السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب أريد الزواج، وتقدمت منذ فترة لابنة عمي، في البداية تم الرفض دون إبداء سبب، ثم بعد عدة أشهر أعيد فتح الموضوع، ووصلنا إلى قبول مبدئي بعد تدخل بعض الأقارب، لكن تبين لاحقا أن التحفظ كان من أخيها، لا من والدها.
جلس أخوها معي ولم يذكر أسبابا واضحة، ثم صرح لاحقا لوالدي أن سبب رفضه أنه كان يرتب أموره ليتزوج أولا، فأعطي مهلة شهر لإعادة ترتيب حساباته.
خلال هذه الفترة، ومع طول التردد وعدم وضوح الموقف، فقدت الارتياح لهذا الزواج، ولم يعد في قلبي رغبة أو شغف بالاستمرار، علما بأنه لم يكن هناك تعلق عاطفي سابق بيني وبين ابنة عمي.
في أثناء ذلك، تواصلت معي فتاة أخرى أعرفها في إطار تعليم القرآن، وكان التواصل في حدود الأدب، ثم تبين لي أن نيتها في الزواج صادقة، وأنها دعت الله كثيرا أن يختار لها الخير، ومع مرور الوقت تعلق بها قلبي، ووجدت ارتياحا نفسيا تجاهها.
لما جلست مع والدي وأخبرته بما في نفسي، قال لي: إنه لا يمكن إنهاء موضوع بنت عمي؛ لأن عمي أثناء قراءة فاتحة أخي صرح بأن زوجة أخي ستكون سلفة ابنته، وأن أهل بنت عمي -وخصوصا عمي- متعشمون جدا في هذا الزواج، وقال لي والدي: إن العدول عن الموضوع يعد نقضا للعهود، وقد يعرضني للإثم، وأنه سيستحي من النظر في وجه عمي طوال العمر، وكذلك سأستحي أنا منهم.
وأضاف أن تعلق بنت عمي بي جاء من كلام بعض الأقارب عني، لكن هذا -في ظني- غير ظاهر؛ لأنهم تكلموا عنها أمامي ولم يحصل مني أي تعلق، مع أنني بطبعي سريع التعلق، كما أن جميع أفراد أسرتي -على رأي والدي- يرون ضرورة لإتمام الموضوع، وإن كان تشددهم أقل منه.
نيتي ليست الإضرار بأحد، وإنما الخروج من هذا الموضوع بطريقة لطيفة تحفظ الود وصلة الرحم، حتى ولو باستخدام وسائل غير مباشرة لا تحرج أحدا، ومن ذلك أنني أفكر في الجلوس مع عمي سرا على انفراد قبل أي اتفاقات رسمية، لإقناعه بلطف، ثم الحضور للاتفاق ووضع شرط أنني لا أكتب في قائمة المنقولات إلا ما تأتي به الزوجة فقط، مع علمي أن هذا مخالف للعرف عندنا، وأنهم غالبا لن يوافقوا عليه؛ لأن عرفنا أن العريس يكتب قائمة بكل شيء.
أرجو التوجيه والنصح، وجزاكم الله خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إبراهيم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونذكر بأن عم الرجل صنو أبيه، وأن بنت العم في أرفع المنازل، وأن هذا الخلل الذي حدث لا ذنب للفتاة فيه، ولا ذنب لوالدها، وقد وضح لك الأمر عندما جاء هذا الأخ الذي كان يرفض لأسباب لا علاقة لك بها، ولا علاقة لها بالفتاة، إنما كان الرجل يريد أن يتقدم في الزواج على أخته، وهذا الكلام ينبغي أن يحملك للمزيد من التمسك ببنت العم.
الأمر الثاني: أرجو أن تدرك أن سعادة الإنسان أن يفوز بامرأة يرضى عنها الوالدان، ويكونان بسعادة بها، والأسرة كلها، فيبدو أن هذا الزواج سيكون سببا لمزيد من الترابط الأسري، ومزيد من السعادة بينك وبين بنت العم؛ ولذلك نحن نميل إلى السير في هذا الاتجاه.
كما أن العلاقة الأخرى التي نشأت وأخبرت عنها الوالد نتمنى ألا تتمادى في تلك العلاقة، لأنها أيضا علاقة ليس لها غطاء شرعي، وبنت العم أنت أيضا لم تتعرف عليها، ولم تكلمها، يعني لم يحصل هذا حتى يحصل بعد ذلك التعلق من عدمه، والإنسان -ولله الحمد- يدرك أهمية هذه الأمور، خاصة في طبيعة بلادنا التي فيها هذا التمسك العائلي، فيها الرغبة في أن تكون البنت لابن عمها، وهو أولى الناس بها، ويبدو أن هذا الشعور كبير جدا من كلمات الوالد الواضحة والقوية جدا، وهذا سيكون سببا للإشكالات.
ولذلك أتمنى أن يكون السير في هذا الاتجاه، ولا نؤيد أيضا الخروج عن المألوف، إذا كان الناس قد ألفوا شيئا واعتادوا شيئا، في الأشياء المنقولة التي تأتي بها الزوجة أو يأتي بها الزوج، أرجو ألا تخرج عما ألفه الناس؛ لأن هذا في حد ذاته سباحة ضد التيار، وسيجلب لك ولهم المتاعب.
طالما كان هذا الذي يحدث ليس هناك ما يمنعه من الشرع، وطبعا الشرع يريد البساطة، ويريد اليسر في المهور، يريد هذه الأمور، لكن حتى نبلغ هذا قد تكون مسؤوليات أمثالك -ممن تعلموا- قد يكون دورهم كبيرا جدا في تغيير هذه الأنماط العائلية والعادات والتقاليد، وحتى تتغير تلك العادات يجب أن نحترمها، ويجب أن نضعها في موضعها الصحيح، وإلا -كما قلنا- ستكون سباحة ضد التيار، وهذه تجلب للإنسان الكثير من المتاعب، وقد تسبب عدم رضا الوالد، أو عدم رضا الوالدة.
وكما أن الفتاة الغريبة لها ميزات، كذلك بنت العم لها ميزات، فهي: الأصبر على الإنسان، وأبناؤه يكونون أيضا محبوبين، ويجدون مساحة كبيرة من الاهتمام، عدد من الأخوال والعمات والأعمام، ويكون هذا كله في مصلحة هؤلاء الأطفال وفي مصلحة نشأتهم.
فنسأل الله أن يعينك على الاستجابة لرغبة الوالدين، وأن يجمع بينكم في الخير وعلى الخير، ولك أن تضع ما شئت من الأسس والقواعد، فأنت القيم على الأسرة، وانطلق في كل ذلك من قواعد وآداب هذا الشرع الذي شرفنا الله -تبارك وتعالى- به، وكن لطيفا في الشروط التي تتخذها، أو في النظام الذي تريد أن تبني عليه بيتك، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.