إمكانية إصابة المؤمن الصالح التقي بالأمراض النفسية

1 611

السؤال

هل من الممكن أن يصاب الإنسان المسلم المؤمن الصالح التقي الذي يحافظ على فرائضه وصيامه وقراءة قرآنه والحج والعمرة بمرض نفسي؟

الرجاء الإجابة بوضوح وصدق.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله - تبارك وتعالى - أن يحفظك من كل مكروه وسوء، وأن يثبتك على الحق، وأن يوفقك في دراستك، وأن يجعلك من العلماء العاملين والأولياء الصالحين الذين يرفعون راية الإسلام في جميع الميادين.

بخصوص ما ورد برسالتك – ابني الكريم الفاضل محمد – هل من الممكن أن يصاب الإنسان المسلم المؤمن الصالح التقي الذي يحافظ على فرائضه وصيامه وقراءة قرآنه وأدائه للحج والعمرة بمرض نفسي؟ أقول لك: نعم، فإن هذا أمر طبيعي، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أحب الله قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط). وقال صلى الله عليه وسلم: (نحن معاشر الأنبياء أشد الناس بلاء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى المرء على قدر دينه، فمن قوي إيمانه اشتد بلاؤه).

فحقيقة المؤمن أكثر عرضة للابتلاء من غيره، وذلك لعدة أسباب، على رأسها أن الله تبارك وتعالى يريد أن ينقي المؤمن من أي ذنب أو خطيئة وقع أو يقع فيها بهذه الابتلاءات؛ لأن هذا البلاء الذي يصيب المؤمن كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة حتى يمشي على الأرض وليست عليه من خطيئة)، فهذه الابتلاءات هي نوع من التطهير القوي الذي يستعمله الله تبارك وتعالى مع أوليائه حتى لا يعذبوا في قبورهم وحتى لا يعذبوا يوم لقائه سبحانه؛ لأن هذا البلاء يمحق الذنوب والخطايا محقا.

كذلك أيضا قد يكون هذا الابتلاء سببا في رفع درجة العبد عند الله تبارك وتعالى يوم القيامة؛ لأن الله تبارك وتعالى يحب الصابرين، وكما قال ربنا: ((إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب))[الزمر:10]، إن شاء الله تبارك وتعالى أن يجعل هذا العبد الصالح صاحب ابتلاء، وأن يرزقه الصبر على هذا الابتلاء حتى يعطى أجره بطريقة لا يعطاها أحد من الخلق، فإن العلماء نصوا على أن الصابرين لا يوزن لهم بميزان ولا يكال لهم بمكيال ولا يعد عليهم بعداد يوم القيامة، وإنما يعطون أجرهم من عرض كرم الله تبارك وتعالى دون تحديد لهذا الكرم الذي يغدقه الله الكريم تبارك وتعالى عليهم.

إذن هل من الممكن أن يصاب هذا العبد الصالح بمرض نفسي؟ فأقول: نعم، بل هو أولى؛ لأن محبة الله تبارك وتعالى له تقتضي شدة الابتلاء له حتى يعافى من الذنوب أو حتى يكون في أصحاب المنازل العالية عند الله تبارك وتعالى وقلت لك إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نحن معاشر الأنبياء أشد الناس بلاء)، فالأنبياء هم أعظم الناس بلاء، والدليل على ذلك أيوب عليه السلام، والدليل على ذلك يعقوب عليه السلام، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصاب بالحمى حتى إن حرها كان يكون على باب غرفته، وكان الرجل إذا وضع يده على لحاف النبي عليه الصلاة والسلام وجد شدة الحرارة من فوق اللحاف، فهذا أنس يقول: (ما أشد الحمى عليك يا رسول الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني أتوعك بتوعك رجلين اثنين منكم) يعني إذا أصيب الإنسان بحمى فإن النبي صلى الله عليه وسلم يصاب بحمى مضاعفة، وتستطيع أن تقول أن النبي صلى الله عليه وسلم درجة حرارته في المرض كانت تزيد عن الكلام الطبي الذي يقوله الناس، فالناس يقولون إذا وصلت الحرارة إلى أربعين درجة مئوية فإن الإنسان يموت، فما بالك بأن النبي صلى الله عليه وسلم ابتلي بلاء مضاعفا، فقد تكون أكبر من ذلك ورغم، ذلك كان يصبر النبي صلى الله عليه وسلم.

ولكن - كما ذكرت لك - هذا الذي يبتلى به العبد المؤمن إما أن يكون تطهيرا له من الذنوب حتى الصغائر وإما أن يكون رفعا لدرجاته التي عدها الله تبارك وتعالى له في الجنة.

أسأل الله لك التوفيق والسداد، كما أسأل الله تبارك وتعالى أن يثبتنا وإياك على الحق، وأن يعيننا وإياك على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأبين لك ختاما بأن الإنسان إذا ابتلي بمرض فإنه يجب عليه أن يبحث عن أسباب الشفاء، وأن يعرض نفسه على الأطباء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تداووا عباد الله فإن الله ما خلق داء إلا وجعل له دواء، علمه من علمه وجهله من جهله)، فعلينا أن نأخذ بالأسباب أيضا وأن نعالج أنفسنا لدى المتخصصين سواء في المرض النفسي أو في غيره، ولنعلم أن الشفاء بيد الله، وأن الشافي هو الله، ولكن الأخذ بالأسباب جزء من الإيمان بلا إله إلا الله.

ولكن ينبغي أن نعلم أن المؤمن الحريص على الطاعة هو من أسعد الناس وأرضاهم بأقدار الله تعالى، فإذا أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، فهو يتناول الابتلاء بانشراح صدر، فشتان بينه وبين من يضيق ذرعا بالحياة فيهم بالانتحار!

فهذا هو الفرق بين المؤمن وغيره، فنفس المؤمن نفس راضية منشرحة، وحياته طيبة وادعة هادئة، صحيح أنه قد يصاب بغم أو هم لأمر ما، لكن ليس هذا ديدنه، وليست هذه حياته، فهذه هي الحياة الطيبة التي وعد الله المؤمنين بها في الدنيا، والتي يجدون لذتها العظمى في الآخرة أيضا.
ففرق بين مرض عضوي عارض وبين هذه الأمراض النفسية التي انتشرت بكثرة في هذا العصر لبعد الناس عن منهج الحق، طبعا كما قلنا ينبغي التفريق بين المرض النفسي المتولد عن جزع وهلع على الرزق والحياة، فهذا لا ينبغي في المسلم الحق، وبين ما قد يصاب به المسلم من هم وغم وربما وسواس في عقيدته وصلاته أحيانا، فهذا كائن وموجود، لكن لكل واحد منهما دواؤه وعلاجه.

هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات