فضل ترك الفتاة طلباً لرضا الوالدين

0 321

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أنا شاب أعمل مدرسا للرسم، ومن خلال عملي وأنشطتي في المدارس والمؤسسات تعرفت على فتاة في منتهى الأدب والأخلاق، فرغبت بالزواج منها، إلا أن أهلي قد رفضوا بحجة أنها ليست جميلة! وأنهم على استعداد على تزويجي بفتاة أخرى، لكن أرى أن هذه الفتاة مناسبة لي، ولما أردت أن أقنعهم هددني أبي بطلاق أمي إن بقيت مصرا على هذه الفتاة! فهل لهذا الطلاق إن تم حل في الإسلام؟ وهل زواجي من هذه الفتاة بدون موافقة أهلي من عقوق الوالدين؟ أولم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم: (فاظفر بذات الدين)؟

أفيدونا جزاكم الله كل الخير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد .. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:

يسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يبارك فيك، وأن يكثر من أمثالك، وأن يصلح ما بينك وبين والديك، وأن يرزقك زوجة صالحة تكون عونا لك على طاعته ويرضى عنها والداك، وأن يصلح ما بينكم، وأن يؤلف على الخير قلوبكم، إنه جواد كريم.

فإنه مما لا شك فيه أن قضية الزواج في المقام الأول مسألة شخصية، وتهم الشاب أو الرجل في المقام الأول، ولذلك لم يوجه النبي - صلى الله عليه وسلم – الخطاب لأحد في قضية الاختيار إلا للرجل، حيث قال - صلى الله عليه وسلم – عندما أخبره أحد الصحابة – رضي الله تعالى عنهم – بأنه قد تزوج امرأة فقال له - صلى الله عليه وسلم -: ((هلا نظرت إليها؟ قال: لا. قال: انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا)). وفي رواية: ((فإن في أعين الأنصار حولا))، وفي رواية: ((انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما)).

فهذه قضية تهم الرجل في المقام الأول، ولا تهم غيره إلا تبعا، بمعنى أن الأسرة من حقها أن يتزوج ابنها من أسرة مناسبة لها في المنزلة وفي المكانة الاجتماعية وفي الدرجة الاجتماعية من المجتمع، هذا ممكن ولكنه ثانوي، أما الأساس فهي رغبة الشاب، ومدى قناعته بالفتاة التي سوف تقيم معه ويعيش معها تحت سقف واحد، ويرى منها وترى منه.

لكن كما تعلم - بحكم العادة والأعراف والتقاليد – بلادنا أصبحت تحكمها الأعراف والتقاليد أكثر من الإسلام والشرع، فكثير من تصرفات الناس الآن تخضع للعرف والعادة، ولا تخضع – مع الأسف الشديد – لشرع الله تعالى، لا لكلام الله تعالى ولا لسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم – ومن هذه الصور ما ذكرته أنت من أمر والدك، فهذه قضية تخصك أنت شخصيا، وهذه فتاة أنت قبلتها حتى وإن كانت غير جميلة، لكنك ترى أنها مناسبة، وليس الجمال جمال الجسد، وإنما هناك جمال آخر ينبغي أن يراعى، وكونك استرحت لها أو ناسبتك فهذا هو الجمال، لأنه لا يلزم أن تكون المرأة ملكة جمال حتى تتزوج، فإن هناك فتيات وهناك أناسا ليس لديهن أدنى قدر من الجمال، ولكن عقل الأم الراجح يكاد أن يزن عقول آلاف الرجال، ولذلك تكن بركة على زوجها وعلى أولادها وعلى مجتمعها كله.

إلا أنه - كما ذكرت - جرت العادة بأن الآباء والأمهات يتدخلون، كأن الوالد هو الذي سيتزوج، وبذلك يقوم بإلغاء شخصية ولده نهائيا أو إلى حد بعيد، وهذا ما حدث معك الآن، فإن والدك وضع العقدة أمام المنشار – كما يقولون – يقول: "إما أن تطلق أمك وتتزوج هذه الفتاة، أو تترك هذه الفتاة ولا تطلق أمك".

