السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعاني من السحر، وكل من يأتي لخطبتي لا تتم الخطبة، والآن عمري 32 سنة، وقد ذهبت إلى راق فسألني كثيرا من الأسئلة، وقال إن عندي سحرا مأكولا ومشروبا ومعلقا ومرشوشا، إضافة إلى العين والحسد، ثم رقاني وأعطاني علاجا عبارة عن حليب وعسل أخلطهما وأشربهما على الريق ثلاث مرات في اليوم، مع زيت زيتون مقروء عليه؛ للأكل على الريق، ودهن الجسم قبل النوم.
في بداية الرقية لم أتأثر، وفي الرقية الثانية تأثرت قليلا، وبعد يومين كنت متضايقة، ونمت ليلا، وفي بداية نومي حلمت أن شيطانا على هيئة كرة يضرب معدتي، فاستيقظت وأنا أصرخ، وكدت أن أموت من شدة الألم، ثم خف الألم بعد ساعة وعدت إلى النوم.
أخبرت الراقي عن الحلم فقال: نعيد الرقية، وعند الرقية تيبست يدي وانكمشت كأن فيها كهرباء، وتصلب جسدي، وبعد فترة من الرقية بدأت أختنق، وكان جسمي ينبض عند قراءة القرآن وسورة البقرة، وأشعر دائما بشيء على معدتي، كما تتحرك أصابع قدمي ويصيبها التنميل، وحلمت بشيطان يحاول معاشرتي.
حاولت التواصل مع الراقي كثيرا، فأعاد لي العلاج، وأجرى لي رقيتين، وفي الرقية الأخيرة تصلب جسدي ولساني، ولم أعد أستطيع تحريك جسدي، وحاول الراقي قراءة القرآن والتحدث مع الجن لإخراجه من جسدي، لكن لم ينفع، وتعبت كثيرا.
بعد ذلك حاولت التواصل مع الراقي، لكنه كان يؤجل الرقية في كل مرة، حتى إنه لم يعد يرد علي، مع أنه يأخذ مالا كثيرا، فتركت الأمر، لكن بقيت أشعر بشيء على معدتي، ليس ألما وإنما حركة، وأحيانا كقرص الإبر وتنميل وتيبس في أصابع قدمي، بينما خف ألم رأسي وخفت الأحلام.
بعد ذلك نصحوني أن أذهب إلى رجل آخر، فذهبت، لكنه لم يكن راقيا، وقال لي: ضعي يدك على المصحف، ثم قال إن معي سحرا وحيرة منذ أن كان عمري 18 سنة وحتى عمر 41 سنة، فقلت له: لم أقتنع بكلامك. فقال: أنا فقط سأفك السحر عنك، وطلب مني أن أجلس على الأرض وآخذ شهيقا وزفيرا، وقال: "باسم الله يخرج كل سحر وعين وحسد ومس وحيرة"، ثم أعطاني شيئا أغسل به جسدي وبخورا أتبخر به.
لم أقتنع بكلامه، فهل أفعل ما قاله لي؟ أنا خائفة أن أكون قد عصيت ربي، ولم أكن أعلم، وأنا الآن في حيرة من أمري، فقد كبرت والسحر أتعبني وأتعب جسدي ووجهي، حتى تأتي أيام أشعر فيها بثقل شديد على جسدي وتعب ملحوظ، وأحيانا يصيبني ألم قوي في ساقي وقدمي، وعندما أجري التحاليل تكون سليمة.
أرجو مساعدتي: هل أترك ما قاله لي ذلك الرجل؟ وماذا أفعل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أميرة .. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا الكريمة- في إسلام ويب، وردا على استشارتك أقول مستعينا بالله تعالى:
أشعر بمعاناتك الشديدة وأسأل الله أن يشرح صدرك ويكتب لك العافية، وأرجو أن تتعاملي مع هذه المعاناة بهدوء وطمأنينة بقضاء الله وقدره، بعيدا عن تهويل الرقاة واستغلالهم، كما أسأل الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح، وهذه خلاصة شرعية ونفسية مختصرة ومركزة لمعاناتك.
من الناحية الشرعية:
• السحر والعين حق، لكن لا يجوز الجزم بوجودهما بمجرد الظنون والأعراض؛ وكثير من الرقاة يوسعون التشخيص بشكل مخالف للدليل، ويستغلون حاجة الناس ويطلبون مبالغ كبيرة، وهذا من علامات عدم المصداقية.
• الرقية الشرعية الصحيحة تكون بالقرآن والدعاء المشروع، دون طقوس غريبة أو بخور أو مواد مجهولة، ولا يحتاج معها للحديث مع الجن، ولا تكلفات تفضي إلى المزيد من الوهم والاتهامات الباطلة.
