السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
توفيت ابنتي غرقا في المسبح؛ فقد خرجنا إلى مزرعة وغرقت حين غفلت عنها، كانت نائمة بالقرب من المسبح حتى آخر لحظة وكنت أنظر إليها، لكن شاء القدر أن أذهب لأتفقد أخاها الأكبر.
ابنتي عمرها ست سنوات، والأكبر سبع سنوات، كان إحساسي ينبئني بوقوع خطب ما، لكن القدر كان أقوى مني، ذهبت لأوقظ ابنتي كي نعود للمنزل فلم أجدها، بحثنا عنها ثم وجدناها في الماء، ولم تكن قد فارقت الحياة بعد؛ فصدق إحساسي وانقبض قلبي، نقلناها إلى المستشفى، لكنها لم تتحمل وفقدتها، في تلك اللحظة لم أستطع البكاء، بل حبست دموعي؛ كنت أريد البكاء ولكنني عجزت.
الآن أتذكر أنني لم أحضنها حينها، ولا أدري لماذا! الندم يسيطر علي؛ تارة لأنني لم أتنبه لها، وتارة أخرى لأنني لم أحضنها إلا وقت تكفينها، حين قبلت جبينها البارد واحتضنت رأسها!
أشعر بندم شديد يقتلني ويتملكني، لم أعد أعرف النوم، وهي لا تأتيني في المنام، كانت هي الأحب إلى قلبي بين إخوتها والأقرب إلي؛ لأنها الأصغر والأكثر حنانا.
أريد أن أعرف سبب عدم قدرتي على البكاء، ولماذا لم أحضنها؟ أشعر بندم شديد!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك -أختنا الفاضلة- عبر استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك معنا بهذا السؤال الذي أحزننا حقيقة، لا أقول فقط (رحم الله ابنتك)، فهي طفلة صغيرة، والله أرحم بعباده، ولكن أقول: صبرك الله وأعانك على هذا الابتلاء العظيم، نعم، إن فقد أحد الأبناء أو البنات أمر غير سهل، كان الله معكم في هذا المصاب.
أختي الفاضلة: تختلف طرق تفاعل الناس مع الابتلاءات ومع الأحداث الصادمة بطرق شتى، ومن هذه الطرق أن الإنسان -ومن هول المصيبة- ربما لا يتصرف بالطريقة التي يتمناها أو يفكر فيها بعد أن يمر بعض الوقت، وهذا يمكن أن يفسر أنك لم تحتضنيها في وقتها، وربما كان ذلك لهول المصاب عليك وشدة هذه الصدمة، وخاصة عندما علمت من سؤالك كم كانت قريبة منك، وأنها الأصغر بين أولادك، كان الله معك وصبرك وكتب لك الثواب العظيم، وبإذن الله تعالى تكون ابنتك رفيقة لك في الجنة برحمة الله تعالى وعفوه وفضله.
أختي الفاضلة: أتوقع أن هذا المصاب سيبقى في الذهن دوما، ولكن الحياة -كما تعلمين- يجب أن تستمر، بغض النظر عن الابتلاءات، وبغض النظر عن الذين نفقدهم في حياتنا، وهذه أيضا نعمة من الله -عز وجل-، وإلا لصعبت علينا الحياة.
أقول: إن ابنتك ستبقى في ذهنك تفكرين فيها، إلا أن الشعور بالندم لن يفيد كثيرا في هذا الحال، وإنما يؤذيك من الداخل، فحاولي -يا رعاك الله- أن تخففي من هذا الندم بأن تتذكري اللحظات الطيبة مع ابنتك، والتسليم لأمر الله، فكل شيء في هذه الدنيا مقدر، فسلمي لأمر الله الذي أراد أن يبتليك، ولا تجعلي للشيطان عليك سبيلا في تردد مشاعرك، فسوف يحزنك ويشعرك بالندم لأنك لم تحتضنيها وهذا المدخل للشعور الآخر هو أنك لم تنتبهي إليها، ولو شاء الله أن تنتبهي لانتبهت؛ لذلك موضوع الإيمان بالقدر عظيم، وبمعرفته وإدراكه يخف بعض الحزن الذي تشعرين به.
أيضا أنصح عادة بأن تتحدثوا عن هذه الطفلة؛ فمن الأخطاء أن يتجنب الناس الحديث عن الذين فقدناهم، والعكس هو الأنسب: أن تتحدثوا عنها -رحمها الله- بأن تتذكروا تصرفاتها، وما كانت تحب، وكيف كانت تتصرف؛ فكل هذا يعينك ويعين بقية أفراد أسرتك على التكيف مع هذا الفقدان، والذي أؤكد أنه ليس بالأمر السهل، إلا أن هذا يمكن أن يعين.
ولا شك أن التفكير في أنها سبقتنا إلى جنة الخلد أمر يخفف عنا فقدان الأحبة، فبارك الله فيك، وحفظ أولادك، وجزاك الله كل خير، أولا عما قدمت من إنجاب الأطفال وتربيتهم، ومن ثم كيف ستتابعين حياتك ورعايتك لأبنائك الآخرين، متمنيا لكم تمام الصحة والعافية والتعافي، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.