السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة في الخامسة والعشرين من عمري، نحيفة جدا منذ صغري، (طولي 160 سم، ووزني 40 كجم) عانيت كثيرا من انتقادات الناس حول جسمي ونحافتي طوال حياتي، حتى من المقربين، هذه الانتقادات جعلتني أشعر بالنقص والخجل، وأثرت كثيرا على ثقتي بنفسي.
أخاف من الزواج قبل أن يزيد وزني؛ لذلك أرفض كل من يتقدم لي، ليس خوفا عابرا، بل خوفا عميقا من ردة فعل الزوج عند رؤيتي لأول مرة، أعلم أن خوفي هذا مرتبط بضغط المجتمع ومعاييره الظالمة، لكن حتى وعيي بذلك لا يمنع شعوري بالخوف والقلق.
أنا فتاة على قدر من الدين والأخلاق -والحمد لله-، نسأل الله الثبات، وملامحي مقبولة، ومع ذلك أشعر أن نحافتي قد تجعلني "غير مقبولة" في نظر الناس، رغم أنني أعلم أن الله لا يظلم أحدا، وأن رزقي وشريك حياتي مكتوب لي.
أريد أن أثق وأرضى عن نفسي، وأتقبل نفسي كما أنا، دون أن أكون رهينة توقعات المجتمع، أو خوفا من شكل جسدي، كيف أستطيع أن أتجاوز هذا الخوف وأثق بأن الله كتب لي الزوج الذي يقدرني ويحبني على حقيقتي، وليس من أجل جسدي فقط؟
جزاكم الله خيرا على نصائحكم وإرشادكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ لبنى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
ابنتنا الكريمة: بداية نشكر لك ثقتك في طلب الاستشارة من موقعكم إسلام ويب، ونسأل الله أن يطمئن قلبك ويشرح صدرك. إن ما تعانينه من مشاعر هو أمر مفهوم وطبيعي، بعد سنوات من التعليقات المؤذية التي تلقيتها وأنت صغيرة، فهذه الكلمات تترك أثرا في النفس؛ حتى ولو كبرت ووعيت بأنها غير عادلة.
نحافتك ليست عيبا، ولا تنتقص من قدرك، والله تعالى لا يزن الناس بأجسادهم، بل بقلوبهم وأعمالهم، ورزق الزواج مكتوب لا يمنعه شكل ولا هيئة، وإنما يأتي في وقته، ومع من قدر الله له أن يراك بعين المودة، لا بعين النقد.
أما عن خوفك من الزواج فهو ليس دليل ضعف، بل انعكاس لتجارب مؤلمة زرعت داخلك شعورا بالنقص، ولذلك أصبحت العلاقة بين "الجسد" و"الرفض" مترسخة في نفسك، رغم أنها غير صحيحة في الواقع، فليس هناك من رفضك بسبب نحافتك، وإنما أنت التي سبقت الأحداث خوفا مما قد يحدث.
ومن المهم أن تدركي أن معايير الجمال نسبية، وكثير من الرجال يميلون للارتباط بالفتاة النحيفة، فمن معايير الجمال في عصرنا هذا الرشاقة -كما تعلمين-، وفي النهاية الرجل الصالح يبحث عن الدين والأخلاق والراحة، وقد منحك الله قدرا طيبا منها وصيانة في نفسك، وهذه النعمة أعظم من كل معيار شكلي.
لتجاوز هذا الخوف تحتاجين إلى مصالحة هادئة مع ذاتك، تبدئين فيها بإعادة النظر إلى تلك الجراح القديمة، بوصفها كلمات بشرية لا تحدد قيمتك، ومع الوقت تبنين صورة جديدة عن نفسك، قائمة على الرضا والثقة بأن الله اختار لك خلقتك لحكمة.
تستطيعين دعم هذه الرحلة بخطوات بسيطة، مثل: الاهتمام بصحتك، وزيارة مختصة تغذية إذا رغبت في زيادة وزنك، لا لأنك غير مقبولة، بل لأن ذلك يمنحك طمأنينة، كما يمكنك أن تدربي نفسك على تقبل فكرة الزواج تدريجيا، دون أن تفري منها دفعة واحدة؛ فقبول أمر الزواج يعد خطوة تساعدك على مواجهة مخاوفك دون ضغط.
احرصي أن ترددي في نفسك أن الزوج الذي كتبه الله لك لن يرى نحافتك عيبا، بل سيقبلك كما أنت، بل إن حبه سيكون نابعا مما تتميزين به من خلق ودين وصفاء قلب، وهذه الصفات هي التي تدوم، وهي التي تجذب القلوب حقا، وإن وجدت أن القلق يضغط عليك أكثر مما تحتملين، فجلسات بسيطة مع مختصة نفسية قد تساعدك على تجاوز هذا الخوف بسرعة وفاعلية.
اطمئني -يا ابنتي- فما دمت قد أحسنت قلبك وخلقك، فسيأتيك من يقدرك لحقيقتك، ويرى جمالك بعين الرضا التي يضعها الله في قلب من اختاره لك.
نسأل الله أن يؤنس قلبك ويرزقك الزوج الصالح، وأن يكتب لك السكينة والسعادة في الدنيا والآخرة.