السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سؤالي: كيف أتخلص من الذكريات السيئة والمؤلمة المرتبطة بالأشياء؟ فأنا خلال حياتي تعرضت للإهانات والإساءات والسب، وغيرها من قبح الأخلاق في كافة المراحل: من المدرسة، وقيادة السيارة في الشارع، وفي العمل وغيرها، وأنا -ولله الحمد- عالجت جزءا كبيرا من الماضي، سواء بالمسامحة والعفو عنهم، أو بدعوة المظلوم، أو بتأجيل بعض الوقائع ليوم القيامة لأشتكيهم أمام الله سبحانه.
بقيت مسألة واحدة لم أستطع حلها إلى الآن، وهي المواقف المرتبطة بالأشياء، وللتوضيح: عند حصول موقف سلبي تعرضت فيه للتجريح والإهانة، وأكون حينها قد رششت عطرا معينا، أو وضعت رائحة فواحة في السيارة، أو لبست نوعا محددا من الملابس، أو أكلت نوعا من الطعام؛ ترتبط هذه الأمور بالموقف نفسه، بعد فترة عندما أشتري العطر نفسه، أتألم بمجرد شم رائحته؛ بسبب ارتباطه بالموقف المؤلم، وعند تناولي للطعام نفسه أتألم؛ لأنه مرتبط بذكرى آلمتني كثيرا، فيتألم جسدي ويتأثر بتلك الذكرى، وهكذا.
طبعا أنا أتحمل جزءا من مشكلتي؛ لأنني في جميع المواقف السلبية أكون جبانا وغير قادر على الدفاع عن نفسي، ولا أستطيع أن آخذ حقي، فأرجع إلى المنزل وأمضي ساعاتي ويومي وحياتي وأنا أفكر في الموقف الذي حصل: "ليتني فعلت كذا وكذا"، فأندم وأتحسر وألوم نفسي لأنني تعرضت للإهانة، ومضت بي السنوات على المنوال والنمط نفسه.
أطلب منكم -تكرما- علاجا تفصيليا للحالة، وما هو المطلوب مني؟ فأنا لدي عطر أحب رائحته، لكنني كلما تذكرته أو رششته أتألم وكأن شراييني تتقطع، رغم مضي سنوات على الموقف السلبي.
شكرا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبدالعزيز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك -أخي الفاضل- عبر استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك معنا بهذا السؤال، والذي ربما يشير إلى ثلاثة أمور:
الأمر الأول: -وقد تجاوزته إلى حد كبير، وأنت تعمل على تجاوزه- هو موقفك من الذين أساؤوا إليك في حياتك كما ذكرت، سواء في المدرسة أو في مواقف أخرى، فأنت في تعاملك مع هؤلاء الناس، إما أنك قمت بمسامحتهم والعفو عنهم، أو دعوت الله -عز وجل- دعوة المظلوم، أو تؤجل موقفك منهم ليوم القيامة، يوم نقف جميعا بين يدي الله سبحانه وتعالى، وهذا من حقك، بارك الله فيك.
الموضوع الثاني: -وهو ينم عن وعي جيد بالصحة النفسية- أنه حصل عندك ارتباط لا شعوري، نسميه (المنعكس الشرطي) بين هذا العطر الذي تفضله وبين مواقف مؤلمة مررت بها، فهذا -أخي الفاضل- أمر معروف في الصحة النفسية؛ أن أمرا معينا -أو حاسة معينة: كالذوق أو الرائحة أو النظر، إلى آخره، ترتبط بموقف معين، فكلما تعرضنا لهذه الحاسة -كالشم عندك، أو تذوق بعض الأطعمة- تتبادر إلى ذهنك المواقف المؤلمة التي تعرضت لها.
أخي الفاضل: وعيك بهذا الارتباط من شأنه أن يعينك مع مرور الوقت على تجاوزه، وباعتقادي سوف تشعر من خلال الزمن أن هذا الارتباط بدأ يخف، وهنا أدعوك إلى أن تحاول إعادة ربط هذه الرائحة ومذاق هذه الأطعمة بشيء إيجابي؛ فلا مانع من أن تشتري هذا العطر المفضل لديك، ولكن كلما شممته حاول أن تفكر بمواقف مفرحة سعيدة، وبذلك تفك الارتباط السلبي السابق، وتربط هذه الرائحة -أو ذوق هذه الأطعمة- بذكريات إيجابية لتحل محل الارتباط السلبي.
أما النقطة الثالثة في سؤالك: فهي تشير إلى حساسية شديدة عندك، لا أقول جبنا، ولكن حساسية وربما بعض الخجل الاجتماعي، فعندما تمر بموقف محرج تجد صعوبة في الدفاع عن نفسك أو المطالبة بحقك، ولكن بعد أن يمر الوقت وتعود إلى المنزل تلوم نفسك على أنك لم ترد بطريقة معينة.
أخي الفاضل: علاج هذا الموضوع هو أن تدرب نفسك على أن تحاول قدر الإمكان -بالرغم من صعوبة الأمر في البداية-، إلا أنك ستعتاد عليه ويصبح الأمر سهلا عليك، وهو أن تحاول قدر الإمكان عندما تمر بموقف محرج يتطلب منك التدخل، أن تحاول قدر الإمكان أن ترد أو تحاول أن تعبر عما في نفسك في الوقت المناسب، متذكرا -أخي الفاضل- أنك عندما تعبر عما في نفسك فأنت لست بالضرورة تعرض الناس الآخرين إلى الأذى أو الضرر.
فمن المهم أن ترعى نفسك وتعبر عما تشعر به، وطالما أنك تفعل ذلك بلغة مؤدبة فلا حرج في هذا، ولا ينبغي أن يمنعك من ذلك توقع ردود أفعال الآخرين؛ فهذه مشكلتهم وليست مشكلتك، إذا شعرت بالرغبة في التعبير عن نفسك بطريقة معينة فقم بها، ومن خلال الوقت ستنمو عندك هذه المهارة حتى تتجاوز هذه الصعوبة.
أدعو الله تعالى أن يوفقك ويعينك على تغيير ما تريد، ولا تنسنا -أخي الفاضل- من دعوة في ظهر الغيب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.