السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا طالبة في الثانوية العامة، وقد خضعت للامتحانات في الأيام الأخيرة، يشهد الله ثم يشهد جميع المدرسين والمدرسات وأهلي وصديقاتي، كم بذلت من جهد وتعب؛ أستيقظ لأدرس، وابتعدت عن كل الملهيات واللذات والمغريات، وتصدقت طلبا للأجر والدرجة، والتزمت بالصلاة، وقمت بأعمال ومساعدات كثيرة، من أجل الحصول على الدرجة الكاملة.
لكن مع الأسف، في كل امتحان أخطئ في سؤال بسيط جدا، بينما تحتار الدفعة كلها في أصعب الأسئلة، ويكون الخطأ عندي في أبسط سؤال، وهذا يتكرر في كل امتحان، فما الأمر؟ هل هو ابتلاء؟
رغم أنني دعوت الله بهذا الدعاء منذ سنين عديدة، إلا أنه لم يتحقق، فما الحكمة؟ ومتى يكون العوض؟ وكيف يعوضني الله؟ وهل هذا غضب من الله علي، أم أنه سيعوضني؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جود .. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نشكرك -ابنتنا الكريمة- على تواصلك معنا، وثقتك بموقعنا.
أتفهم تماما مدى الألم والإحباط الذي تشعرين به، ولقد لفت انتباهي جهدك العظيم وتضحيتك بكل الملذات من أجل هدفك، وشهادة الجميع بصدق اجتهادك، ومن الطبيعي جدا أن تشعري بالضيق عندما لا تتوافق النتائج مع مقدار التعب المبذول، خاصة عندما تكون الأخطاء في أبسط الأسئلة، فأنت مثال للطالبة المجتهدة، وعملك الصالح وتفانيك في العبادة والصدقة هو في ميزان حسناتك عند الله، بغض النظر عن نتيجة الامتحان.
ابنتي الكريمة: يمكن أن ننظر إلى هذا الأمر من زاويتين عميقتين تلامسان المعنى الوجودي والإيماني:
1. قد يكون ما يحدث هو نوع من الابتلاء لحكمة يريدها الله، ليست اختبارا لقدراتك المعرفية بقدر ما هو اختبار لصبرك، وتوكلك، ورضاك بقضاء الله، فقد قال النبي ﷺ: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له.
هذه الأخطاء البسيطة التي تحزنك قد تكون هي الوسيلة لرفع درجتك في الآخرة وتكفير سيئاتك، وقد تمنع عنك ضررا لا تعلمينه لو تحقق لك المطلوب تماما.
2. بالنسبة لدعوتك التي طال أمدها ولم تتحقق بعد، تذكري أن الله عز وجل حكيم عليم، فإن تأخير الإجابة ليس دليلا على غضب منه سبحانه وتعالى، بل قد يكون لحكمة عظيمة، فالله تعالى إما أن يستجيب لك كما دعوت، أو أن يدخر لك الأجر في الآخرة وهو خير وأبقى، أو أن يصرف عنك من السوء مثلها، فقد قال رسول ﷺ: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها.
نصيحتنا لك تتوزع بين الجانب العملي النفسي والجانب الإيماني، وسوف تعينك -بإذن الله- على تجاوز هذه المرحلة:
• دعينا نتحدث عن تحديد الجذر النفسي للخطأ البسيط، إن الخطأ في الأسئلة البسيطة جدا غالبا ما يكون سببه هو القلق الزائد، أو الاستعجال، أو ما يسمى في علم النفس بـ"block" الناتج عن ضغط التوقع المرتفع (أنني يجب أن أحصل على العلامة الكاملة) في هذه الحالة عليك بالتأني وقراءة السؤال مرتين، وقبل الإجابة حاولي أن تبطئي نفسك بشكل واع لثوان، وتذكري نفسك: (هذا سؤال بسيط، سأقرؤه بتركيز خال من الاستعجال)، ثم راجعي إجابتك سريعا للتأكد من أنها تتناسب مع المطلوب البسيط.
• هدفك هو أن تكوني طالبة صالحة ومجتهدة، وهذا تحقق بجهدك وتوكلك، لا تجعلي هدفك هو الدرجة الكاملة فقط، بل اجعلي هدفك الأكبر هو بذل الجهد وإرضاء الله، هذا التغيير في النية يرفع عنك عبئا نفسيا هائلا.
• لا نريد أن نسقط في فخ الإسقاطات التشخيصية، ولكن للأمانة والموضوعية، إذا استمر هذا القلق في تدمير نتائجك رغم الاجتهاد المفرط، فقد يكون من الحكمة أن تستشيري أخصائية نفسية سلوكية؛ لمعالجة قلق الاختبار بتمارين عملية محددة.
• اللجوء إلى الله عز وجل بالدعاء والذكر والتوكل عليه أمر لا بد منه، فاجعلي وردك من قراءة القرآن والسجود وسيلة لطرد القلق، لا وسيلة لشراء الدرجة، والهدف هو السكينة الداخلية، والسكينة هي مفتاح التركيز، فإن الله تعالى يقول: ﴿الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾ (الرعد: 28).
• تدربي على معنى هذا البيت الشعري:
بصرت بالراحة الكبرى فلم أرها ** تنال إلا على جسر من التعب
فأنت بذلت التعب، والراحة الكبرى قد تكون في الرضا بأن الله اختار لك نتيجة، ربما كانت خيرا لك من الدرجة الكاملة التي لا تعلمين ما قد يترتب عليها من فتنة.
متى العوض وكيف يعوضك الله؟
العوض آت لا محالة، فالله لا يضيع أجر المحسنين، العوض قد يكون في صور متعددة:
1. البركة في العلم: يفتح الله عليك في تخصص آخر، أو في فهم أعمق للعلم الذي تدرسينه.
2. التوفيق في المستقبل: تكون درجتك كافية لدخولك تخصصا قدريا هو الأفضل لك، وتجدين فيه سعادة لم تكوني تتوقعينها.
3. العوض الأخروي: الأجر المدخر من كل شعور حزن ولد من عملك وجهدك الصادق، وهو أعظم أنواع العوض.
• اطمئني، ليس هذا غضبا من ربك أبدا، بل هو اختيار وتدبير، فأنت على خير، ما دمت مجتهدة في طاعة ربك وفي دراستك.
نسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يهديك سواء السبيل، وأن يرزقك السكينة والتوفيق في الدنيا والآخرة.