الخجل الزائد عن اللزوم وفقد الثقة بالنفس

0 379

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سأحاول - بإذن الله - أن أسرد لكم ما أنا فيه على قدر الإمكان.
أنا أعاني من فقد الثقة في النفس تماما، فكلما أقدم على فعل شيء ما أتردد كثيرا قبل أن أقوم به، وإذا أقدمت على فعله يراودني شعور بالقلق والندم على ما فعلته، ولا أعرف إذا كان ما فعلته صحيحا أم خطأ؟ وهذا الحال دائما يحدث معي.

لذا أخاف كثيرا أن أقدم على أي فعل أو اتخاذ أي قرار، أخاف أن أفشل فيه
أيضا، فقدت ثقتي بنفسي، بجانب خجلي الزائد عن اللزوم، فهو يجعلني أبتعد عن مجالسة الناس مثل الجيران أو زيارات في البيت أو عن أي مكان جديد يتواجد فيه أشخاص لأول مرة أقابلهم، فأنا لا أتكلم كثيرا، فيشعرني هذا بأنني غير مرغوبة في المكان أو أن وجودي مثل عدمه، فأنا لا أعرف كيف أتعامل مع الناس؟! لذلك للأسف ليس لدي أصدقاء، ولا أعرف كيف أتعرف على أصدقاء؟! وبالتالي أشعر دائما بالوحدة وأنني غير مرغوبة من جميع الناس.
وعندما أسير في الطريق أو في الجامعة أشعر بأن الكل ينظر إلي، حتى أحسست بأني غريبة عن كل الناس، على الرغم بأني ـ والحمد لله ـ محجبة وألبس ملابس محتشمة، ولست ملفتة للنظر.
أعتذر عن الإطالة وأتمنى أن يتسع صدركم لي، فأنا لا أجد من أتحدث معه، حتى أصبحت في معظم الأوقات مكتئبة وحزينة.

وجزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مسلمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

فجزاك الله خيرا، ونشكرك على تواصلك مع الشبكة الإسلامية وثقتك فيما تقدمه.

مفهوم الثقة في النفس هو من المفاهيم التي قد يخطأ البعض في تعريفها، أو ربما يكون هنالك معاني متشعبة أتت من هذا المفهوم، وأخطر ما في مفهوم عدم الثقة في النفس أن الإنسان يطلق على نفسه صفات، وينعت نفسه بما ليس فيه، وهذا بالطبع يعتبر هو لب المشكلة، أي حين أقول لا ثقة لي في نفسي وآخذ الأمور بهذه الكيفية وعلى هذا الإطلاق أكون قد حكمت على نفسي أحكاما وجد أنها في معظم الأوقات ليست صحيحة، لذا يرى علماء النفس - وكذلك علماء الاجتماع – أنه من الضروري جدا أن نفصل بين مشاعرنا وبين أفعالنا في بعض الأوقات، فقد تكون مشاعرنا سلبية جدا حيال أنفسنا، وقد نقلل من قيمة أنفسنا لدرجة أن يصل هذا الموقف أو هذا التقييم إلى درجة سلبية جدا تكون هي في حد ذاتها المشكلة الأساسية؛ لذا فالأمر الصحيح في قياس وتقييم النفس هو أن أنظر لما أقوم به من أعمال - مهما كانت بسيطة –.

الأعمال اليومية فيما يخص الدراسة وفيما يخص التواصل مع الآخرين، والاهتمام بالنفس، والحرص على العبادات، والرؤية المستقبلية، مهما كانت هنالك نظرة سلبية نحو الذات فسوف يجد الواحد منا أنه يقوم بأعمال إيجابية كثيرة جدا، وهذا هو الضروري.

إن التطبيق الواقع وما أقوم به هو الذي يجب أن أقيم نفسي على أساسه وليس على أساس مشاعري، فأنت على سبيل المثال تقولين: (لست متأكدة ولا ترين إذا كان ما فعلته صوابا أم خطأ)، فإن الإجابة واضحة جدا، فالإنسان عرضة للصواب وعرضة للخطأ، ولكن عليه أن يجتهد، وعليه أن ينظر إلى الأمور بدقة وتحليل جيد، ثم بعد ذلك يتصرف التصرف الذي يراه صوابا، حتى وإن كان التصرف خطأ لا نستطيع أن نقول أن هذا الإنسان قد قصد أن يقع في الخطأ أو أنه لا يعرف.

إذن تصحيح المفاهيم هو الشيء الأساسي جدا لئن يعيد الإنسان ثقته في نفسه، فعليك أن تنظري وسوف تجدين أنك تقومين بأشياء جيدة وطيبة جدا وإنجازات كثيرة، ولكنك لم تهتمي بها، وكان تركيزك هو دائما على ما تعتقدينه أنه إخفاق أو أداء سلبي في حياتك، وهذا هو اهتزاز الثقة في النفس.

واهتزاز الثقة في النفس أيضا هو في الأصل مفهوم نفسي، فبعض الناس يتخيرون لأنفسهم السلبية دون أن يقصدوا، ونقول لهم: تخيروا لأنفسكم الإيجابية، وانظروا إلى الحياة بقوة وأمل، وهذا هو الضروري.

ثالثا: ليس من الضروري أن أقيس وأقيم كل أفعالي، وليس من الضروري أن أرصد كل ما أقوم به، فنحن نتفق تماما أن الإنسان يجب أن تكون له معايير، ويجب أن تكون له ضوابط ذاتية، ولكن ليس من الضروري أن أقيم كل شيء وأقيس كل شيء أقوم به.

فالذي أرجوه منك هو أن تتأملي في كل الأفكار التي وردت في رسالتك، وحاولي أن تفكري في الفكرة المضادة لها، فأنت تقولين على سبيل المثال: (أنا حين أقوم بأي عمل أخاف أن أفشل فيه) فقولي: (حين أقوم بعملي - إن شاء الله - سوف أنجح فيه وسوف أسعى لئن أن أنجح فيه)، أعطي لنفسك هذه الفرصة من التفكير، فهذا أمر مطلوب جدا.

وبالنسبة للتردد في فعل الأشياء هو وسيلة من وسائل التأكد، وهو يعتري جميع البشر في تفكيرهم، ومن أفضل سبل التخلص منه هو اللجوء إلى الاستخارة؛ لأن الاستخارة تطمئن الإنسان وتفتح له أبواب الثقة في نفسه، فعليك بذلك.

والإنسان أيضا يمكن أن يلجأ إلى الاستشارة، فيمكنه أن يلجأ إلى الآخرين خاصة في الأمور الكبيرة، وهذا لا يعني التردد أبدا، ولا يعني قلة الثقة في النفس، إنما هو من أجل التحوط ومن أجل التأكد، وعليك أيضا أن تتخذي قدوة أو أسوة من الذين تعتقدين أنهم ناجحون في حياتهم، وأنهم لا يترددون، وأنهم يتخذون قراراتهم بكل قوة ويقومون بتنفيذها.

أرجو أن تتجاهلي المشاعر غير الصحيحة في واقع الحياة، مثل أنك تشعرين بأنك غير مرغوبة من جميع الناس، فلماذا هذا الشعور؟ فإن هذا شعور سلبي وشعور ليس صحيحا، فحقري هذا الشعور وقولي: (أنا سوف أنظر إلى نفسي بصورة أكثر إيجابية).

نصيحتي لك أيضا أن تحسني من مهاراتك الاجتماعية الذاتية، فعلى سبيل المثال: حين تتكلمين مع الناس انظري إليهم في وجوههم – هذا أمر ضروري جدا – وأرجو أن ترفعي أيضا من مستواك المعرفي ومن مستواك التواصلي؛ لأن ذلك يسهل عليك كثيرا مخاطبة الآخرين وأن يكون لك حضور في التجمعات وبين صديقاتك وبين زميلاتك.

أما الإحساس بأنك غريبة؛ فربما يكون هو نوع من القلق ونوع من الحرص أنك تريدين الأفضل ولكن التفكير السلبي يسيطر عليك، فأرجو أيضا أن تتجاهلي ذلك.

أنصحك أيضا بالانخراط في الجمعيات الطلابية، أي نوع من الجمعيات الموجودة بين الطالبات فعليك أن تنضمي إلى هذه الجماعات وتشعري من خلالها بفعاليتك.

وأنصحك أيضا بأن تقومي بكتابة كل الإنجازات التي أنجزتها في اليوم، وفي نهاية اليوم قومي بكتابة كل ما قمت بعمله، وانظري إلى هذه الأعمال التي قمت بها وسوف تجدين أنها أعمال إيجابية وكثيرة جدا، فهذا أمر مهم وضروري جدا لئن تتحول أفكارك حول نفسك وحول ذاتك من سلبية إلى إيجابية.

أخيرا أرجو أن تتأملي وتتفكري أن المستقبل - إن شاء الله - أمامك مشرق، فأنت لا زلت في سن صغيرة، وأمامك - إن شاء الله - الكثير، فعيشي حياتك بكل قوة وبكل أمل، وركزي على دراستك، وحاولي أن تكوني من المتميزين، وضعي لنفسك أهدافا، وضعي الآليات التي سوف توصلك إلى هذه الأهداف.

لا تحقري نفسك أبدا، وارفعي من قيمتك الذاتية، فإن الآخرين ليس بأفضل منك بأي حال من الأحوال، فيجب أن يكون دائما هذا هو شعورك، وهذا هو المبدأ الذي ترتكزين عليه.

أسأل الله تعالى أن يوفقك وأن يسدد خطاك، وكل عام وأنتم بخير.

ولمزيد من الفائدة يمكنك الاستفادة من الاستشارات التالية حول العلاج السلوكي لقلة الثقة بالنفس: ( 265851 - 259418 - 269678 - 254892 ).

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات