الفرق بين الغبطة والحسد

0 436

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
لقد ساءت حالتي مرة أخرى رغم كل المجهودات والتقدم الذي طرأ، لكن عاد الحزن يغرقني مرة أخرى، حيث تكثر الأعراس في العطلة الصيفية، فهذه تزوجت وتلك خطبت، والدعوات لحضور المناسبات مستمرة، وبعض صديقاتي أساعدهن في تجهيز عرسهن، ورغم فرحي لهن إلا أن قلبي يتألم بشدة عندما أنظر لحالي.

وقد صارحتني ابنة عمتي المقربة إلي بأن ابن عمتها صارحها بحبه الكبير، وحكت لي بفرح لا يوصف كل ما تشعر به وما يخططان له، وقد جعلني ذلك أحتقر نفسي لأني أغار دون قصد مني، وعندما أبقى وحدي أشعر بأني منافقة أظهر فرحي لهن لكن داخلي يتقطع ألما رغم أني أتمنى لهن كل الخير، فماذا أفعل لكي أخرج من هذه الحالة؟ علما بأني لا أستطيع مصارحة أي شخص بذلك فقد يظنني حسودة حاقدة ولست كذلك.
أرشدوني وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Douaa حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنك لست حسودة لأنك تفرحين لنزول النعم على أخواتك وزميلاتك وصديقاتك، والحاسدة هي التي تتمنى زوال النعمة عن أخواتها سواء كان في نفسها رغبة في تحول تلك النعم إليها أم لا.

وأما تمني مثيل النعمة فهو عمل مشروع وهو ما يسمى بالغبطة، وهو المقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الخير، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها)، وفي رواية: (ورجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار)، فهوني على نفسك، واسألي الله من فضله، واعلمي أن نعم الله مقسمة، فهذه تعطى زوجا ولكنها تحرم الولد والسعادة، وأخرى يعطيها الله زوجا وولدا لكنها تفقد العافية، وأخرى يعطيها الله عافية ويحرمها من المال، وأخرى... وهكذا.

والسعيدة التي تعرف نعمة الله عليها لتؤدي شكرها فتنال بشكرها لربها المزيد، وما فقدت من وجدت الأخلاق والدين، ولذلك قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: ((ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا))[طه:131]^، ثم قال في ختام الآية: ((ورزق ربك خير وأبقى))[طه:131] قال بعض المفسرين: يعني (ورزق ربك) من الدين والصلاح خير وأبقى، فإن الله سبحانه يعطي الدنيا لمن يؤمن ولمن يكفر، لكنه لا يعطي الدين إلا لمن أحبه.

والمؤمنة إذا وجدت نعم الله تتنزل على أخواتها تفرح وتسعد وتتوجه إلى الواهب الكريم بحاجتها، وهذا منهج الأنبياء والأتقياء، فهذا نبي الله زكريا لما دخل على مريم ووجد عندها من الطعام ألوانا وأشكالا قال: ((يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب))[آل عمران:37]^، فتوجه إلى الوهاب وكأنه يقول: يا من أكرمت هذه المرأة: ((هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء))[آل عمران:38]، فجاءته الإجابة على وجه السرعة -وهذا ما تفيده الفاء- ((فنادته الملائكة وهو قائم ...))[آل عمران:39].

وأرجو أن تعلمي أن لكل شيء وقتا وأجلا وأن الكون ملك لله ولن يحدث في كون الله إلا ما أراده الله، وعجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، فلا تحملي نفسك ما لا تطيق، واعلمي أن اختيار الله لك أفضل من اختيارك لنفسك.

وهذه وصيتي لك بتقوى الله، وقد أحسنت بكتمان ما في نفسك وأنت مشكورة على احترامك لمشاعر أخواتك، وكم نحن سعداء بأن تشعر فتياتنا بأننا في مقام الآباء والأخوات، فمرحبا بك في موقعك، ونسأل الله أن يسهل أمرنا وأمرك، وكوني واثقة أننا في خدمة فتياتنا وشبابنا الذين هم أمل الأمة، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات