السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا صاحب الاستشارة رقم (2563274).
ما زال والدي يصر على إيذائي، إذ يريد أن يحل أزمة ببيع ما يملكه ليساعد إخوتي الصغار، لكني سمعته يقول عني: "يكفي أنه يأكل ويشرب".
أهذا جزائي؟ أهذا حقي أن أعيش كالأنعام؟ لماذا يفتح أبواب الشيطان علي؟ لماذا يفرق بيننا ويبعدني عنه؟ يريدني أن أسمعه وأطيعه دون نقاش، ويبخس حقي أمام إخوتي وأمام الأقارب وأمام الناس، وأنا أتحمل حتى لا يوقع الشيطان بيننا، فماذا أفعل أكثر من ذلك؟
وإذا افترضت أن ما يقوله مجرد كلام لن يتحقق لأمر ما في عقله، فلماذا يقول ذلك ويدخل الشيطان بيننا؟ الحقيقة أنني أمر بظروف سيئة، وضاقت بي الحال، ولم يفعل لي شيئا، ولم يساعدني، بل تخلى عني، نعم تخلى عني! تحدثت معه كثيرا كي يساعدني، ولم أضغط عليه في شيء، وراعيت ظروفه التي مر بها ومررنا بها معه.
والآن نوى أن يبيع، فلماذا يبخس حقي ويدخل الشيطان بيني وبين إخوتي وبيني وبينه؟ لماذا يؤذيني بكلامه؟ حتى في المعاملة يبخس حقي أمام إخوتي وأمام الآخرين.
أتحمل ما لا يتحمله إنسان عادي. لا أعرف معه سوى الهجر، لكني لا أقدر عليه، سمعت كثيرا عن مشاكل المواريث بين الإخوة، وعاهدت نفسي ألا أفعلها، وأن أبتعد عن فتنة المال بقدر ما أستطيع.
فهل الحل –إذا حدث هذا، وأرجو ألا يحدث– أن أترك حقي حتى لا نقف لبعضنا؟ الحقيقة أنني سأفعل ذلك ابتغاء وجه الله، لكنها ستكون أيضا قطيعة بيني وبينهم.
لماذا يجعلني أجرد نفسي؟ لماذا يضعني في هذا الموقف ولا يستجيب لنصيحتي ويصدني؟ أموري ضيقة، ولن يساعدنا أحد، وقد أخبرتكم سابقا أن الجميع ينتظر أن يشمت فيه، وأنا الذي أمنع ذلك من أن يحدث، والناس والأقارب لن يحلوا المشكلة، بل سيكتفون بالمشاهدة ويبتعدون عن المشاكل.
ويعلم الله أنني لا أريد أن يحاسبه الله على ظلمه لي، لكن لماذا أتحمل كل ذلك؟ هل علي أن أجرد نفسي من الدنيا؟ أليس لي حق مثل غيري؟ لماذا يضعني في موقف أكون أو لا أكون؟ يساعد إخوتي ولا يساعدني، عندما تخرجت أخبرني أنه لن يساعدني بعد التعليم، بينما كان إخوتي ما زالوا يدرسون، لماذا هذا الاستغلال؟
لقد انفطر قلبي كثيرا في حياتي، حتى قسا علي أخي الأصغر الذي كنت أحمله على كتفي وأوصله إلى المدرسة، ثم يفضل علي.
هل أغير مشاعري وأجعلها قاسية أمامهم؟ لكن كيف أجعلها قاسية وأنا أعاملهم بما يرضي الله؟ كنت أفضل الهجر، لكني لست مستقلا ماديا، ولم أفعل مثل من يقول: "سأبحث عن مصلحتي وسأنظر إلى نفسي"، فماذا أفعل؟
أرجو عدم إحالة سؤالي أو إخفاء الإجابة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Thewalker حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك مجددا -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالك كلها، وأن ييسر أمرك، ويكفيك بحلاله عن حرامه، ويغنيك بفضله عمن سواه.
أولا نؤكد – أيها الحبيب – ما سبق أن أوصيناك به في الاستشارة السابقة من ضرورة الصبر على والدك فيما لو أساء إليك، فإن الله تعالى أوصانا بهذا في كتابه العزيز، كما قال الله تعالى: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا}، وكنا قد ذكرنا لك هذا في الاستشارة السابقة.
