السؤال
السلام عليكم.
خطبني شخص تاب عن ذنوب كان يعملها في السابق، لكنه عندما يرى أو يعلم بأي شيء عن شخص ما، فإنه لا ينسى، ويبدأ بالتحدث به أيضا، إضافة إلى أنه لا يحب سماعي عندما أريد أن أذكر له ما قالته لنا مدرسة القرآن عن أي فعل خاطئ هو يقوم به، على الرغم من أنه قال لي: بأنه يريدني أن أساعده حتى يسير في الطريق الصحيح، وعلى هذا الأساس قبلت به؛ لعله أن يكون سبب الأجر عند ربي، لكن تصرفاته تجعلني أتراجع.
أنا في حيرة من أمري، وقد صليت الاستخارة مرتين، ولا أعرف هل أكمل أم أنفصل عنه؟ ولقد لاحظت أن عائلته في بداية الخطبة كانوا يريدون تزويجه بسرعة، وفي أقرب وقت، ولكنهم تأخروا 3 سنوات، فهل يمكن أن أعتبرها علامة على الاستخارة؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختي الفاضلة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لما فيه صلاح القول والعمل.
أختي الكريمة: التوبة ليست مجرد كلمات تقال، بل هي تغير حقيقي في السلوك، والأفعال، والأقوال، والتوجهات، وهذا هو جوهر التوبة وحقيقتها، كما أن التائب قد يصعب عليه الانتقال الكامل والفوري من حال إلى حال، وخاصة إذا كان قد ابتعد عن طريق التوبة مدة طويلة؛ فالتخلص من العادات القديمة يحتاج إلى وقت، وصبر، ومجاهدة.
المهم في هذه المرحلة وجود رغبة صادقة، وتوجه جاد، وسعي لإصلاح النفس، مع منح النفس وقتا كافيا لقياس صدق هذا التوجه بشكل عملي وواضح، وهذا جانب أساسي عند اتخاذ قرار الاستمرار في الخطبة أو إنهائها، ومن أجل ذلك سنضع لك بعض النصائح التي نسأل الله أن ينفعك بها:
أولا: راقبي خلال فترة الخطبة سلوكيات هذا الشاب، وطبيعة علاقاته، ومعارفه، واهتماماته متابعة دقيقة؛ كمحافظته على الصلاة، ومجالسة الصالحين، وترك أماكن الفساد ونحوه؛ فهذه الأمور تعكس توجهه الجديد، ومدى جديته في الالتزام، وترك الماضي السلبي.
ثانيا: لا تدفعي نفسك إلى قرار عاطفي، أو تسلمي حياتك لوعود فقط؛ فالزواج حياة مشتركة تمتد لعمر كامل، إما أن تكون قائمة على الاستقرار، والمودة، والرحمة، أو تسير في اتجاه آخر لا ترضينه؛ لذلك تجنبي التسرع في الزواج، أو اتخاذ قرار متعجل قبل دراسة الأمر من جميع جوانبه.
ثالثا: عدم رغبته في سماع توجيهاتك يحتاج إلى فهم سببه بوضوح، ولكن بطريقة غير صادمة أو بطريق الاتهام، كأن تقولي له مثلا: "ألاحظ أنك تنزعج عند طرح هذه الموضوعات، فما السبب؟" فإن قدم لك تفسيرا مقنعا، فقد يكون ذلك نابعا من رغبته في الهروب من تذكر الماضي، وهذا قد يكون أمرا إيجابيا، ولا يدل بالضرورة على رفضه للتوجيه أصلا، ويمكن التحقق من ذلك بمراقبة تقبله للنصائح الدينية العامة، والتوجيهات الأخلاقية؛ فإن كان يتقبلها فهذا مؤشر على أنه ينفر فقط من كل ما يعيده إلى ماضيه، وهذا في حد ذاته قد يكون مؤشرا حسنا.
رابعا: رغبتك في مساعدته على الالتزام، والأخذ بيده أمر نبيل ومحمود، وتؤجرين عليه إن أخلصت النية لله تعالى، لكن من المهم مع ذلك التأكد من أن رغبته في التغيير صادقة، وليست مجرد اندفاعات عاطفية تسبق الزواج، ويمكن التأكد من ذلك بإعطاء فترة الخطبة وقتا كافيا للتعارف الحقيقي بينكما، مع الالتزام التام بالضوابط الشرعية خلال فترة الخطبة، وعدم تجاوزها.
خامسا: دعاء الاستخارة من أهم ما يلجأ إليه المسلم في مثل هذه القرارات، لكن مع الاستخارة لا بد من بذل الجهد في دراسة الواقع والظروف، وبذل الأسباب المتاحة لمعرفة مدى نجاح العلاقة، ونتيجة الاستخارة ليست علامات حسية ظاهرة، بل هي شعور بالاطمئنان، وارتياح قلبي حتى عند عدم تيسير الأمور، وعدم القلق عند حدوث ما لا نحب، كذلك انشراح الصدر لما يقدره الله تعالى.
أخيرا –أختي الفاضلة–: الزواج ليس مجرد باب أجر فحسب، بل هو سكن، وطمأنينة، فإن كان اختيارك مبنيا على نية صادقة فهذا خير، ولكن لا ينبغي أن يكون على حساب سعادتك، وأمانك النفسي.
اجتهدي في النظر إلى الأمر بواقعية، وابتعدي عن المبالغة في تقدير المشاعر، وانظري إلى الأمور بنظرة متوازنة؛ فإن وجدت صدقا ظاهرا في توبته، واستعدادا حقيقيا للتغيير، وتقبلا صريحا للنصيحة، فاستمري بشرط أن يكون ذلك واضحا وملموسا.
أما إن لاحظت أنه لا يتغير، ولا يقبل التوجيه، ويتركك في قلق وحيرة دون تفسير منطقي، أو مبرر واضح لسلوكياته؛ فالأفضل أن تختاري ما يطمئن قلبك، ويحقق لك الاستقرار في المستقبل؛ فالقرار مصيري، ويحتاج إلى ترو وحكمة.
استمري في الاستخارة والدعاء، وأكثري من التضرع إلى الله تعالى أن يختار لك الخير، وييسر لك الزوج الصالح، ولا تنسي الصدقة والأعمال الصالحة؛ فهي مما يجلب السكينة، ويعين القلب على التفكير المتزن والموضوعي.
وفقك الله ويسر أمرك.