السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا ونبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم....أما بعد:
إخواني وأخواتي الأعضاء...السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أولا: أتمنى منكم عدم حذف الموضوع.
ثانيا: أتمنى عدم تجاهلي بالإجابة على الموضوع.
ثالثا: سأشرح لكم قصتي، أنا إنسان طرحت لكم موضوعا قبل 3 أشهر تقريبا، والموضوع بسبب ما أعاني به من بعض الأعراض التي تنتابني في مواقف كثيرة، لا أعلم ما سببها؟!
وكان الرد من الإخوه بأنك تعاني من رهاب اجتماعي أو نوبات هلع، ولابد من مراجعة دكتور نفسي، وأنا يا إخواني الأعزاء لو ذهبت وجلست على الكرسي عند الدكتور النفسي فأعتبر نفسي انتهت حالتي.
وأنا الآن لا أريد منكم أن تقولوا: اذهب إلى دكتور نفسي، أريد الأخوة الإسلامية التي تربطنا والتي أسمع عنها أن أشاهدها بالفعل، بمساعدتي في مشكلتي.
أنا قبل عامين إنسان سليم جدا أدخل المساجد وأصلي في جماعة، أدخل الأسواق، أسافر، أذهب إلى البنوك..الأماكن العامة والأماكن المغلقة، أدخل المستشفيات، أدخل إلى أي مكان، كنت لا أعرف هذه الأعراض! ولكن في يوم من الأيام وأنا ذاهب من مكة إلى جدة ومعي أحد الأقارب وكنت أتحدث في السيارة فجأة أحسست ببرود نزل على صدري، وتعرق في يدي وجوع ولم أقف بل أكملت المشوار، ومع الأيام ازدادت الحالة إلى أن وصلت إلى هذا الحد.
وهو والله يا إخوان أنني أريد الصلاة في المسجد في جماعة ولكن لا أستطيع، أريد أن أذهب إلى المستشفى لكي أعمل تحاليل قبل الزواج، والله لا أستطيع!
أريد أن أذهب إلى عملي والله أذهب كأنني مجبور ووسط خوف إلى أن أصل.
أريد أن أتمشى مثل الناس ولا أستطيع!
أقسم بالله أن اسمي نزل في ديوان الخدمة المدنية أمس بالمرتبة السادسة، وأنا الآن أعمل ببند العمال براتب 3000 ريال والحمد لله، ولكن لم أستطع الذهاب إلى الديوان لاستلام الوظيفة، وبقي على مدة الاستلام أو أن ينسحب اسمي 10 أيام، ولكن لا أستطيع!
زواجي بعد أربعة أشهر ولا أدري ماذا أفعل؟!
لا أستطيع الوقوف في الزحام أو الدخول في البنوك أو الذهاب للأسواق!
والأعراض هي:
دقات قلبي تزيد..أحس أني أريد أخذ نفس عميق، ولكن لا أستطيع، أجد التعرق في اليدين والرجلين، ارتباك وتوتر وأحس أنني غير متزن في مشيي!
هذه هي حالتي وأعراضي، فهل من إنسان أو إنسانة يساعدني ويكتب أجره عند الله، أم أنني أتألم وأتجرع الحسرات إلى أن ألتجىء إلى الانتحار! تعلمون لماذ!؟ لأنني لا أريد أن أفشل أمام الناس في زواجي بسبب حالتي.
وأنا حالتي لا يعلم بها أحد سوى أنتم. وشكرا.
أخوكم، أتمنى أن لا تتخلوا عني، فأنا بأمس الحاجة لكم بعد الله عز وجل.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فكما ترى لم نتجاهل رسالتك وها نحن نقوم بالرد عليها بأسرع ما يمكن، ونشكرك كثيرا على ثقتك في الشبكة الإسلامية، ونسأل الله لك ولنا ولجميع المسلمين العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
أستطيع أن أقول - بعد التدقيق في رسالتك هذه –: إنني قد استنتجت أنك قد حكمت على نفسك بأحكام مسبقة، وهذه الأحكام قاسية جدا وهو أنك قد حاصرت نفسك في (لا أستطيع، لا أستطيع، لا أستطيع)، وهذا - أخي الكريم – أمر غير مقبول، فإن هذا في شرع الله غير محمود، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، فالاستطاعة موجودة لدى كل إنسان لكن كل حسب قدرته وعزيمته، فقد قال تعالى: (( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ))[البقرة:286]، وقال سبحانه: (( فاتقوا الله ما استطعتم ))[التغابن:16]، وقد روي أن رجلا كان يأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم بشماله فقال له صلى الله عليه وسلم: (كل بيمينك. فقال الرجل: لا أستطيع – كما تقول أنت – فأعاد عليه صلى الله عليه وسلم: كل بيمينك. فقال: لا أستطيع – كما تقول أنت – فقال صلى الله عليه وسلم له: (لا استطعت، ما منعه إلا الكبر)، ونحن على قناعة تامة أنك لست متكبرا - حاشا لله - ولكن هذا عجز داخلي وفقدان الدافعية تساعد عليه النفس المنهزمة والمستسلمة ومن ثم يرتع الشيطان في ساحته ليدعم هذا الموقف السلبي والاستسلامي، فقط على الإنسان أن يجد ويثابر ويجتهد في الأخذ بما يستطيع، فلا تقل هذه الكلمة وقل عكسها: (أنا قادر بإذن الله تعالى)، (اللهم إني ضعيف وبك قوي)، (اللهم إني فقير وبك غني)، (اللهم إني ذليل وبك عزيز) – وهكذا –
فإن هذا أولا أعتقد هي مشكلتك الأساسية، فأنت - أخي الكريم – استطعت أن تكتب لنا هذه الرسالة بهذه الصورة المنسقة والمرتبة جدا، وهذا دليل بسيط جدا أنك تستطيع أن تقوم بأشياء كثيرة وكبيرة وعلى رأسها أداء الصلاة؛ لأن الصلاة هي مفتاح الخير ومفتاح البركة وهي المحفز وهي المقوي وهي المطمئن، وفوق ذلك هي عماد الدين - ولا شك في ذلك – وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله، وهي التي تميز المسلم من الكافر، وهي التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم لبلال – رضي الله عنه -: (أرحنا بها يا بلال)، والتي قال عنها صلى الله عليه وسلم: (وجعلت قرة عيني في الصلاة)، والتي قال الله تعالى فيها: (( حافظوا على الصلوات ))[البقرة:238]، وقال: (( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ))[النساء:103].
فأرجو أن تكسر هذا الحائط الذي بينته حول وجدانك وحول فكرك المعرفي، قل: أستطيع، وأستطيع، وأستطيع وسوف أنفذ، وأبدأ في التنفيذ فورا، وكن عاصيا للشيطان الذي يأمرك بالهزيمة، فإن الشيطان عدو لكل مؤمن: (( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ))[فاطر:6]، وهو الذي يأمر بذلك ويصدك عن ذلك: (( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ))[المائدة:91].
هذا هو العلاج لحالتك يا أخي، فإن الذي يبني مثل هذه الأفكار ويعتقد أن الآخرين سوف يقدمون له حلا فإن هذا لا يوجد أبدا، فقد قال الله تعالى: (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ))[الرعد:11]، فما دام الإنسان لديه عقله ولديه جسده والجسد والعقل يسيطر على الجسد ويوجهه وعليه يستطيع أن يوجه إرادته – وهذا شرط من شروط التكليف – في كل شيء: في أمور الدين والدنيا، فهذا هو العلاج السلوكي النفسي الذي نراه بالنسبة لحالتك، فيجب أن تحقر هذه الفكرة – فكرة لا أستطيع -، وتعظم وتنمي وتقوي فكرة (أستطيع وسوف أستطيع وسوف أعمل الآن).
ثم لماذا التحدث عن الانتحار، ما الذي يدعوك إلى الانتحار؟! .. أنت تعاني من قلق نفسي بسيط، تعاني من خوف، تعاني من توتر، وهذا أمر ليس بالمعضلة وليس بالصعب، فحياتك هي أعظم وأغلى من كل هذه الأعراض، كما أن الانتحار هو أمر محرم تحريما قطعيا في الشرع الحنيف، قال تعالى: (( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما * ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا ))[النساء:29-30]، فأرجو أن لا تضخم ما ينتابك من أعراض وأوقف هذه السوداوية وعش الحياة بكل قوة وأمل وفعالية.
لقد تعجبت واستغربت تماما حين قلت: إنك لن تستطيع أن تذهب إلى الطبيب النفسي لأنك تعتبر نفسك انتهيت، لماذا يا أخي مثل هذا التفكير؟ نحن لا نجبرك مطلقا على الذهاب إلى الطبيب النفسي، ولكن حقيقة يجب أن تصحح هذه المفاهيم، فأنت تستطيع أن تفعل ذلك، عليك الذهاب إلى عملك، وأنت الآن تخطط للزواج بعد أربعة أشهر فإن هذا أمر جميل وأمر عظيم، فأقدم على ما تريد القيام به ولا تطاوع نفسك في التقاعس عما تراه واجبا وزد على ذلك، وادع الله تعالى أن يعافيك ويشفيك.
وعليك أن تستعين بعد الله تعالى بالقدوة الصالحة وبالإخوة الخيرين، تحدث معهم واشرح لهم ذلك، تخير شخصا أو شخصين من الأفاضل، وسوف تجد منهم المساندة والاستبصار.
وبما أنك لا تستطيع الذهاب إلى الطبيب النفسي فيمكنك التغاضي عن ذلك في الوقت الحاضر وعليك أن تبدأ العلاج الدوائي فورا، فاذهب اليوم إلى الصيدلية وتحصل على العلاج الدوائي، وأنا أثق تماما أن العلاج الدوائي سوف يساعدك تماما وسوف تبدأ في الشعور بالتحسن بعد أسبوعين من بداية العلاج، فإن هنالك أدوية كثيرة كلها أدوية ممتازة قد يكون أفضلها هو العقار الذي يعرف باسمه التجاري (زيروكسات Seroxat) أو يسمى تجاريا أيضا بـ (باكسيل Paxil) ويسمى علميا بـ (باروكستين Paroxetine)، فأرجو أن تبدأ في تناوله بجرعة عشرة مليجرامات – نصف حبة – ليلا لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ارفع الجرعة بنفس المعدل – عشرة مليجرامات - كل أسبوعين حتى تصل إلى جرعة حبتين – أي أربعين مليجراما - في اليوم، واستمر على ذلك لمدة ستة أشهر، ثم خفض الجرعة بمعدل نصف حبة كل ثلاثة أشهر، ثم توقف عن تناوله.
بعد أن تتحسن حالتك - بإذن الله تعالى – بمساعدة الدواء يمكنك أن تذهب إلى الطبيب وذلك من أجل الجلسات النفسية ومن أجل التوجيه ومواصلة العلاج.
هذا هو الذي أستطيع أن أقوله لك في هذه المرحلة، وأرجو ألا تضخم وألا تجسد وألا تعظم مشكلتك، فهي ليست بهذه الشدة وبهذه الصعوبة، وأنت تستطيع أن تعمل الكثير، فقط عليك أن تكسر هذا الحاجز النفسي ولا تقل: لا أستطيع.
وبالله التوفيق.
بإمكانك الاستفادة من الرقية الشرعية هنا:
( 237993- 236492-247326 )