنها مؤثرة ونافعة، ويسعك السكوت في المكان الذي ترين أنه لا فائدة من وراء الكلام، أو قد تأتي مفسدة أكبر من ذلك.

هذه نصيحتنا لك، ولا يجب عليك أن تتركي حياتك ومصالحك في الحياة الدنيا من أجل أن تتجنبي رؤية المنكر في طريقك، أو أثناء دراستك، أو غير ذلك؛ فإن العلماء لم يوجبوا على أحد أن يترك السعي في الأرض، أو يخرج إلى الأسواق لاكتساب رزقه والقيام بمصالحه بمجرد أنه سيرى منكرات.

فنحن نوصيك مجددا بضرورة التفقه في الدين ومعرفة ما يجب عليك وما لا يجب؛ حتى لا توقعي نفسك في الحرج والمشقة.

نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.

مواد ذات صلة

الاستشارات