السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب أبلغ من العمر 21 عاما، ورغم ما أتمتع به من حكمة ورجاحة عقل وقوة شخصية بين أقراني، إلا أنني عندما أتعرض لتوبيخ من أحد الأقارب الأكبر مني بفارق سني واضح، حتى لو كان الأمر بسيطا أو كنت على حق؛ يتلعثم لساني وتدمع عيناي بشكل لاإرادي، حتى وإن كنت المسيطر على النقاش وصوتي أعلى وأنا الأكثر هجوما!
لا أعرف لماذا تنزل هذه الدموع؟ وأصبح كأنني طفل يبكي، ومثال ذلك: إذا حدثت مشكلة بيني وبين أمي وحاول أبي أن يصلح بيننا، فإنني أثناء حديثي عن مظلمتي أبكي.
هذا الأمر يضايقني كثيرا؛ إذ أشعر أنه لا يليق بي كرجل، ولا أعلم إن حدثت مشادة كلامية بيني وبين أحد الكبار من غير الأقارب كيف سيكون حالي، هل سيكون مشابها لما يحدث مع الأقارب، أم أن الأمر يقتصر عليهم فقط؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نشكرك على تواصلك معنا، وثقتك بموقعنا، ونسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن ينفعك بما ننصحك به.
لقد قرأت رسالتك بعناية، وتلمست فيها نضجك وحرصك على كمال شخصيتك؛ وهذا بحد ذاته دليل على رجاحة العقل التي ذكرتها، إن ما تشعر به من ضيق بسبب دموع الموقف أمر يمر به الكثير من الشباب والرجال، ولعله يحمل في طياته معاني إيجابية قد تخفى عليك بسبب شعورك بالإحراج، وسنحاول معا تفكيك هذا الموقف لفهمه وعلاجه.
أولا -أخي الكريم-: سرعة دمعتك في مواقف العتاب مع الأقارب والوالدين ليست دليلا على ضعف الشخصية كما يصور لك القلق الداخلي، بل هي غالبا مؤشر على أمرين عظيمين:
• الأمر الأول: رقة القلب وحساسية الضمير، وهي صفة ممدوحة في الإسلام، فقد كان الصديق أبو بكر -رضي الله عنه- رجلا أسيفا (أي سريع البكاء)، ومع ذلك كان من أثبت الرجال وأقواهم شكيمة في الحق.
• الأمر الثاني: عظم مكانة الأهل في قلبك؛ فأنت تبكي لأن عقلك الباطن يعيش صراعا عنيفا بين رغبتك في الدفاع عن نفسك وإثبات حقك، وبين قيمة توقير الكبير وبر الوالدين المزروعة فيك؛ هذا الصراع يولد ضغطا عاطفيا يخرج على شكل دموع، وهذا ما يفسر حدوث ذلك مع الأقارب تحديدا دون غيرهم.
ثانيا: من الناحية النفسية:
ما تمر به يسمى أحيانا (بكاء الإحباط) أو (بكاء الغضب المكبوت)، فعندما يوبخك شخص تحترمه وتهابه -كالأب أو القريب الكبير- يرسل دماغك إشارات متناقضة: إشارة للهجوم والدفاع عن النفس، وإشارة للكبح والاحترام، وهذا التصادم يؤدي إلى تفعيل الجهاز العصبي الودي (Sympathetic Nervous System) مما يسبب انقباض الحنجرة والشعور بالغصة، ونزول الدمع كوسيلة لتفريغ الشحنة العاطفية الزائدة.
إذا: هي ليست طفولة، بل استجابة فسيولوجية لضغط عاطفي ناتج عن الاحترام المفرط أو الحب العميق للطرف الآخر.
ثالثا: هل يمكن أن يحدث هذا مع الغرباء؟
الجواب على سؤالك المقلق: في الغالب لا، فالتعامل مع الغرباء يفتقد إلى العنصر العاطفي العميق الموجود مع الأهل والأقارب، أما مع الغريب فلا يوجد ذلك الرابط القائم على المحبة أو واجب التوقير الأسري الذي يضغط على مشاعرك؛ ولذلك تكون أكثر قدرة على الرد والمواجهة بثبات وهدوء أعصاب؛ لأن الصراع الداخلي بين الحب والدفاع عن النفس غير حاضر في هذه الحالة.
رابعا: خطوات عملية للتحكم في هذا الانفعال:
1. تقنية التنفس العميق لحظة التوتر: بمجرد أن تشعر ببدء الموقف المتوتر أو بداية الغصة في حلقك، توقف عن الكلام فورا، وخذ نفسا عميقا وهادئا من الأنف، واحبسه لثوان، ثم أخرجه ببطء؛ فإنك بهذا الفعل ترسل رسالة للدماغ بأنك في أمان، وبالتالي يقلل من تشنج الحنجرة.
2. ذكر نفسك دائما بالقول: "دموعي ليست ضعفا، هي تفاعل جسدي فقط"، لأن تقبلك للدموع يقلل من توترك، بينما محاولتك المستميتة لمنعها تزيد من الضغط النفسي وتجعلها تنهمر بغزارة أكبر.
3. إذا شعرت أن العبرة خنقتك أثناء النقاش: لا تستمر في الحديث وأنت تبكي وتتلعثم؛ فهذا ما يشعرك بالطفولة، وبدلا من ذلك: انسحب بذكاء، أو اصمت بنظرة احترام، ويمكنك أن تقول بهدوء: "أحتاج دقيقة لأهدأ لأنني أكن لكم احتراما كبيرا، ولا أريد أن يخرج مني ما يغضبكم"، ثم اصمت حتى تستعيد توازنك.
4. قبل الدخول في نقاشات مع الأهل: هيئ نفسك مسبقا، وقل لنفسك: "أنا رجل، أحترم الكبير، ولكن لي رأيي المستقل، إذا وبخوني سأسمع ظاهريا ولن أجعل الكلمات تجرحني داخليا".
أخيرا -أخي الفاضل-: أنت في مقتبل العمر، وهذه المشاعر ستهدأ وتستقر مع كثرة التجارب والاحتكاك بالحياة، فلا تجعل هذا الأمر يهز ثقتك بنفسك، فأنت كما وصفت نفسك راجح العقل قوي الشخصية، وهذه الدموع هي ضريبة القلب الحي المحب لأهله.
نسأل الله أن يربط على قلبك، ويزيدك قوة وحكمة، وأن يجعلك بارا بوالديك، موفقا في حياتك.