السؤال
السلام عليكم
عقد قراني منذ قرابة سنة، على شخص صاحب خلق ودين، هو يعبر لي كثيرا عن حبه، وهذا واضح من تصرفاته واهتمامه بي، لكن المشكلة أنني لا أشعر بالانجذاب لشكله، لطالما تمنيت شريكا يجذبني، وليس بالضرورة قصة حب أو أمور رومانسية كبيرة، فقط شخص أشعر تجاهه بالقبول والانجذاب، وهذا الشعور للأسف لا أجده تجاه خاطبي.
فسخ الخطوبة أمر صعب جدا في عاداتنا وتقاليدنا، خاصة مع قلة الشباب الذين يتقدمون للزواج، وهذا ما يزيد حيرتي، صليت صلاة الاستخارة، وأقرأ القرآن، وأدعو الله باستمرار، لكنني لا أشعر براحة أو إشارة واضحة، وهذا الأمر يتعبني نفسيا.
أشعر بحزن كبير على نفسي، وأتساءل: لماذا لا أكون مثل باقي الفتيات اللواتي يفرحن بخطبتهن؟ أنا أيضا أريد أن أفرح، وأن أعيش لحظات جميلة.
يزيد قلقي أمر آخر، وهو أنه عندما نخرج معا يعلق أحيانا على فتيات أخريات، ويقول لي: “انظري إلى هؤلاء” أو “انظري إلى هذه”، وأحيانا ألاحظ أنه ينظر إلى فتيات أخريات، واجهته بهذا الموضوع، فقال: إنه لا يقصد شيئا، وربما أصبح الأمر لا إراديا بالنسبة له، لكنني لا أرتاح لهذا التصرف ولا أتقبله.
أنا في حيرة كبيرة، ولا أعرف ما القرار الصحيح، ولا كيف أتعامل مع هذا الوضع.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ياسمين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك أختي الكريمة في إسلام ويب، وردا على استشارتك أقول، ومن الله أستمد العون:
قرار الزواج قرار مصيري؛ فالزواج ليس تسلية، وإنما هو مشروع حياة وأسرة، ولذلك أتفهم قلقك النفسي، والزواج أمر مقدر قد قدره الله تعالى قبل أن يخلق الإنسان، ولا يحدث في هذا الكون شيء إلا بموجب ما قضاه الله وقدره، قال تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر)، وقال عليه الصلاة والسلام: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء)، ولما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة)، وقال عليه الصلاة والسلام: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس)، والكيس الفطنة.
أقدار الله كلها خير للعبد، وإن لم يدرك العبد الحكمة في الحال فسوف يدركها في المستقبل، فمن كان من رزقك ونصيبك لا يمكن الفرار منه، ومن ليس من نصيبك فلو اجتمع أهل الأرض كلهم ليجعلوه من نصيبك فلن يكون ذلك، كما ورد في الحديث: (واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا).
للشيطان مداخل كثيرة ليصرف العبد عن إعفاف نفسه، ومنها ما تذكرينه من قضية عدم وجود الانجذاب، ولو ركزت معي في الصفات التي حث الشرع على وجوب توفرها في الزوج، لوجدت أن مسألة الانجذاب غير موجودة، بل ركز الشرع على قضيتين فقط، فقال عليه الصلاة والسلام:"إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" فالدين والخلق صفتان متلازمتان لا تنفكان أبدا، وهما صمام أمان للحياة الزوجية السعيدة، وصاحب الدين والخلق إن أحب زوجته أكرمها، وإن كرهها سرحها بإحسان.
قضية الحب والانجذاب التي أنت مركزة عليها تأتي تباعا، وذلك حينما يتم عقد القران وتصبحين زوجة للرجل، وصدق الله وهو أصدق القائلين حيث قال: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ۚ إن في ذٰلك لآيات لقوم يتفكرون} فالمودة والرحمة تأتي حين يصبح الرجل زوجا وتصبح المرأة زوجة، ولذلك جعل الله ذلك آية من آياته.