لذلك أقول - أخي الكريم بارك الله فيك – نعم لك أن تظفر بذات الدين، وهذا حقك، ومن حقك أن تختار الفتاة المناسبة ولا أنازعك في ذلك، ولكن أتمنى ألا يبنى هذا الحق على سعادة أو تعاسة الآخرين، فما ذنب أمك - بارك الله فيك – لتطلق لأمر سوف يتحقق من ورائه – بالنسبة لك – نفع ولكنه سيلحق بها ضررا؟!

أتمنى أن تكون أنت العاقل، وأن تكون أنت الكبير، وأن تكون صاحب القلب الكبير، وأن تعلم - أخي الكريم – أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، وأن الله تبارك وتعالى أمرنا بطاعة الوالدين ما لم يأمرا بمعصية، وهذا الذي يفعله أبوك هو من باب المباح أو من باب المكروه، لأنه يكره له أن يتدخل في ذلك، ولكنه ليس حراما مقطوعا به، لأن هذا الأمر - بارك الله فيك - ما زال مجرد اختيار وممكن أن أبحث عن غيرها إرضاء لوالدي، فهذا فيما يبدو نوع من الظلم لك، لأنه مصادرة لحقك الشرعي وحقك الإسلامي في اختيار من تراها مناسبة.

واعلم - أخي الكريم – أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، وأنا أبشرك بخير عوض - بإذن الله تعالى – ما دمت قد قدمت رضا والدك على هوى نفسك ابتغاء مرضاة الله، وأبشرك - بإذن الله تعالى - بهدية عظيمة من الله تعالى، قد يمن الله عز وجل عليك بفتاة أفضل منها خلقا ودينا، وتجمع أيضا جمالا، وقد تجمع أيضا مالا وحسبا ونسبا، فاترك الأمر لله سبحانه وتعالى - أخي الكريم – واعلم أن هذا من طاعة الله تعالى، لأن ((رضا الله من رضا الوالدين))، واعلم أن ((سخط الله من سخط الوالدين))، واعلم أن رضاهما عند الله تعالى عظيم، حتى وإن جاء على حساب نفسك.

فأرجو منك - بارك الله فيك - أن تعتذر لهذه الأخت أو لأهلها إن كنت قد تكلمت معهم، وأن تقول لهم: (إني نازل على رغبة والدي، لأني لا أريد أن أخسر رضاه عني في الدنيا ولا في الآخرة، ولعل الله أن يرزقك خيرا مني)، اعتذار طيب واعتذار جميل، ثم بعد ذلك قل لوالدك: (لقد تركتها إكراما لك ومحبة في أمي، وعسى الله تبارك وتعالى أن يعوضني خيرا).

وهذا الكلام لا يترتب عليه أن تقاطع والدك، ولا أن تعبس في وجهه، أنت تفعل ذلك وأنت في غاية الرضا - أخي محمد – لأن هذا الأصل الشرعي. نعم أنا أعلم أنه حرمك حقا من حقوقك، ولكن ما عند الله خير وأبقى، فاجتهد في حسن معاملته وفي إكرامه، لأن بعض الناس أحيانا قد يغضب على والده فلا يمر عليه ولا يتكلم معه، ودائما يراه عابسا ويراه غضبانا، أنا لا أريد منك ذلك حتى تأخذ الأجر كاملا، وحتى يعوضك الله خيرا من وراء ذلك خيرا.

فاذهب إلى أبيك وقبل يده - إن كنت متعودا على ذلك - وقل له: (يا أبي قد تركت تلك الفتاة من أجلك، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك فيك وفي أمي، لأنكما عندي أغلى من نفسي)، واترك هذا الأمر، وعاملهما بكل إحسان وبكل مودة كما كنت تعاملهم، ولا تعتبر هذه قضية بينك وبين والدك، واعلم أن هذه الفتاة ليست من نصيبك، لأنها لو كانت من نصيبك لكان قد شرح الله صدر والدك لها، ومن يدريك لعل أباك عندما تتنازل يقول (اذهب فتزوجها).

فاترك الأمر لله وأطع والدك - وإن كان ليس على صواب – ولكن اعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، وبإذن الله لن يضيعك الله ببركة برك بوالدك وإحسانك لأمك، وأسأل الله أن يمن عليك بعوض أفضل مما ستفقد، وأن يجعلك من سعداء الدنيا والآخرة، وألا يحرمك بر والديك وبركة دعائهما، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات