السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سؤالي عن بر الوالدة وصلة الرحم: أمي كانت تطردني من البيت قبل أن أتزوج، وكنت أعيش عند جدتي رحمها الله، لم تترك شيئا إلا فعلته بي، حتى صرت أشك أنها أمي، فعلت بي أمورا لا أستطيع ذكرها خوفا أن تكون غيبة.
كلما حاولت أن أتقرب منها لله تؤذيني، حتى وصل بي الأمر إلى زيارات متكررة لطبيب نفسي، وعندما أحاول أن أكلمها فقط بالهاتف، تدخلني في الغيبة والنميمة، رغم أني ذكرت لها مرارا وتكرارا ما يترتب على هذا الفعل، ونهيتها بمزاح كي لا تغضب، أنا الآن اتخذت قرارا بألا أكلمها ثانية؛ لأنها زرعت الفتنة بيني وبين إخوتي، مما جعل أختي لا تكلمني، مع أنها كانت أقرب لي من ابني.
حقا لا أستطيع أن أتقرب منها مرة أخرى، فقد تعبت نفسيتي، وأنا لدي ابن أربيه وأهتم به، تتكلم عني وعن ابني وعن زوجي أمام الناس، وحتى مشاكلي تفشيها.
لا أعرف ما رأي الشرع في ذلك، وهل يجوز لي أن أهجرها كي لا أتأذى منها؟ مع العلم أن إخوتي وأبي وكل العائلة، حتى أخواتها، يعانون نفس ما أعانيه.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سمر حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أولا: أنا أقدر مشكلتك، وأعرف ما تعانينه، وهذا ابتلاء من الله تعالى، فقد يبتلي الإنسان بأقرب الناس إليه، ولذلك عليك بالصبر الجميل، لا سيما مع أمك، ولا تنسي أن الله تعالى قد أوصانا بالوالدين إحسانا، وخاصة الأم، قال الله تعالى: {وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا...} (الإسراء:23)، وقال تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا...}(الأحقاف:15).
والإحسان إلى الوالدين، كما قال القرطبي: "الإحسان إلى الوالدين برهما، وحفظهما، وصيانتهما، وامتثال أمرهما، وإزالة الرق عنهما، وترك السلطنة عليهما"، والأحاديث النبوية كثيرة في هذا الباب، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أبوك" متفق عليه، وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رضا الرب في رضا الوالدين، وسخط الرب في سخط الوالدين". رواه الترمذي.
ثانيا: ما ذكرت من إيذاء الوالدة لك بالألفاظ، فعليك بالصبر على هذه الألفاظ، والوالدان ليس كغيرهما، فقد أنزلهما الشرع الحكيم منزلة خاصة، وأوجب البر بهما، والإحسان إليهما، ولو كان كافرين مجتهدين في سبيل إضلال ولدهما، وصده عن الحق، ورده من الإيمان إلى الكفر، كما قال تعالى: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا) (لقمان: 15). فالمقصود من هذا كله بيان منزلة الوالدين، وحقهما على ولدهما، وأنه لا يجوز للولد أو البنت الإساءة إلى الوالدين، والسعي في إيذائهما، أو إلحاق الضرر بهما، وإن أساءا إليك، مع بيان عدم جواز ظلم الوالدين للأبناء والبنات على حد سواء، أوصيك بالصبر على كلام أمك لك، ولابنك، وزوجك، فالصبر عاقبته إلى خير ان شاء الله.
ثالثا: عزمك على عدم الكلام مع أمك، وأخذك لهذا القرار، وهو هجرها، لا يجوز شرعا، ولا عرفا، ومهما كان فهي في الأول والأخير أمك التي حملتك في بطنها، وعانت معك، ولا أحتاج إلى الإسهاب في هذا، فالإشارة تكفي إن شاء الله.
رابعا: حاولي التغاضي عن أفعال أمك لك؛ لأن أخذ هذه الأمور بحساسية يولد أمراضا نفسية؛ لأنك كما ذكرت صار الأمر عندك إلى زيارة متكررة لطبيب نفسي، فالصبر من صفات المسلم، وإذا فقد المسلم الصبر أتت عليه الأمراض النفسية، وقد أوصانا الله تعالى بالصبر، فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين} (البقرة:153)، وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له))، رواه مسلم، وأنت مأجورة وأجرك عظيم في الصبر على ظلم الوالدة لك، هداها الله.
خامسا: أما بالنسبة لأختك، فعليك بمناصحتها، والدفع بالتي هي أحسن، وعدم المقاطعة، وأنصحك أن تجعلي الوالد يصلح ما بينكما، فهو محل احترام الجميع، وكذلك لما تفعله أمك وكلامها عنك وعن زوجك وابنك، فهذا لا يجوز لها، وهو نوع من الظلم، ولكن مهما كانت الأمور، فعليك أن تفوضي أمرك إلى الله سبحانه وتعالى، لا يجوز لك هجرها، ولكن قللي من الزيارات لها ما دام أنها توثر عليك، ولكن دون هجر. وبالنسبة لما ذكرته من أن هذه المعاملة من أمك تشمل الوالد وإخوانك والعائلة، فعلى الوالد أن ينصحها بالتي هي أحسن، ويذكرها بالله تعالى وعاقبة الظلم.
نسأل الله أن يحسن أخلاقها معكم، ويؤلف بينكم جميعا، والله الموفق.