ليس المطلوب في الزواج أن يحصل حب جارف، أو رومانسية مبالغ فيها، ولكن قدر من القبول والراحة النفسية والانجذاب المعتدل، وهذا الاعتدال مهم جدا.
من حقك أن تنظري بعد توفر صفتي الدين والخلق في بقية صفاته التي تكون سببا في دوام العشرة واستقرار الحياة وغض البصر، دون أي مبالغة أو تأثر بالعادات والتقاليد التي قد يكون بعضها دخيلا على المجتمع المسلم. ومن حكمة الشارع أنه حرص على بناء الأسرة المسلمة على المودة والتراحم لدوام العلاقة الطيبة، فأرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى رؤية المرأة التي يراد خطبتها ونكاحها مع التأدب بآداب الشرع، فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه خطب امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما)، أي: أحرى أن تدوم المودة بينكما، وفي رواية أخرى قال المغيرة: "فنظرت إليها ثم تزوجتها، فما وقعت عندي امرأة بمنزلتها". وهذا الحق كما هو للرجل فهو للمرأة كذلك.
أوصيك أن تكثري من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم كلما أتتك هذه الفكرة التي تنفرك عن زوجك؛ لأنها وساوس شيطانية، أو خوف طبيعي يقع عند كثير من الفتيات قبل الزواج، وهذا الخوف يزول تدريجيا بعد الزواج، ولا تركزي على مسألة الانجذاب فحسب، ولكن قارني بين هذا الانجذاب وبقية ما فيه من الصفات الإيجابية التي هي عماد الرجولة وتوفر للزوجة السند والأمان، بحيث لو وضعت قضية الانجذاب في كفة وبقية صفاته في كفة أخرى لرجحت كفة الصفات الإيجابية، وهذا هو المطلوب. والعقلاء هم الذين لا يبحثون عن الكمالات التي هي عزيزة للغاية، ومن كثرت صفاته الحسنة غمرت صفاته السيئة في بحر حسناته.
تعليقه على الفتيات، ونظره إليهن تصرف غير جائز من الناحية الشرعية والأخلاقية، وخاصة أمامك؛ لأن في ذلك جرحا لمشاعرك، ويجب عليه أن يعود نفسه على غض بصره امتثالا لأمر الله تعالى، فبعض الرجال يمكنهم ترك ذلك بالتدرب وغض البصر، وتذكر العقوبة الإلهية للذي ينظر للحرام.
لا ننصحك بالفسخ، فالرجل -كما ذكرت- صاحب خلق ودين، واحمدي الله على هذه النعمة، فكثير من المتزوجات يشتكين من سوء أخلاق أزواجهن، وسوء عشرتهن، كما ننصحك بعدم مراقبته، ولا كثرة العتاب له في هذا الأمر الآن، فهذا باب من الشيطان يريد فتحه عليكم ليفسد زواجكم، خاصة وأنه أصبح زوجا لك شرعا، وننصحكم بسرعة تعجيل أمر الزواج لأنه خير لك وله، وحينها تستطيعين أن تؤثري عليه، والحديث معه في هذا الأمر بأسلوب جميل وغير منفر، اشرحي له خطورة النظر للنساء، وأنه يفسد قلب الرجل، ويقلل من إعجابه بزوجته، وفي المقابل قد يبتلى في أهله وأخواته، واسأليه حينها: هل تحب أن ينظر الرجال إلي هكذا؟ سيكون جوابه بالنفي القاطع، وحينها سيعرف خطورة هذا الأمر.
نوصيك بالمحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها، مع الإكثار من نوافل الصلاة والصوم وتلاوة القرآن واستماعه؛ فذلك من أسباب جلب الراحة والطمأنينة والحياة الطيبة، قال تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ۗ ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، وقال: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
نسأل الله تعالى أن يختار لك ما فيه الخير، وأن يقذف في قلبك الطمأنينة، ويرزقك الزوج الصالح والسعادة في الدارين، ونسعد بتواصلك.