• لست بحاجة للذهاب إلى أي راق، ويمكنك رقية نفسك من خلال ما يأتي:
- قراءة سورة الفاتحة سبع مرات، آية الكرسي ثلاث مرات، المعوذات ثلاث مرات، سورة الإخلاص ثلاث مرات، والآيتين الأخيرتين من سورة البقرة، وما تيسر من سورة البقرة ولو كاملة وآيات السحر، ثم تمسحين على جسدك.
- من الأدعية النافعة في الرقية ما صح عن النبي ﷺ: اللهم رب الناس أذهب البأس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما.
- حافظي على أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم والدخول والخروج من المنزل، وأذكار دخول الحمام والخروج منه، والنوم على طهارة، وذكر الله قبل النوم.
• عدم رد الراقي عليك رغم أنك تعطينه أجرته دليل على تلاعبه، وأما الراقي الثاني فواضح من كلامه أنه ليس راقيا شرعيا، وقد أحسنت أنك تركته، ولا ننصح أن تفعلي ما طلب منك.
• في حال الحاجة لراق، ابحثوا عن راق ثقة معروف بمتانة دينه، ويرقي بالرقية الشرعية، بالقرآن والأدعية وبكلام مفهوم، ولا يستخدم أي أسلوب مريب.
• دائما ننصح قبل الذهاب لأي راق بالتأكد من عدم وجود مرض عضوي أو نفسي؛ لأن أكثر الرقاة ليس عندهم الخبرة الكافية، وهمهم كسب المال.
من الناحية الصحية والنفسية:
• كثير من الأعراض التي وصفتها (التوتر، الانقباضات، التنميل، الشعور بثقل، اضطراب النوم، الأحلام المزعجة) قد يكون لها تفسير طبي أو نفسي، كاضطراب القلق، أو توتر عصبي، أو نقص في بعض الفيتامينات.
• يمكن علاج ذلك بواسطة الطبيب المختص، وقد يكون العلاج يسيرا جدا وجرعاته قليلة؛ لذلك فمن المهم جدا مراجعة طبيب حاذق ثقة مختص في الباطنية، وكذا الأعصاب؛ لإجراء تقييم هادئ، وإن لزم الأمر مراجعة طبيب نفسي؛ فهذا من باب الأخذ بالأسباب المشروعة.
• لا تجعلي فكرة (السحر) تستولي عليك، وتكون محور حياتك؛ فكثرة التفكير والتعلق بها تزيد الأعراض وتستنزف النفس والجسد.
الجانب الإيماني والأسري:
• الزواج رزق مقدر للإنسان ذكرا كان أو أنثى، من قبل أن يخلقه الله تعالى، وتأخر الزواج ليس دليلا على إصابتك بالسحر بالضرورة، بل هو قضاء الله وقدره، وقد يؤخر الله الخير لحكمة.
• نوصيك بالإكثار من الدعاء، مع تحين أوقات الإجابة، وخاصة في الثلث الأخير من الليل وأثناء السجود، وسلي ربك أن يرزقك الزوج الصالح الذي يسعدك في هذه الحياة، مع يقينك باستجابة الله لدعائك وحسن الظن به سبحانه وتعالى.
• أكثري من الاستغفار والصلاة على النبي ﷺ؛ فذلك من أسباب تفريج الكروب وكفاية الهموم، فقد صح في الحديث: من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب، وقال لمن قال له: أجعل لك صلاتي كلها: إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك.
• يجب على أهلك أن يعينوك في البحث عن زوج صالح، وعليك أن تلتحقي بحلقة لتحفيظ القرآن الكريم؛ ففيها ستجدين الرفيقات الصالحات، وربما تخطبك إحداهن لأخيها أو ابنها مثلا.
• حافظي على الصلوات الخمس في أوقاتها، وأكثري من نوافل الصلاة والصوم وتلاوة القرآن الكريم؛ فذلك سيجلب لقلبك الطمأنينة والسعادة، كما قال تعالى: ﴿الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾، كما أن كثرة الأعمال الصالحة تجلب الحياة الطيبة، قال تعالى: ﴿من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون﴾.
الخلاصة:
• اتركي ما قاله لك ذلك الرجل ولا تلتزمي بطقوسه.
• قومي برقية نفسك بالقرآن والأذكار الصحيحة فقط، بدون مبالغ مالية ولا خرافات.
• اعرضي حالتك طبيا ونفسيا بهدوء.
• استمري في الدعاء وحسن الظن بالله، مع أخذ الأسباب المشروعة للزواج.
نسأل الله تعالى أن يرفع عنك ما تعانين، وأن يرزقك الزوج الصالح، وأن يقدر لك الخير حيث كان ويرضيك به.