والآن نضيف – أيها الحبيب – أنه لا بد لك أن تفهم حدود حقوقك على والدك؛ حتى لا يحاول الشيطان أن يغرس في قلبك النفرة والكراهية تجاه أبيك، فيما يوهمك أنه حق من حقوقك، وأن هذا الوالد قصر فيه أو ضيعه، وإذا علمت حدود هذه الحقوق، وأن كثيرا مما تتضايق منه من تصرفات والدك ليس مما يصفه الشرع بالتقصير أو الذنب، سيسهل عليك - إذا فهمت هذا- الشعور بالرضا تجاه والدك، ويخفف حزنك وألمك من تصرفاته.
وقد اتضح لنا – أيها الحبيب – من خلال السطور هذه التي سطرتها أن تضايقك من والدك وشعورك تجاهه بشيء من الكراهية والحزن هو أنه يريد أن يفضل إخوانك عليك فيما يعطيهم.
وبداية نقول: إن العطاء للأولاد يختلف باختلاف الحاجة، فالنفقات متفاوتة بين ولد وآخر، وعليه فإذا تصرف الوالد بأن أعطى أحدهم ما يحتاجه ولم يعط الآخر، فإن هذا ليس من التصرفات المحرمة التي منع الله تعالى منها الوالد.
ثم ينبغي أن تعلم أن المال الذي في يد والدك -المال الذي اكتسبه هو- هو ماله، وله حق التصرف فيه، ولا يجوز لإنسان أن يفرض عليه تصرفا معينا في ماله، والتفضيل بين الأولاد في الهبات والعطايا جائز عند أكثر المذاهب الإسلامية، وإن كان لا ينبغي للأب أن يفعله، ولا يستحب له ذلك، ولكنه من حيث الجواز جائز وإن كان مكروها.
إذا فهمت هذا سهل عليك أن تتفهم مواقف والدك، وأن تخفف الأمر عن نفسك، فهذه الأموال التي في يده ليست كسبك أنت، ولا هي أموالك أنت حتى تغضب إذا أعطاها والدك لأحد من إخوانك.
فنحن نوصيك بأن تتقي الله تعالى في نفسك، ولا تظلمها، فإن المعصية ظلم للنفس قبل أن يقع الظلم على الآخرين، فاتق الله تعالى في نفسك، وقف عند حدود الله تعالى، واعرف لوالدك حقه عليك، فإن حق الوالد عظيم، والإنسان لا يستطيع أن يجزي والده ويرد إليه جميله مهما فعل، كما قال الرسول ﷺ: لا يجزي ولد والدا فلا تستطيع أن تجزي والدك مهما أساء إليك، فإن أعظم نعم الله تعالى عليك نعمة الوجود في هذه الحياة، وهذه النعمة الكبيرة الجليلة كان سببها هذا الوالد.
لهذا نحن ننصحك بأن تتأنى، وتتريث قليلا، وأن تجاهد نفسك وتقاوم مشاعر الكراهية التي يحاول الشيطان أن ينفخها في قلبك بسبب تصرفات والدك.
إذا أردت أن توصل رسالتك إلى أبيك ليواسيك أو يعطيك، فحاول أن تأتي بالهدوء واللين، وحاول أن تستعين على والدك ببره، والإحسان إليه، والتودد إليه، ومحاولة التقرب منه، وإظهار حاجتك لما تحتاجه من إعانته، وحاول أن تستعين بمن لهم كلمة مقبولة عند والدك من الأقارب كأعمامك ونحوهم، وإذا لم يستجب الوالد لهذا ففوض أمورك إلى الله تعالى، واعلم أن الله تعالى قدير على أن يفتح أمامك أبواب الخيرات، فبرك بأبيك ووقوفك عند حدود الله تعالى لن يجلب لك إلا الخير والسعادة، فقد قال الله تعالى: {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا}.
واعلم أن رزقك قد كتبه الله تعالى قبل أن تخرج أنت لهذه الأرض، فلن يصل إليك إلا ما قدره الله تعالى لك، وما قدره الله تعالى لك من الرزق فلن يستطيع أحد أن يحرمك منه، فالله تعالى هو الرزاق، وهو الذي قسم الأرزاق بين العباد.
فتوجه بقلبك إلى الله، واسأله -سبحانه وتعالى- أن يقضي حاجاتك، ويعينك على بر أبيك، ويلين قلب والدك تجاهك.
هذه نصيحتنا لك حتى لا تضيق على نفسك الأمر الواسع، وتعيش في كرب نفسي وحزن لغير موجب يقتضيه.
نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.